|
هزة سياسية في إسرائيل بقلم: ماجد عزام
نشر بتاريخ: 23/11/2005 ( آخر تحديث: 23/11/2005 الساعة: 14:12 )
معا- «الانفجار» هو المصطلح الذي أطلقته الصحافة الاسرائيلية على انسحاب آرائيل شارون من حزب الليكود وتشكيله اطاراً حزبياً جديداً، وعلى رغم ان التساؤلات في الصحافة الاسرائيلية أخيراً دارت حول ما اذا كان الانفجار سيبقى «محدوداً» ويقتصر على الخروج من الليكود وتشكيل حزب آخر، أم انه سيتعدى ذلك الى تشكيل حزب وسط كبير يضم شارون ومن معه من حزب الليكود وحزبي شينوي والعمل، وفي هذه الحال سيكون الانفجار مدوياً.
الواضح حتى الآن ان لا فرصة للاتحاد مع حزب العمل بعد وصول عمير بيرتس الى رئاسة الحزب الا ان هذا لا يغير من حقيقة ان خروج شارون من الليكود ستكون له تداعيات سياسية كبيرة على الساحة الاسرائيلية كما على عملية التسوية والمفاوضات مع السلطة الفلسطينية. ويمكن تسجيل الملاحظات الأساسية الآتية: أولاً: يمثل خروج شارون نهاية لهيمنة الليكود على الحياة السياسية في اسرائيل في العقود الثلاثة الماضية. ولا يمكن فهم هذا الأمر خارج سياق الصراع مع الفلسطينيين وانتفاضة الأقصى التي اندلعت نهاية العام 2002. فقد وصل الليكود الى السلطة بزعامة شارون عام 2001 على أجنحة الشعار الشهير «دعوا الجيش ينتصر». ووعد شارون شخصياً بإنهاء الانتفاضة وإخضاع الفلسطينيين خلال مئة يوم، وعندما عجز عن ذلك اضطر للخطوات الأحادية التي لا يحبها اليمين، وأبرز مظاهرها الانسحاب الأحادي من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية وبناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، والذي نظرت اليه شريحة واسعة من اليمين الاسرائيلي كتقسيم لأرض اسرائيل وخروج عن الايديولوجية الصهيونية. وهذا الأمر يذكر بما حصل مع حزب العمل منذ خمس سنوات تقريباً عندما فشل في فرض ارادته التفاوضية على الفلسطينيين، وبالتالي تبنى الخيارات والخطوات الأحادية التي لم يستسغها الاسرائيليون في البداية فاتجهوا الى شارون على أمل اخضاع الفلسطينيين من دون تقديم تنازلات تذكر ولو بشكل أحادي. ثانياً: يمثل انقسام الليكود وتشكيل شارون حزباً جديداً سمي «مسؤولية قومية» نهاية للمنظومة الحزبية التقليدية التي اعتمدت على ثنائية العمل والليكود مع ائتلافات وتشكيلات حكومية مختلفة. ويبدو الآن ان اسرائيل تتجه نحو منظومة حزبية تعتمد على ثلاثة تكتلات رئيسة شبه متساوية أو متوازنة، تشمل الحزب الجديد لشارون كحزب وسط أو يمين الوسط، وعلى يمينه بقايا الليكود والأحزاب الدينية والقومية، وغالباً سيكون هذا التكتل بزعامة بنيامين نتانياهو، وعلى اليسار حزب العمل بزعامة عمير بيرتس متحالفاً مع حزب ياحد - ميريتس وبعض الأحزاب العربية. ثالثاً: يدرك آريئل شارون ان تجربة احزاب الوسط أو تشكيل القادة لأحزاب وسط تجربة محكومة بالفشل بحسب التاريخ السياسي الاسرائيلي, فقد فشل هذا الامر في السابق مع مؤسس اسرائيل دافيد بن غوريون كما مع موشيه دايان ويغال يادين وعيزرا وايزمن وموشيه شاحاك. لكن شارون النرجسي المتغطرس الذي يعتبر نفسه من آباء وملوك اسرائيل يعتقد انه يحتاج الى سنوات فقط في الحكم من أجل تجسيد وفرض رؤيته للحل النهائي على الفلسطينيين. وهذا الأمر يلحظ إغراقهم بالقضايا المرحلية أو ما يعرف باختبار غزة، وفي المضي قدماً في بناء الجدار الفاصل وتوسيع الكتل الاستيطانية الكبرى (معاليه أدوميم، غوش عتصيون، ارئيل، جبعات زئيف) وربطها بإسرائيل، الأمر الذي يعني فصل الضفة الغربية الى كانتونات وعزل مدينة القدس نهائياً عن محيطها الجغرافي والبشري الفلسطيني. ويعتقد شارون انه بحاجة لسنوات فقط من أجل تكريس هذا الأمر ولا بأس لو ضعف أو انشق أو حتى تلاشى حزب الوسط «مسؤولية قومية» بعد ذلك. رابعاً: خطوة شارون الأخيرة تزيد من عبء المهمة على زعيم حزب العمل الجديد عمير بيريتس. فشارون سيتوجه للانتخابات على أرضية برنامج يتحدث عن «خريطة الطريق» كإطار للتسوية، ولكنه يعتمد بشكل رئيس على الخطوات الأحادية وينكر وجود شريك تفاوضي في الجانب الآخر، فيما يتحدث بيريتس عن اعتراف بوجود السلطة الفلسطينية كشريك تفاوضي يمكن التوصل معه الى حل للصراع. لذلك يمكن الاعتقاد بأن بيريتس سيغير من خطابه السياسي وسيتبنى ما توصف بالثوابت الاسرائيلية التي تشمل القدس موحدة عاصمة لاسرائيل ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين والاصرار على بناء الجدار العازل وفق الاحتياجات الامنية الاسرائيلية، وليس السياسية. وهو سيحاول بلورة برنامج اقتصادي اجتماعي متمايز عن شارون، باعتبار ان الشق السياسي قد يكون متشابهاًُ. خامساً: لا يمكن انكار الحقيقة التاريخية القائلة ان اسرائيل تتجه الى الانتخابات هرباً من المشكلات المعقدة التي تواجهها، داخلياً وخارجياً. وهذه الانتخابات قد تكون حاسمة لأنها ستجبر اسرائيل على حسم طبيعة العلاقة مع الفلسطينيين، وما اذا كانت ستعتمد الاتفاقات والتفاهمات الثنائية أم ستتجه الى القطيعة والتصرفات الاحادية والتقوقع خلف الجدار. سادساً: كما هي العادة فان عملية التسوية والاتصالات الخجولة مع السلطة الفلسطينية ستكون الضحية الأبرز لقرار الذهاب الى الانتخابات. وكالعادة سيحاول شارون خوض الانتخابات بأكبر عدد ممكن من الضحايا الفلسطينيين. الا ان انفجاراً واسعاً غير متوقع في هذه الفترة الفاصلة عن موعد الاقتراع. وهذا عائد أساساً الى ارتباط شارون بالسياسة الاميركية التي لا ترغب في تدهور كبير يؤثر سلباً على سياستها في المنطقة، وفي حركتها الاقليمية خصوصاً تجاه سورية والعراق. كما انه عائد الى ان السلطة الفلسطينية وبعض الفصائل ستحاول استغلال الانشغال الاسرائيلي لكسب الوقت وفرض مزيد من الانضباط في الشارع الفلسطيني والحفاظ على التهدئة أقله حتى منتصف العام المقبل، للتأكد من سياسة الحكومة الاسرائيلية المقبلة وبرنامجها. *كاتب فلسطيني، مدير مركز شرق المتوسط للخدمات الصحافية. |