|
ماما ... هل تسمع ستي صوت القصف بقلم: راوية حمام أخصائية صحة نفسية - برنامج غزة للصحة النفسية
نشر بتاريخ: 23/11/2005 ( آخر تحديث: 23/11/2005 الساعة: 18:52 )
يمشي محمد ذو الستة أعوام ملتصقاً بأمه، يرفض الجلوس على كرسي منفصل بجانب أمه في قاعة الانتظار، بل يصر على الوقوف أمامها ليقنعها بأن يحتمي في أحضانها.
في غرفة العلاج، تدفقت كلمات الأم ممتزجة بمشاعر مختلطة، مشاعر بالقلق والخوف أحياناً، والغضب والام أحياناً أخرى ،وعيون محمد الخائفة تلاحق حركات أمه، وكأن هناك من يريد أن يخطفها منه. تقول الأم: "منذ شهرين وحياتنا في أزمة، تلخبطت أمورنا وخاصة من بداية القصف والغارات الوهميةوالقنابل الصوتية التي قامت بها طائرات الصهاينة، كنا نشعر وكأن الطائرات تقصف فوق رؤوسنا، ويهتز البيت بمن فيه، منذ ذلك الوقت وابني محمد تغيرت أحواله، مع بداية كل غارة تصيبه حالة من الرعب الشديد، يبدأ بالصراخ ويجري في كل مكان، لا يعرف أين يختبيء ،يرتجف جسمه إلى حد التشنج، لا يستطيع النوم بهدوء، لا ينام إلا ملتصقاً بأبيه أو أمه، يصحو مفزوعاً عند سماعه أي صوت حتى بعد توقف الغارات الجوية، الآن يخاف من صوت المفرقعات والألعاب النارية، أو صوت إطلاق النيران في الأفراح والنزاعات والأحزان والمسيرات. خوف محمد الشديد والتصاقه الدائم بي عرقل ممارسة وظائف حياتنا اليومية، وجعل إخوته الأصغر منه يقلدونه حتى في مخاوفه، مما جعل حياة كل من في البيت صعبة لا يمكن تحملها. في كل صباح يبكي محمد رافضاً الذهاب إلى مدرسته التي تعود المشي إليها بمفرده، يصر على اصطحاب والده أو والدته إلى باب غرفة فصله، ويريد من يرجاعه في كل يوم. خلال شهرين، تدنت علاماته الشهرية بشكل ملحوظ وعندما سألت ابني محمد لماذا يا ماما علاماتك هيك؟ قال لي: ماما أنا بأسرح في الصف، لا أفهم ما تقوله معلمتي، حتى إنني لا أسمع ما تشرحه من الدروس" لأني بأظل أستنى متى سيحدث القصف"؟. تكلمت الأم عن شرح ماهية الغارات الوهمية والقنابل الصوتية لطفلها بطرق بسيطة ولكن خوف محمد كان أكبر من كل المحاولات، ضاق صدر الأهل من بكاء والتصاق محمد بهم، فتارة ينادونه بالجبان، وتارة تحتد عصبيتهم اتجاهه ويدفعونه بقوة لمواجهة مخاوفه والتغلب عليها، ولكن في كل مرة تزداد عصبيتهم وغضبهم يزداد خوف الصغير والتصاقه بهم. إن شعور الطفل بعدم الأمان والقلق والخوف ينعكس سلباً على جميع المستويات، على المستوى الانفعالي والسلوكي والمعرفي والجسدي. فالطفل لديه خيال واسع جداً، فهو يضخم مخاطر هذه الأصوات المدوية، فقدراته المعرفية ما زالت محدودة، فهو لا يفرق بين الغارات الوهمية والغارات الحقيقية، وحدوث القنابل الصوتية في أي وقت، جعل الطفل في ترقب وقلق مستمر بتوقع حدوثها، فهو لا يدرك البعد الزمني واللحظة التي ستحدث فيها الانفجارات، الأمر الذي يجعله في خوف من فقدان أحد أعزائه المقربين فيزداد التصاقه بهم. فأهم ما يحتاجه الطفل في ظل هذه الظروف الصعبة هو الحضن الدافيء الذي يمده بالحب والحنان والصبر، وهذا هو العلاج والترياق السحري المضاد لشعوره بالخوف وعدم الأمان فيجعله أكثر استقراراً واطمئناناً. |