وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

د. ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء الأسبق يوجه رسالة باللغة العبرية لقادة اسرائيل عبر وكالة "معا"

نشر بتاريخ: 15/07/2008 ( آخر تحديث: 15/07/2008 الساعة: 08:02 )
بيت لحم -معا- وجه ناصر الدين الشاعر، نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم الاسبق رسالة باللغة العبرية الى قادة اسرائيل عبر وكالة "معا" دعاهم فيها الى التوقف عن تغذية الحقد والكراهية، وكل ما من شأنه ايقاذ العنف والحرب باعتبار ان ذلك سيرتد سلبا على الجميع دون استثناء.

وقد قامت وكالة معا بترجمة الرسالة الى اللغة العبرية وهي موجودة على موقع الوكالة باللغة العبرية ، وفيما يلي نص الرسالة :


رسالة مفتوحة إلى قادة إسرائيل السياسيين

بقلم د. ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق

ملاحظة " قامت وكالة معا بترجمة نص الرسالة من اللغة العربية الى اللغة العبرية وهي موجودة بالنص العبري على موقع الوكالة باللغة العبرية."


السادة قادة إسرائيل السياسيون، وصناع القرار،

على اختلاف مستوياتكم في الحكومة والبرلمان والأحزاب،

لقد رأيت أن أتوجه إليكم ولشعبكم بهذه الرسالة المفتوحة من خلال وسائل الإعلام، لوضع الحقائق كما هي على الأرض أمام شعبنا وشعبكم لنسألكم بصراحة عما تسعون للوصول إليه عبر سياساتكم وممارساتكم الحالية في الأراضي الفلسطينية التي من المفترض أن تكون مناطق سيادية تحت إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية.

تأتي هذه الرسالة نتيجة لصدمتي، بل وصدمة كل من وقعتم معهم الإتفاقيات، مما تمارسونه في الضفة الغربية هذه الأيام من إجراءات قمعية إذلالية يسأل السياسيون والمراقبون والصحفيون من كل مكان عن مبرراتها وجدواها وتوقيتها، فلم يجدوا جميعاً إلا جواباً واحداً، ألا وهو تفجير بركان الكراهية في المنطقة. وهو ما لا يمكن أن يسهم مطلقاً في توفير الأمن والاستقرار وخلق أرضية للتفاهم على أي شيء.

وأنا لا أتحدث هنا باسم السلطة الفلسطينية، ولا باسم أي من الفصائل الفلسطينية على اختلافها. إنما كمواطنٍ فلسطيني يعاني ما يعانيه أي فلسطيني ويرى ما يراه، فضلاً عن أنني مارست السياسية لفترة محدودة من خلال منصبي نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للتربية والتعليم العالي الفلسطيني، مما أتاح لي الفرصة للاطلاع على بعض حقائق الأمور.

ودعوني أقول لكم بصراحة: إذا كنتم غير قادرين أو غير جاهزين لصنع السلام فلا تغذوا الحقد والكراهية وكل ما من شأنه إيقاد العنف والحرب، لأن ذلك سيرتد على الجميع.

الكل هنا يتساءل عن هذه الإجراءات التي يقوم بها جيشكم في مناطقنا وهل تأتي حقاً بهدف جلب الأمن والسلام لشعبكم؟ وما هو المدى الذي يمكن أن نحكم من خلاله على أهمية إغلاق مؤسسات مجتمع مدني متواضعة تم تضخيم وزنها عمداً والادعاء بأنها شبكة لحركة حماس توفر لها الدعم المالي والتعاطف، وتدعم الإرهاب، بل وتشكل نواة دولة لحماس داخل دولة السلطة حسب زعم قادتكم؟

إن جيشكم يقوم اليوم بإغلاق مدرسة بنات أساسية، وروضة أطفال، ومستوصف طبي، ونادي رياضي، ومؤسسة لرعاية شؤون الأيتام. فهل هذه المؤسسات المدنية تشكل تهديداً استراتيجياً لوجود دولتكم وأمن أطفالكم، وأنتم تتحدثون عن الجيش الذي لا يُقهر والدولة الأقوى في المنطقة؟

وهل تريدون إقناعنا وإقناع مواطنيكم والعالم بأن طاولة التنس التي صادرها جيشكم من نادي رياضي وأن طاولة البلياردو التي حطمها جيشكم وأن محل ملابس الموضة للشابات العصريات الذي أغلقه جيشكم بات يشكل خطراً على أمنكم؟ فما هذه الدولة الهشة إذاً! وهل تريدون إقناع الناس بأن كل ما تقومون به هنا إنما هو لمقاومة الإرهاب، بما في ذلك الأبواب الداخلية وزجاج المحلات التي دمرتموها والعيادات التي صادرتم معداتها وباصات تلاميذ المدارس التي صادرتموها وأثاث المكاتب الذي حملتموه بشاحناتكم إلى معسكرات الجيش؟ حتى صور الرئيس عباس المعلقة في المؤسسات يقول الشهود أنها لم تسلم من الحملة الأمنية.

والأدهى من ذلك، أن يسعى جيشكم لإغلاق مركز تجاري بما فيه من عشرات المحلات التجارية التي تعود ملكيتها لمواطنين من القطاع الخاص، كما هو الحال في نابلس ومركزها التجاري "المول". والعجيب أن ينص قرار الإغلاق الذي وزعه جيشكم على أن هذه المحلات التجارية الثابتة والمنقولة بالعقار والبضائع التي فيها قد تحولت ملكيتها بالكامل إلى الجيش الإسرائيلي. وتلك سابقة يمكن للقانونيين وصفها بأنها قرصنة وجريمة حرب. وينص القرار كذلك على أن تواجد أي شخص من أصحاب المحلات وسواهم في "المول" بعد 15/8/2008، يشكل مخالفة لتشريع الأمن التي عقابها خمس سنوات سجن فعلي واعتباره بأنه يعمل لصالح حماس ويعرضه لعقوبات إدارية وجنائية. هكذا بكل استخفاف بالقانون والمنطق تتحول ممتلكات خاصة في أراضي السلطة الفلسطينية إلى ملكية حصرية للجيش الإسرائيلي ويتعرض أصحابها للعقاب إذا فكروا بالوصول إليها وسيعاملون على أنهم يقدمون الخدمة لحماس المحظورة! فأي إجراءٍ هذا؟ وهل يعلم مواطنوكم بما تفعلونه بشعبنا تحت غطاء حمايتهم من الإرهاب الموهوم؟ نعم إنني مصر على معرفة إن كان شعبكم يعلم بذلك أم لا.

أنا أعلم أنكم تغطون على هذه الأفعال "بفزاعة" محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه. لكنكم تعلمون أن هذه المؤسسات التي استهدفتموها لا علاقة لها بالإرهاب حتى حسب التوصيف الإسرائيلي للإرهاب. بل وتعلمون أن هذه مجرد مؤسسات مجتمع مدني أو قطاع خاص. بل وتعلمون أن معظم هذه المؤسسات عمرها يتجاوز عمر حماس وتأسست حتى قبل تأسيس حماس، وأن عدداً منها قد حصل على تراخيص العمل في حينه من حكومتكم، ولكنكم ترفضون الحديث عن ذلك.

كما أنكم قمتم باقتحام عدد من البلديات والمؤسسات الوزارية التابعة للسلطة الوطنية ومصادرة حواسيب جباية ثمن الماء والكهرباء وغيرها وملفات تتعلق بعمل البلدية ومتابعتها لشؤون المواطنين. فهل هذا أيضاً له علاقة بالإرهاب؟
بل وقد اقتحمتم عدداً كبيراً من المساجد وعبثتم بها في اعتداءٍ صارخ على دور العبادة والحرية الدينية. بل وقد صادرتم من مكتبات بعض المراكز العلمية مئات المراجع العلمية الدينية التي يستغرق جمعها سنوات طويلة. فهل هذا له علاقة بالإرهاب؟ وأنا بهذا الخصوص أضع جزءاً من المسؤولية على المؤسسة الدينية عندكم للقيام بما يلزم لوقف هذا العدوان على حرياتنا الدينية. وإلا وصلت رسالة سلبية منكم لمواطنينا بأنكم موافقون على ما يجري وأن "الإيمان" الذي تمثلونه يسمح بانتهاك الحريات الدينية ودور العبادة للآخرين. ولا أحد يملك وقف الأمر وتوضيحه سواكم، ولن يقوم أحد بالأمر نيابةً عنكم. وآمل أن لا يصدق أحد بأن هذه الانتهاكات إنما تأتي لملاحقة الإرهاب، خاصة وأن أجهزة الأمن الفلسطينية تتابع كل صغيرة وكبيرة وتقوم بأكثر مما هو مطلوب منها في باب الأمن. والغريب أن تتكثف نشاطات جيشكم هذه الأيام في نابلس رغم أنها تشهد تنفيذ خطة أمنية فلسطينية مستمرة منذ شهور بلغت حد الشكوى من كونها تنتهك حقوق إنساننا الفلسطيني.

وتتناقل وسائل الإعلام لدينا تصريحات لعدد من قادتكم الذين يتزعمون الحملة اليوم، مفادها أن هناك أهدافاً عديدة لهذه الحملة وعلى رأسها تقوية السلطة الفلسطينية وضرب البنية التحتية لحماس وإضعاف قدرتها. لكن جميع المراقبين والمحللين، بل والمواطن العادي في فلسطين، يمكنه أن يطمئنكم بفشل هذه الحملة في تحقيق هكذا أهداف. بل إنها لن تجني إلا عكس ما أردتم. فهل إغلاق دار للأيتام سيؤدي إلى إضعاف حماس، وهل إغلاق روضة ومدرسة تلاميذ سيؤدي إلى إضعاف حماس، وهل ضرب مصالح المواطن العادي ومصادرة محله التجاري سيضعف حماس، وهل اقتحام دور العبادة سيضعف حماس؟ وهل اقتحام مؤسسات وزارية تابعة للسلطة كوزارة الأوقاف ووزارة التربية والتعليم العالي هي أيضا لإضعاف حماس؟
إنني هنا لست بصدد الدفاع عن أحد، إنما نحن في معرض فهم الأمور على طبيعتها من غير خداع نفسٍ ولا خداع بصر.

فسلوك كهذا الذي يقوم به جيشكم بأوامر وتوجيهات من قادته السياسيين والعسكريين، لن يكون إلا وقوداً آخر للكراهية والشر والشرر، فهل هذا ما يريده قادتكم؟ وهل هذا سيجلب الأمن ويؤسس للسلم والاستقرار في المنطقة؟ يا له من تقدير خاطئ!

ومن قال لكم بأن هذا السلوك يخدم السلطة الفلسطينية على حساب حماس؟ ومن قال لكم بأن هذا يشكل دعماً للمعتدلين في الساحة الفلسطينية؟ لقد جاء دولة الدكتور سلام فياض بشخصه إلى مدينة نابلس معرباً عن رفضه لإجراءاتكم وعن تأييده للمواطنين في وجه تصرفاتكم. بل وقد أعلن أن الحكومة الفلسطينية ستعوض المتضررين، بل وطالبهم بعدم الانصياع لقراراتكم بإغلاق المحلات والمؤسسات.

وهل استمعتم إلى المواطنين في نابلس وغيرها وعرفتم مواقفهم فوجدتم أنهم بدؤوا بانتقاد حماس والالتفاف حول السلطة الفلسطينية ومبايعتها بعد خطوتكم؟ لا، بل لعل العكس هو الذي حصل عندما بدأت الناس تتساءل عن دور السلطة وجدوى وجودها ولم ندفع لها الضريبة والتراخيص وما هذه الاتفاقيات التي لا توفر الحماية القانونية لصاحب محل تجاري. عليكم أن توقنوا أن حماس إذا امتد نفوذها فإنما يمتد لسبب فيها ولطبيعة الأشياء والصراع من جهة أولى، ولسبب فيكم بحكم تصرفاتكم وإجراءاتكم المقيتة بحق شعبنا من جهة أخرى، فضلاً عن قتلكم لكل أمل في الحل والتسوية العادلة. فأنتم ترفضون حل الدولة الواحدة من جهة، وتجهضون خيار حل الدولتين من جهة أخرى من خلال إجراءاتكم الأحادية على الأرض. فما هو الخيار الذي أبقيتموه للفلسطينيين المعتدلين وغير المعتدلين على حد سواء؟ وما الذي قدمتموه حتى للسلطة التي تتباكون عليها وللسيد الرئيس الذي بلغ الأمر ببعض قيادتكم التلميح لعدم تمثيله للشعب رغم أنه رئيس منتخب من شعبه، ثم هل هذا المشكك منكم يؤمن بنتائج الديمقراطية الفلسطينية بحق وجاهز للتعامل مع نتائجها! ثم هل طلبت منكم السلطة الفلسطينية هذه التقوية المزعومة على شعبها؟ أم أنكم تتوهمون الأمور وتقرؤون أفكارنا بطريقتكم، وتسعون للتفكير نيابة عنا سلطة ومعارضة؟ أم هي هواية تعميق الخلافات داخل شعبنا لاستخدامها ذريعة لإجراءاتكم؟

لقد رسمت هذه الحملة في ذهن المواطن الفلسطيني صورة متجددة لجيشكم، هذا الجيش الذي بات يدخل الى المدن الفلسطينية ليلا ولديه الشاحنات التي وظيفتها تحميل الاثاث والبضاعة من المحلات وأجهزة الكمبيوتر والأدوات الكهربائية التي نشتريها منكم، وتطور الأمر مؤخراً لاعتقال الباصات ومصادرتها، من أمام البيوت.

فهل باص التلاميذ سيقدم للمحاكمة بتهمة الإرهاب، وهل سيتوقفون في حماس عن العمل بعد أن خسرت حركتهم خمس باصات، لا تعود ملكيتها لها ابتداءً، وهي الحركة التي يحتضنها ناسها ولها أصدقاؤها في كل مكان في العالم حتى حسب تقديرات قيادتكم؟ وهل حولتم جيشكم من جيش احتلال رغم ما في الاحتلال من قهر ومظالم إلى جيش سطو على البيوت والمؤسسات والوزارات؟

ثم هل قرر قادتكم التراجع الكامل عما تبقى من بقايا اتفاقيات مع الفلسطينيين بشأن مناطق السلطة الفلسطينية وصاحب النفوذ فيها؟ كنتم مع بداية الاحتلال لمناطقنا قد شرعتم التعامل بموجب ما يسمى بأملاك الغائبين، أما اليوم فان القرار الذي صدر بحق مول نابلس قد حول الاراضي الفلسطينية الى ملكية للجيش الإسرائيلي، الأمر الذي لعل هولاكو لم يفعله من قبل. فهل أنتم تتكلمون عن العودة للاحتلال الصريح والضم والمصادرة، بينما نحن ننتظر الخلاص من آخر وأطول احتلال في هذا العصر؟

إنني أجدني مضطراً للحديث بصراحة متناهية معكم ومع مواطنيكم. فإنني لا أرى الأمور من الزاوية التي تعرضونها لنا ولمواطنيكم على حد سواءٍ. بل إنني أراها من زاوية التهرب من السلام العادل من ناحية، ومن زاوية الهروب من مشاكلكم الداخلية باتجاهنا من ناحية أخرى. وإن الصراع على السلطة عندكم لا يجب أن يكون عبر الجرأة علينا وعلى حقوقنا بأشكال استعراضية عندكم ومأساوية بحق شعبنا.

وإلا فما الذي فعله الفلسطينيون كلهم، وليس حماس وحدها، ضد أمنكم في الأيام بل والسنوات الأخيرة، حتى تقوموا بكل هذه الإجراءات القمعية؟ لقد قامت السلطة في الضفة بحملة أمنية يعلم بها القاصي والداني. ولقد قامت حماس ومعها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بالتوقيع على تهدئة متبادلة معكم لقاء لقمة عيش المواطن المسكين. فما الذي تريدونه من الفلسطينيين فوق ذلك؟ بل لقد قبلت سائر الفصائل الفلسطينية وبضمنها حماس ببرنامج سياسي مشترك يمنح رئيس السلطة والمنظمة تفويضاً للتفاوض معكم، ثم وافقت حماس، وعبر الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر، على عرض أي اتفاق يتوصل إليه الرئيس معكم على استفتاء شعبي وأنها ستقبل بنتيجة ذلك الاستفتاء بشرط أن يكون نزيهاً وشاملاً. فما هو المطلوب من الفلسطينيين سلطة وفصائل فوق ذلك؟ أنا لا أحدثكم باسم السلطة ولا باسم هذا الفصيل أو ذاك، ولست هنا أقصد الدفاع عن سياسات أي منهم. فلكلٍ منهم متحدثوهم الرسميون وناطقوهم الإعلاميون. إنما أتحدث إليكم باسم المواطن الفلسطيني، بغض النظر عن وجوده في هذه الجهة أو تلك، إن كان ذلك يعنيكم بشيء.

وإن ما تقومون به هذه الأيام، يجعلنا نحن الفلسطينيين جميعاً، نرجح عدم جدية وجاهزية قيادتكم للسلام الحقيقي العادل، وهو ما يفسر سلوككم وإجراءاتكم على الأرض باعتبارها هروباً إلى الأمام من أي استحقاق للسلام الحقيقي. فهل أنتم مستعدون لإثبات عكس ذلك؟ وهل أنتم مستعدون لمصارحة شعبكم قبل غيره بالحقيقة الكاملة؟ وهل أنتم مستعدون لعدم نقل منافساتكم ومناكفاتكم الداخلية إلى بيتنا الفلسطيني لندفع ثمن استعراضاتكم وبطولاتكم الوهمية؟ وهل أنتم مستعدون للتفكير بالمستقبل بدل التقهقر للوراء؟

هذه الأسئلة لا داعي لأن تجيبونا عليها، ولكن على أقل تقدير كونوا صريحين بخصوصها مع أنفسكم ومع شعبكم.

وعليكم التوقف الفوري عن إجراءاتكم القمعية بحق شعبنا ومؤسساته ومعالجة ما صدر عنكم من خروقات وتعديات بحق المواطنين.

والسلام