|
إلى عبير قبطي - إلى مقبولة نصار بقلم: يوسف شرقاوي
نشر بتاريخ: 18/11/2005 ( آخر تحديث: 18/11/2005 الساعة: 11:57 )
معا - قبل سنوات عندما أصيب أسد من مخيم جنين( مخيم الحياة) بجراح خطرة جراء إنفجار لغم زرعه جنود الإحتلال عند انسحابهم من المخيم، لا زلت أذكر الجهود الجبارة التي بذلتها الناشطة الإجتماعية الرائعة عبير قبطي / الناصرة من أجل إنقاذ حياة الطفل أسد ، وكم أثار مقالها المعبر حينها الذي كان بعنوان (لو بقي أسد حياً) لكان اليوم في عمر نور الدين ومحمد / أبو ديس تظاهرالإثنان مع أطفال آخرين ضد جدار الفصل العنصري الذي شطر أبو ديس إلى شطرين، ولا زلت أذكر كيف فضلت عبير خسارة جائزة تستحقها عندما رفضت القيام إحتراماً لرموز الدولة العبرية، لأن لها رموزاً وطنية تعتز بها وتقف لها رغم أنها تحمل قسراً ( الهوية الإسرائيلية ) حينها وقفنا غيابياً إحتراماً لعبير ولموقفها.
وارتبط إسم عبير قبطي مع إسم آخر لا يقل روعة عن موقف عبير هو إسم الناشطة الإجتماعية كذلك مقبولة نصار / عرابة البطوف / الجليل، لأنها علقت الوطن أيقونة في قلبها، وقامت بتوثيق ما هدمه الإحتلال العنصري من مدن وقرى ومعالم وحضارة شعب أقتلع قسراً من أرضه عام 48 واستطاعتا معاً صياغة المشهد والحضور الإنساني من خلال المقالات الهادفة ضد صناعة الخوف، وتعزيز جسور الحياة دفاعاً عن الذات والإنسانية ضد القهر والظلم والقتل، والرغبة القوية في الدفاع عن الإنسانية والحياة، ( فالرغبة هي العقل الحقيقي للإنسان والرغبة هي التي تقود الإنسان). لذلك كلي أمل أن تشارك كل من عبير ومقبولة بالتعاون مع لجنة هدفها العمل على منح والد الطفل الشهيد أحمد إسماعيل الخطيب / مخيم جنين / مخيم الحياة جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الأطفال الشهداء، لحسه العالي بتعزيز حق الحب بين البشر، فالحب بين البشر حق علينا جميعاً دون تميز ولما ابتكره من فعلٍ راق للدفاع عن الإنسانية والحياة، بالتبرع بأعضاء إبنه الشهيد لإنقاذ حياة آخرين فقدوا الأمل في الحياة بغض النظر عن الهوية أوالدين. إن هذا الفعل الراقي ضخ الحياة في الإنسان والإنسانية، وقد يحدث هذا الفعل الراقي خرقاً في جدار العنصرية البغيضة، التي تسعى إلى تحويل الضحية إلى معتدي لتبرير ازدرائها وتبخيس حياتها وتعزيز ثقافة القتل والإضهاد واستمرار امتداد الماضي حاضراً ومستقبلاً لأن القاتل هو من فصيلة قتلة 13 مواطناً عربياً في تشرين الأول عام 2000 ومجزرة شفا عمر الأخيرة. فتزوير التاريخ بأن اليهود هم ضحايا أبديون يراد من هذا التزوير تبرير القتل حاضراً ومستقبلاً ولتبرير وتطوير ثقافة الخداع والإضهاد والإبادة والعنصرية والتطرف والمبالغة في صناعة الخوف والقتل وإبادة الحياة . إستشهد الطفل أحمد إسماعيل الخطيب اثنا عشر ربيعا من ( مخيم الحياة ) مخيم جنين في أول أيام عيد الفطر على أيدي احدى أحفاد يوشع بن نون (الجنود اليهود) في مستشفى رامبام / حيفا . كما استشهد قبله مئات الأطفال ومن بينهم (أسد 9 سنوات) من نفس المخيم، إستشهد أحمد مردداً رسالة سماوية ( أن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) فمنذ آلآف السنين عندما قتل قابيل أخاه هابيل نزل النص الإلهي في الكتب السماوية إلا أن العكس قد حصل، فالقتل أصبح سمة للدلالة على الهوية، والإنتماء الوحشي في السلوك والخطاب والممارسة. والدته لم تأخر حزنها عليه، لأنه ودعها مازحا، بأنه سيخرج حاملا مسدسه البلاستيكي، للعب مع أطفال المخيم، وقد يعود شهيدا قالها مازحا، كيف لا وهو من كتب بخط يده قبل أشهر على خزانته الخاصة في البيت الشهيد البطل أحمد اسماعيل الخطيب. هذا هو العرس الفلسطيني لا ينتهي كما قال الشاعر المبدع محمود درويش، لا يصل الحبيب إلى الحبيب إلا شريدا أو شهيدا. فالفصل الأخير من حياة الشهيد الطفل كان الشهادة مع الحياة، فمن القدر المشاكس المتربص خلف كل منعطف، انطلقت رصاصات القاتل الأرعن على رأس أحمد لقتل الأمل والغد، لكن الرصاصات القاتلة في الرأس والرقبة لم تمنع حبه وأبناء جيله من الحياة ، فالحياة تعني لهم بكل بساطة وبدون أي فلسفة للأمور: أنها ضد تزوير التاريخ بخرافة وصايا القتل اليائسة، ودخول القاتل جثة الضحية متقمصا إياها. لم يخطر على بال أحد أن أحمد سينتهي شهيداً عند سدرة المنتهى، وروحه وقلبه وأعضاءه سيتواصلون بالحياة في آخرين لمنحهم فرص الحياة، قد تكون أحداها قريبة من قاتله، رغم عنصرية القاتل باحتراف وحماقة . و قد يرمم هذا التقمّص بصيص أمل في السلام المفقود، رغم التراجيديا القاسية، لكن أحمد كما أبناء جيله، الذي يريد (شارون وأركانه موفاز وحالوتس وفرق القتل والأقدام السوداء من الجنود التخلص من هذا الجيل بقطع رؤوسهم (عملية قطع الرؤوس) وقطع الحياة ) . لكن أحمد كما أبناء جيله يمتلك مقومات الحياة والأمل بالمستقبل، لا يرى في مشهد الشهادة إلا صورة البطل، المدافع عن وجود شعب كباقي شعوب الأرض من حقه أن يكون له علم وهوية ونشيد حياة. لذلك من حيث لا يدري كان فعل والده المتعالي على جريمة القتل، يوهب أعضاءه لتأسيس فكره في سفر عشق الحياة ونشيدها. تعبر عن شعب حي بروحه قبل جسده كما الأنبياء، ربما يكون القائهم في النار، أو الجب ،أو اليَم، أو بطن حوت ، سببا لعدم قتلهم وانبعاثهم إلى ذويهم أنبياء كما إبراهيم ويوسف وموسى ويونس عليهم السلام ، أوأن يصلبوا، و يعذبوا، ويقتلوا. فروح البشر ملك لله وحده، كما السموات والأرض والكون (لله ما في السموات وما في الأرض). ففكرة الحياة هي أن تقاوم القاتل والقتلة ولو بكف أعزل، وأن تقاوم فكرة إبادة الحياة وقتل الروح، لأن فكرة مقاومة القتل بالحياة ليكون دورا للضحية في بناء تاريخ وحضارة الإنسان و الإنسانية ، وفكرة أن يحيا دائما، فمن لا يجرؤ على أن يحيا، لا يستطيع أن يحيا. وان كانت الفكرة واخراجها لحيز الفعل لاب لم يكن يوما مخرجا اوكاتب نص او سيناريو لمسرحية او رواية الا انه ابدع في صياغة عبقرية التعالي وتوظيف الماساة وتحويلها لفعل انساني خلاق ولم يتوقف عند حدود القتل والاجرام, رغم انه بعد الفاجعة كان يمر بمرحلة جد عصيبة بين المرارة والتعقل, ومن هنا تألق لاب في العبقرية والعمل الرصين الفذ . بعيدا عن الد ين والقومية وارث الماضي العنيف وانتصر على روح التعصب والبغضاء لانه يؤمن بامكانية التعايش بين البشر وانتصار ارادة التسامح على روح التعصب والبغضاء بروح مشتركة تواجه الظلم والقهر والقتل والاذلال معا ولعل ما يؤكد تلك الروح التي يشع منها الحس بالتسامح والتعالي والرغبة في مد جسور السلام ,وتحويل الفاجعة لفعل انساني خلاق . من هنا كان التعالي على الفاجعة لوالد أحمد، بامتلاك إحساساً عاليا بقدسية الحياة، ضد ثقافة وسلوك القاتل والقتلة الذي يكشف عن مضامين خطرة متعطشة للدم، كأنها أصبحت فخراً ملازماً للحضارة اليهودية، واستمراراً لتعاليم التلمود وتعاليم يوشع بن نون ووصاياه اليائسة، باستمرار صلب الإنسانية والحياة على مقصلة القتل والإرهاب. وإن تعاطي القاتل المهووس مع الحياة كالوقت إن لم يقتل الحياة قتلته الحياة، بعكس الضحية التي تتعاطى مع الحياة بالمحافظة على حياتها لاستمرار حياة الآخرين، لأنها تؤمن بالرواية الأصح لمسار الحياة والتاريخ فقلب أحمد وأعضاءه ستنبض وروحه سترفرف فوق رؤوسنا الى الأبد وقد تأسس تلك الروح فكرة لقتل دفيئات الشياطين التي تعيد إنتاج واستنساخ قتلة بصور أبشع. وما الإعتذارالخبيث لشارون لوالد الطفل من أجل أن يجعل هذا المشهد الانساني باهتاً من ناحية وبلا قيمة إنسانية أو حضارية، ولكي نجعل تلك القضية الانسانية في مضامينها قضية لها مفاعيلها في مجتمع القاتل ومن حرّضه على القتل من ناحية أخرى، لينتهي المشهد هنا . لكن المفروض العمل ليبقى الضجيج قائماً على رؤوس القتلة بأن يُمنح الطفل الشهيد وباقي الأطفال الشهداء ووالد الشهيد إسماعيل الخطيب مناصفة جائزة نوبل للسلام لأن هذا الفعل الحضاري أحيا حالات كانت فاقدة الأمل بالحياة . وسيستمر فعل الحياة لهم من جيل إلى جيل حتى الأبد ولأن علينا أن نحيا كما أحمد الحي، علينا أن نعلم الآخرين نشيد الحياة، وقدسية الحياة لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة. |