|
جرائم الرقم الخفي: "سفاح القربي" سر لا تفضحه سوى الضحية
نشر بتاريخ: 12/08/2008 ( آخر تحديث: 12/08/2008 الساعة: 13:15 )
غزة- معا- لينا عبد الله- كانت تقطن في منطقة المغراقة جنوب مدينة غزة في احد البيوت الفقيرة مع عدد كبير من الإخوة والأخوات، وأب تحول قلبه إلى مجرد مضخة لا يعرف الأبوة ولا الرحمة وزوجتين لهذا الأب.
(دلال) ابنة الخمسة عشر ربيعاً، لم يكن جسدها النحيل يدل على أنها في هذه السن، بل كانت توحي لناظرها أنها في العاشرة من عمرها، ولم تكن تعي أي شيء عن أخيها الذي تحمله في أحشائها، كانت تقبع في سجن النساء في العام الفين وستة حرصاً على حياتها من تهديدات إخوتها الذين تعهدوا بالثأر لشرف العائلة، فنبأ الحمل شكل صدمة كبيرة لعائلتها ولها لا سيما وهم يتلقونه من طبيب مختص في المستشفى حيث اخبرهم أنها حامل في الشهر الخامس، فعندما سألت دلال عن الحمل قالت: "ما كنت اعرف شيئاً, كنت العب مع صاحباتي أمام البيت وما بعرف شي عن الذي في بطني". ترى من الذي هتك عرض هذه الفتاة ومزق براءتها وحول بريق الأمل في عينيها إلى دموع خوف... وذهول... وألم يعتصر قلبها الصغير؟. هو ذلك الأب الذي يفترض به أن يكون نبع الدفء والأمان والحنان, هذا ما أكدته أجهزة الشرطة، ولكن بعد فوات الأوان بعد أن دفعت الضحية ثمن جريمة ارتكبت بحقها، (قتلت دلال ) بعد ان وضعت مولودها وخرجت من السجن، وتحول ما كان في أحشائها إلى لقيط في إحدى المبرآت الخيرية. معدل ست حالات شهريا إن عدم ظهور هذه الجرائم إعلامياً لا يعني أنها غير موجودة, فرغم مرارة الحقيقة إلا أنها موجودة. يقول الدكتور القاضي ( عبد القادر جرادة ) إن المحاكم الجنائية تعج بمثل هذه الجرائم، رغم أنها تعرف بجرائم الرقم الخفي أو الرقم الأسود؛ أي ليس من السهل اكتشافه، فنسبة كبيرة منها يتم في الخفاء، وذلك لأسباب كثيرة أهمها وجود علاقة القرابة الشديدة بين الجاني والضحية فهو أب أو أخ أو ابن، وخوفاً من الفضيحة تقوم الأسرة بالتستر على القضية. يضيف القاضي "ورغم ذلك فمعدل الحالات التي تسجل من أربع إلى ست حالات في الضفة والقطاع. كما يلفت الانتباه بشدة أن (شهر12 سنة 2006) سجل خلال أسبوع واحد أربع قضايا من هذا القبيل". لماذا نتطرق لمثل هذه القضايا؟ لا نفعل ذلك لكشف خفايا البيوت وأسرارها، وإنما لندق ناقوس الخطر ونكشف النقاب عما يوشك أن يتحول إلى ظاهرة حقيقية. وأين؟؟ ترى كم "دلال" تقتل كل يوم خلف جدران الصمت والخوف الذي يغلف مجتمعاتنا التي تنسى الجلاد وتعاقب الضحية؟. أسباب سفاح القربى يرى الدكتور عبد الفتاح الهمص أستاذ الصحة النفسية في الجامعة الإسلامية أن أسباب سفاح القربى تعود إلى ضعف التربية الدينية والخلقية والاجتماعية وعدم الاهتمام الكافي من قبل الأهل بذلك، وكثرة تبرج وزينة الفتيات، وكذلك انتشار الأشرطة والبرامج التلفزيونية الإباحية والمنافية للدين والشرع. واضاف "ولا يخفى علينا مدى الاثار السلبية التي يتركها الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي قد يحتّم على الأهل في بعض الأحيان أن يجعلوا أولادهم ينامون في غرفة واحدة, ولهذا مضار كثيرة وهنا نذكّر بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ))". ويؤكد الهمص على أن "المغالاة في المهور والوقوف في وجه زواج الفتيات بحجج مخالفة للإسلام وتعاليمه يعد سببا قويا من أسباب هذه الظاهرة". ويضيف الهمص: "إن الإنسان الطبيعي يتمتع بمحاكمة عقلية لتصرفاته وأفعاله أما المريض فلا يتمتع بهذه المحاكمة وإن وجدت تكون ضعيفة نظراً لمرضه، وبالتالي لا يستطيع الإنسان المريض أن يتعايش مع غريزته الجنسية بشكل طبيعي وتلعب الضغوط البيئية والعائلية دوراً كبيراً في هذه الأمراض وخصوصاً في حالات فقدان العطف والحنان وانعدام الحوار بين الآباء والأبناء". ويعتبر الهمص إن فقدان الأمن الأسري ووجود علاقات شاذة في الأسرة التي هي نواة المجتمع يتسبب بمشاكل عظيمة في المجتمع ككل، لذا ففقدان الأمن في الأسرة يؤدي إلي فقدان الأمن في المجتمع؛ لأنها تؤثر فيه سلباً، فوجود مثل هذه العلاقات الشاذة يتسبب بنشر العديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية، لذلك علينا الاعتراف بوجود هذه المشكلة والعمل على معالجتها، فالكذب على أنفسنا بعدم وجودها لا يعني عدم وجودها فلا بد من إعلانها والكشف عنها للعمل على التخلص منها. العقوبة القضائية النهاية القضائية لهذه الجرائم كما يرى ذوو الاختصاص هي النهاية الحتمية والصحيحة وإن كانت تحمل في ظاهرها الفضيحة، لكنها في حقيقتها مجرد جزء من حق الضحية ومحاولة إنصافها ومعالجة المجتمع من أبشع الجرائم ارتكاباً في حق البشرية، فالعقوبة القضائية لهذه الجريمة يقول (القاضي الدكتور عبد القادر جرادة ): "تختلف العقوبة في غزة عنها في الضفة الغربية ففي غزة حسب نص المادة ( 155 من قانون العقوبات) يعاقب الجاني بالسجن لمدة خمس سنوات، أما في الضفة الغربية فيعاقب الجاني بالسجن والأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، وذلك حسب نص ( المادة 185 من قانون العقوبات)". ويعود الفرق بالقانون بين الضفة وغزة يضيف القاضي جرادة إلا أن "غزة ساري العمل فيها بقانون العقوبات الانكليزي سنة (1936 )، أما الضفة فيطبق فيها القانون الإداري الأردني رقم ( 16 ) سنة (1960 )". ويشير القاضي إلى أن المجلس التشريعي عمل جاهداً على توحيد القانونين بين الضفة وغزة، إلا أن هذا الأمر لم يكن سهلاً نظراً لما يرتبط بهذا الجرم من أحكام. إحصائيات مخيفة تدعو الجميع لعدم الاختباء وراء "الفضيحة" وتدق ناقوس الخطر في مجتمع محافظ كالمجتمع الفلسطيني. |