وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الأسرى في السجون ينعون بكل الحزن الشاعر الكبير محمود درويش

نشر بتاريخ: 10/08/2008 ( آخر تحديث: 10/08/2008 الساعة: 10:55 )
بيت لحم- معا- نعى الأسرى بكل إنتماءاتهم وأطيافهم السياسية والحزبية في كل السجون والمعتقلات الاسرائيلية إلى الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية وكل الأحرار والشرفاء والأدباء والمثقفين فى العالم الشاعر الكبير محمود درويش الذي وافته المنية أمس.

وتقدم مركز الأسرى للدراسات باسمى مشاعر العزاء لعائلة الفقيد ومحبيه وعشاقه راجياً من الله العلي القدير بان يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته. وللشعب وللقضية التي ناضل الفقيد من اجلها طوال حياته.. النصر وطول البقاء".

الشاعر الكبير محمود درويش لو غمضت جفونك لبصرَت فيه الأفذاذِ ممَن امتشقَ قلماً ليس كقلمِ مَنْ هم يَحْيَونَ الحياةَ طلقاءَ أحرارا، وتصيَّدَ بصيصاً من ضياءٍ نهارٍ أو مصباحٍ يمتدُّ شعاعُهُ المُقّيَّدُ خَجِلاً لِيلتمسَ منهُ نوراً يحتاجُهُ ليصلَ بِهِِ إليه؛ لِيَنقُشَ بهِ إبداعاً يهزمُ الاحتلال وأهلَه!.

هذا الإبداعِ للشاعر الكبير محمود درويش خرج من بين خَلجاتِ صدرٍ أَنَّ منْ تكيُّفهِ وحالاتِ جلوسِ صاحبِه، واحتضانهِ لأوراقٍ عبرت عن وطنه : وكتب وهو متربِّعٌ، أو َمُقَرْفِصٌ، أو جالسٌ عليهما بل على ركبتيهِ- كما نقول-، أو مادٌّ رجليهِ، أو هو يضعُ الورقةَ على أرضٍ غيرِ مستويةٍ لينحنيَ عليها حانياً حُنُوَّ الأمِّ على ولدها، ونافخاً فيها من ذاتِهِ قصةَ صناعةِ الحياةِ بإرادةِ المنتصِرِ على أعداءِ الحياةِ!.

وكم تأثر أدب السجون من بهذا الشاعر الكبير وخرجُ من مَحْبسين: محبس السجن، ومحبس معاناة الأديب وهو يَنْسِجُ التَّجْربةَ الأدبيةَ كلماتٍ وجُمَلاً وصوراً بديعةً،: إنه أدبُ" فكِّ القيود"، و" أدبُ العشقِ" بكلِّ معانيهِ السّامِيَة، و" أدبُ المقاومة"، و" أدب الوطن"، وما إلى ذلكَ منْ تسمياتٍ نريدُ لها أنْ تُعبِّرَ عن انتصارِ" الضَّحِيَّةِ" على" الجَلاد"، بل انتصارِ" عاشقِ الحريةِ" و" قاهرِ الظَّلامِ" على" خفافيشِ الظلامِ" و" أعداءِ إرادةِ اللهِ" سبحانهُ وتعالى في تعميرِ الكونِ، وَعَيْشِ أهلِهِ أخوةً متحابينَ بسلامٍ وأمان أدب السجون المتأثر بكبير الشعراء الراحل محمود درويش.

الشاعر الكبير محمود درويش المُفْعَمً بالحيويةِ والانفعالِ، وصِدْقِ التجاربِ؛ وذلك لأنه ينْهَلُ من مصدرِ المعاناةِ النّابعِ منْ ثُوّارٍ هانت عليهم أنفسُهُمْ فَهَبّوا يحملونها على أَكُفِّهِم ليقدِّموها أضاحيَ في سبيلِ تحذير كرامةِ الوطنِ وأهله.

الشاعر الكبير محمود درويش الكاتبُ الذى نقل تجربة أبناء شعبه الذى لم يُتوفِّرُ لساكِنِهِ إلا أبسطَ المتطلَّباتِ التي تحفظُ له حياته، فكيف إذا ما كانَ هذا الساكنُ الذى عايش التجربة المرة لهذا الشعب أديباً موهوباً لا يجدُ الوسيلةَ الماديةَ المناسبةَ التي تُعينُهُ على إخراجِ ما يَجيشُ في صدره.

الشاعر الكبير محمود درويش الذى نقل تجارب المتقيدين أسرى وشعب فى وطنه وكتب عن حياتهم من انغلاقِ الأبوابِ، وعُلُوِّ ارتفاعِ الأسوارِ التي يعلوها سياجٌ يعلوهُ سياجٌ متلُوٌّ بِأَسْيِجَةٍ متنوعةٍ غيرهِ. وتَسَلُّطِ جَلادٍ يَأْسِرُ امتدادَ الخيال؟!

وإذا كان للخيالِ أنْ يدفعَ بصاحبهِ المبدِعِ إلى تقييدِهِ سطوراً بليغةً فإنَّ للجلادِ الرَّقيبِ إِنْ َتَمَكَّنَ في غَفلةٍ من اللحاقِ بهِ انقضَّ عليهِ ممزِّقاً ومُعَذِّباً لِمصدرهِ!.

وإذا كانَ الحالُ على هذا النحوِ من المخالَفاتِ التي تعاندُ من يبغونَ حياةَ الحياةِ، بل حريةَ الحياةِ كما أرادها خالقها الواحدُ الأحدُ فإنَّ هناكَ رجالاً أَشِدّاءَ استطاعوا بصدقِ عقيدتهم وقوةِ ارادتهم قهرَ العذابِ، وجَعْلِ ظلمةِ الاحتلال وليلِ السجنِ البهيمِ نوراً انطلقوا به لينيروا طريق الفجرِ إلى حياةِ الحياة.