وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الحديث ذو شجون اطلبوا الرياضة .. ولو في الصين !! *** فايز نصار .

نشر بتاريخ: 19/08/2008 ( آخر تحديث: 19/08/2008 الساعة: 18:42 )
بيت لحم - معا - لولا غواصة العم سام مايكل فيليبس ، الذي وضع نفسه في مقدمة الجميع ، بثماني ميداليات من المعدن النفيس ... ولولا رياضة السباحة ، التي أفرحت الدولة العظمى باثنتي عشرة ذهبية ، لكان في الولايات المتحدة ثلاث عشرة ذهبية فقط ، على خط واحد مع سابقتها إلى السياسة الاستعمارية ، بريطانيا العظمى ، التي تتقدم بهدوء نحو المركز الثالث ، على بعد ست وعشرين ذهبية عن المنظمة الصين !

التنين العملاق ، الذي طالما كان نائما في أحضان النظام الماوي الشيوعي ، أصبح يغرد خارج السرب ، محلقا بعيدا في المقدمة ، بغلة هائلة من المعدن النفيس ، حصدها أبطال الصين في معظم الرياضات ، مما يؤكد عمومية الرياضة في الصين ، التي أنجبت أبطالا صامتين ، رفعوا العلم الأحمر بنجماته الصفراء - خفاقا - على منصات التتويج ، في معظم الميادين !

التألق الصيني ذكرني -وإن كنت غير ناس - الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي دعانا يوما إلى طلب العلم ولو في الصين .. وها نحن نفهم اليوم أبعاد الوصية المحمدية ونحن نشاهد التألق الصيني -، بعيدا عن جعجعة الإعلام الغربي ... وقعقعة سلاح تجار الحروب - في كل القطاعات الحضارية ، الاقتصادية والفنية والاجتماعية .. والرياضية أيضا ... وكان بتلامذة النبي النجباء يدعون شبابنا إلى مطالعة متأنية للتجربة الصينية ، وطلب الرياضة ولو في الصين !

قبل أربع وعشرين سنة شاركت الصين لأول مرة في الألعاب الاولمبية ، في لوس انجلس بالولايات المتحدة ، ويومها كان مرور التنين عابرا في معظم المنافسات ، ولكن الرسم البياني للمشاركة الصينية في الأولمبيادات التالية "سيؤل وبرشلونة واتلانتا وسيدني وأثينا" أشارت إلى صعود صيني لافت ، يؤكد أن في الدولة القارة رجال لا يطالعون الأمور عبر قراءة الكف ، بل بل عبر قراءة النتائج وأسبابها ، وعوامل تحقيقها ، ويستخلصون العبر ، ويعملون جاهدين على تعزيز الايجابيات ، وتلاشي السلبيات .

الصين التي أساء البعض لسمعة منتجاتها الصناعية ، وقف العالم بأسره اكبارا لانجازات أبطالها ، في معظم الرياضات ... والمشككون في تجربة "أقزام " الصين ، ممن كانوا يدعون أن الصين متألقة فقط في كرة الطاولة والريشة الطائرة ، تزحزح موقفهم عندما تقدمت الصين الصفوف في الجمباز ، وعندما سحب أبطال الصين البساط من تحت أقدام الدول العتيقة في الرماية ، وعندما نافس سباحو الصين في أحواض السباحة والغطس ... واليوم حقا على هؤلاء الاعتراف بأن التجربة الصينية ليست وليدة الصدفة ، وليست نتاج نظم شمولي ، بل نتاج عمل مخطط وجاد وواقعي ، يشارك في انجازه كل الشعب الصيني .

اختصر نائب رئيس اللجنة الأولمبية العميد محمد البكري كل شيء عندما سألته في لقاء إذاعي عن أسباب التفوق الصيني الاحتفالي والفني ، فقال أبو برهان : من جد وجد ، وهذا ما كان يكرره والدي أبو كامل رحمه الله صباح مساء : "اللي بتزرعه تحصده" "واللي بتطبخة تأكله " " واللي بتفرشه بتنام عليه " ؟

تصورا يا رياضيي فلسطيني الحبيبة ، ان أولمبياد الصين يقام بمشاركة أكثر من 17 ألف رياضي ... وتصورا أن ألف منهم فقط من الصينيين ... وتصورا لو أن كل رياضيي صيني تدرب خلال 250 يوما سنويا ، لمدة أربع ساعات خلال السنوات الأربع الماضية ، فالنتيجة أن كل رياضي صيني استعد للأولمبياد بأربعة آلاف ساعة تدريب .... فهل بيننا من يكلف نفسه التدرب أربعة آلاف دقيقة يا من تبحثون عن المجد الأولمبي على أسرة النائمين !

أقول هذا عن الرياضيين فقط ، والتحضير يحتاج إلى جهود لا تقل أهمية من المدربين ، ومن المسيرين ، ومن أخصائيي العلاج الطبيعي ، ومن الإعلام الرياضي ، ومن العاملين في حقل "السبونسور" الرياضي ، ومن العاملين في حقل العتاد الرياضي ... وغيرهم ممن ساهموا في تهيئة رياضيي الصين في مختلف المجالات ، دون أن نتحدث هنا عمن سهروا الليالي ، وزرعوا الدولي ، إعدادا للاستضافة الخرافية للأولمبياد العظيم ، والتي أحرجت الباحثين عن الصيد في المياه الآسنة ، ممن يترقبون زلات التنين ، وأحرجت أكثر منظمي الأولمبياد الثلاثين في لندن ... وهؤلاء بلا شك يمسكون بالأوراق والأقلام ، ويسجلون كل الملاحظات ، حتى تتواصل مسيرة الانجاز الحضاري المشترك ، في المحطة اللندنية .

أطلبوا الرياضة .. ولو في الصين يا أهل فلسطين .. ولا أقول لكم نظموا أولمبيادا ، على منوال ما فعلت بيجين ، ولكن اعلقوا ، وتوكلوا على الله ، وابدءوا من الآن عملية استخلاص العبر ، والتخطيط للمستقبل ، وتأكدوا أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة كما يقول أهل الصين ، ولتنطلق معارك -نعم معارك - التحضير للاولمبياد القادم من الآن ، وليكن التركيز على الألعاب التي نستطيع أن نقترب فيها من الأرقام الدولية ، بعيدا عن كرة القدم ، التي أخذت منا كل شيء ، ولم تقدم لنا أيّ شيء !

والحديث ذو شجون

[email protected]