وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

كتب المحرر السياسي: عن الجدال في الرئاسة وفي الحج؟

نشر بتاريخ: 29/11/2008 ( آخر تحديث: 29/11/2008 الساعة: 14:10 )
بيت لحم- معا- كتب ابراهيم ملحم- سواء كان يوم 9/1/2009 هو اليوم الذي تنتهي فيه ولاية الرئيس عباس حسب تقويم حماس، أو يوم 9/1/2010 حسب تقويم منظمة التحرير، فإن هذه المظلة، التي وفرت للفرقاء البيئة الديمقراطية لممارسة رياضة الاختلاف معها، وعليها، ينبغي أن تظل بمنأى عن الجدل والسجال، بإعتبارها الحاضنة الامينة لالوان الطيف الوطني، وآخر قلاع الوطنية الفلسطينية، التي يلوذ اليها الجميع، بعد أن تداعت الشرعيات الأخرى تحت ثقل، وتداعيات الإنقسام الجغرافي، والديموغرافي، والغياب، والتغييب، والإصطفاف الحزبي، وهي حالة تشكل بقعة سوداء في ثوب النضال الوطني، على مدى أربعة عقود خلت، تهدد حاضر ومستقبل المشروع الوطني برمته.

فمقاربات الرئاسة، سواء تلك المتمثلة بالدعوة الى الحوار غير المشروط، أو بالتوجه الى صناديق الاقتراع برقابة دولية صارمة، على اساس التمثيل النسبي الكامل، وهي تقدم إسهاماً واعياً، وجاداً، وفهماً عميقاً ومسؤولا للمخاطر المترتبة على إستمرار الإنقسام، فإنها في الوقت ذاته، تفقد أصحاب الأعذار اعذارهم، وتضيق عليهم مساحات المناورة، سيما وأنها تكسر الصورة النمطية السائدة لدى أصحاب الكراسي في دول العالم الثالث، الذين يختلقون الذرائع لتجنب الذهاب بهم الى صناديق الاقتراع، خشية أن لايخرجوا منها مرة ثانية.

وبعيداً عن التضاريس المعقدة للنصوص القانونية ونتوءاتها الحادة، فما الذي يضير حماس، إن هي قدمت أو أخرت المواعيد والتقاويم، لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ان معاً، وهو ما أعلنت الرئاسة جاهزيتها له.

وما الذي ستجنيه حماس، من إستعجالها الفراغ الرئاسي، وتوظيف ماكينتها الإعلامية، بمواصلة الطرق اليومي بـ "العد العكسي"، وصولاً الى ذلك اليوم.

فهل تريد حماس فعلاً، أن تتورط في حمل أعباء الرئاسة، وهي التي ما زالت تعاني ومعها الشعب بأكمله ثقل أعباء الوزارة، وهي التي قالت أنها فوجئت بعبء لم تكن لترغب بحمله، ولا هي مستعدة لأثقاله وإستحقاقاته، بعيداً عن الخطب والشعارات.

تخطيء حماس كثيراً، وهي التي سبق وأن رفضت الشروط المسبقة للحوار، إن هي واصلت وضع الشروط امام الحوار، تحت غطاء كثيف من اللغة الاعلامية غير المسبوقة في أدبيات الخلاف الوطني.

فالخلافات بين الاخوة، تحل بالتنازلات، والفجوات تجسر بالمقاربات، والمصالح الوطنية تعلو على كل مصلحة حزبية، وهو ما يسجل للرئيس عباس ممارسته قولا وفعلا، وحظي حينها باشادة حماس، عندما رفض قبل ثلاث سنوات الدعوات الفتحاوية الملحة، بعدم التوجه الى صناديق الاقتراع، في وقت كانت فيه الحركة تحت صدمة غياب زعيمها الراحل ياسر عرفات، الذي احدث غيابه فراغاً عميقاً بالحركة، إذ أتاح قراره في ذلك الحين الفرصة امام حماس للمشاركة بالمشهد السياسي، والفوز باغلبيته، وهي أغلبية سبق ان انفردت بها فتح طيلة عشر سنوات، في أول مجلس تشريعي فلسطيني، تمكنت خلالها الحركة من تقديم نموذج وطني مسؤول قلَّ نظيره بين الأحزاب والتيارات المنفردة بالسلطة ظهرت خلالها الحركة كـ"حارسة لادوار الغائبين" ولم تفرض الانضباط الحزبي على نوابها، الذين خرجوا عن النص غير مرة، بحجب الثقة عن حكومات تارة، وأسقاط أخرى تارة اخرى، في مشهد أرسى تقاليد جديدة في العمل النيابي، بعث رسائل مطمئنة لكل الغائبين بخيارهم عن المشهد النيابي ومنهم حماس، وهو ما نفتقده الآن.

فالإنتخابات المبكرة، هي الملاذ لدى جميع المجتمعات الديمقراطية من إستعصاءات يصعب كسرها، أو فجوات لايمكن جسرها، او حوارات يتعثر إنعقادها.

ولعل القرارات الهادئة التي صدرت عن اجتماع وزراء الخارجية العرب قد هدأت من روع حماس التي توجست خيفة من قرارات قاسية قد تصدر ضدها وهو ما ينبغي أن يدفعها لاعادة تقييم مقاطعتها للحوار والتوقف عن الطعن بولاية الرئيس.

واذا ما سمح لي بالمزيد من المصارحة،فان اخشى ما اخشاه، ان يكون وراء الذرائع الرخوة التي تتمسك بها حماس لرفض الحوار ، والانتخابات المبكرة منها، وغير المبكرة ،" هو الرغبة بشراء المزيد من الوقت وصولا الى ذلك اليوم، والاعلان عن المزيد من الذرائع ، كي تتمكن الحركة من تبرير سيطرتها على غزة ،عبر الاعلان عن القطاع ،" كيان تم تحريره بالمقاومة "والاعلان عن عدم الاعتراف بالسلطة "حاضنة المشروع الوطني"، وهو ما المح اليه د.محمود الزهار في تصريحات حديثة له ،عبر القول " ان حماس مستعدة لاقامة الدولة على اي شبر محرر، دون تقديم اي اعتراف ، او تنازل "، وهو ما بات يُنظِّر له بعض الكتاب المقربين من الحركة.

واذ يتصاعد الجدال حول الرئاسة مرتديا لبوسا قانونيا رغائبيا ، فان الجدال في نحو ثلاثة آلاف حاج يولون وجوههم شطر البيت العتيق، وصل مستوى يتنافى ومعاني ودلالات الركن الخامس الذي قال فيه رب العزة" لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"، فتكفير الحجاج الذين اراد لهم الله اداء الفريضة، وتخويفهم بان الله لن يقبل شعيرتهم" ان هم ارتضوا لانفسهم اخذ حق غيرهم" حسب مفتي حماس، وحبسهم في مَحِلِّهِم دون ان يكون ذنب لهم ، وقد تم اختيارهم بالقرعة ومن كل الوان الطيف، ووصل الامر الى الاعتداء على من توجه منهم الى المعبر بالهراوات ، هو امر يسيء للركن الخامس من اركان الاسلام، ويتنافى وسماحة الدين الحنيف، ويحمل من يعطلون شعائر الله اثما كبيراً.

وهذا لايعني عدم الالتفات الى من سجلوا لدى حماس، وهو ما نحسب ان خادم الحرمين الشريفين سيوعز للجهات المختصة، بالسماح لهم بالالتحاق بافواج الحجيج ليتمكن الحجاج" المولاة والمعارضة" من الوقوف على صعيد واحد في يوم الحج الاكبر، تلهج السنتهم بالدعاء الى الله ، ان يعيد الى الوطن وحدته ، وان يختم بالصالحات والمصالحات خلافاتنا، فتعثر جهود الحوار لا تحل الا بالمزيد من الحوار.