|
صورة قلمية: بعد أن أصبحت الإف 16 سيدة السماء ..ليل غزة كنهارها .. ضحايا بالمئات في يوم السبت الدامي
نشر بتاريخ: 28/12/2008 ( آخر تحديث: 28/12/2008 الساعة: 21:29 )
غزة - معا- كتب موسى أبو كرش- قال السائق الذي يقود السيارة التي كانت تقلني إلى مقر الجريدة عندما تناهت الى مسامعنا سلسلة الإنفجارات المتتالية لطائرات الاحتلال التي أغارت على المدينة: هذا تفريغ هوا! قلت دون تفكير: أخشى أن يكون تفريغ حشى .
ضحكت فتاتان كانتا تحتلان المقعد الخلفي للسيارة طلبت من السائق التوقف, وترجلت من السيارة.. كانت أعمدة من الدخان الكثيف تلف غرب غزة وجنوبها وشرقها.. وسلسلة من الإنفجارات المتوالية كانت لاتزال تضرب المدينة في هذه الساعة من ساعات ما قبل الظهر في كافة الاتجاهات.. طلبة المدارس كانوا يحتلون أرصفة شارع عمر المختار على الجانبين متجهين إلى منازلهم بعد أن انتهى دوامهم الرسمي و كان عدد كبير من المتسوقين لازالوا يتسكعون في الشارع وأعينهم مرفوعة إلى السماء يتابعون حركة الطائرات في قلق وسرعان ما انجلت الصورة طائرات الاحتلال تضرب بضراوة, وبصورة غير مسبوقة مقرات الحكومة المقالة بغزة التي كانت قبل أشهر معدودة مقرات لأجهزة السلطة الوطنية " دارت الأيام إذن" وسبحان مغير الأحوال.. أعمدة الدخان الأسود الكثيف ترتفع و الإنفجارات تتوالى من مختلف الاتجاهات, ومع ارتفاعها بدأت حالة من الهلع والخوف تسيطر على وجوه المارة، ووجدتني ودون وعي مني انحني إلى بعض الأطفال أطمئنهم وأحاول التخفيف من روعهم دون جدوى.. رجال وشبان يجرون في مختلف الاتجاهات وفي أيديهم أجهزة الخلوي يحاولون الاستعلام عما حدث و الاطمئنان على أبنائهم وإخوانهم في المقرات ..وشاشات الأجهزة ترد عليهم بنزق ,وتتذرع بذرائع وحجج شتى: " لا يمكن الوصول إلى الرقم المطلوب، نرجو المحاولة فيما بعد: الرقم المطلوب خارج التغطية ، الرقم مشغول ما زاد من جنونهم واضطرابهم النساء اللواتي كن يتسوقن قبل قليل أصبن بحالة من الذعر فاندسسن فرادى وجماعات داخل المحلات والأزقة الجانبية, وازداد ضغط الشارع بطلبة جامعات غزة الكبرى الأزهر والإسلامية والأقصى وأصبح الحصول على وسيلة نقل لأي طرف من أنحاء المدينة أشبه بالمستحيل, وعلت صفارات الإسعاف وأبواق السيارات التي بدأت بنقل الجرحى إلى مستشفى الشفاء بغزة وسط حالة من الفوضى العارمة للسيارات التي احتلت الشوارع وسببت حالة من الاختناق " والعجقة " غير المعهودة. كان السؤال الذي يضرب ذهني المشغول بولدي في الجامعة يطن في رأسي: هل استطاعت إسرائيل خداعنا إلى هذا الحد؟ ضراوة القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له المدينة وسهولة الأهداف التي تم استهدافها وكثافة الصيد تؤكد ذلك فكل التحليلات التي استمعت إليها من المحليين السياسيين الذين استضافتهم إذاعتنا المحلية والساسة المعنيين إلى ما قبل القصف بقليل كانت كلها تشير إلى أن التهديدات الإسرائيلية وما تم تسريبه من أخبار وتصريحات كلها تندرج في إطار الحرب النفسية وأن ما , لدفع فصائل المقاومة وفي المقدمة حماس للاذعان للتهدئة, وأن قوانين اللعبة السياسية لن تتغير,وأن ما يجري في الواقع بروبوغاندا إعلامية للساسة والقادة العسكريين المرشحين للكنيست وكل ما يجري من حديث وتسريبات إعلامية عن اجتماعات الكبنيت الإسرائيلي محض" حديث خرافة يا أم عمري" . أنا أخاف من الثعلب الإسرائيلي العجوز شمعون بيرز عندما يتحدث , فقبل أربعة أيام بالتحديد قال بالحرف الواحد: سنقوم بضربات سريعة وعميقة وناجعة, ولن نقف مكتوفي الأيدي إزاء استهداف مواطنينا" , ولا حياة لمن ننادي؟ تسيفني لفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية والغراب المتحدث باسمها بشرا أكثر من مرة بأن إسرائيل ستقوم بحملة "دبلوماسية" لكشف التعاطف العالمي, ولم تتردد في الإعلان عن ذلك من العاصمة المصرية ذاتها. باراك الذي قال في مذكراته" بأنه قتل كمال ناصر في بيروت ولم يتركه حتى رأى بياض عينيه", بدأ كالحمل الوديع ولم يصدرعنه أي تهديد, وجاء السبت اللعين ليكون رأس الخداع الخبيث.. إذن خدعونا... والحرب خدعة كما يقول العارفون من الجاهلية الأولى حتى الآن, ولكن من يدّكر؟ الأنباء عن تفاصيل العدوان تتوالى, وأعداد الشهداء والجرحى ترتفع باضطراد , والغارات شملت المقرات الأمنية والشرطية لمختلف مدن القطاع من رفح حتى بيت حانون. ووجدتني أعود للبيت وفي النفس غصة فما جدوى دوامي في مقر لجريدة بلا كهرباء وتليفون, وانترنت ولا حتى قطرة ماء. في الطريق إلى البيت كانت مجاميع كبيرة من المواطنين تتجمع على أرصفة وتقاطعات الطرق والقلق بادٍ على وجوهها فيما كانت الإنفجارات تتوالى في شمال وشرق القطاع وبعد أن نهبت منتصف الطريق مشياً على قدماي توقفت لي سيارة صديق وأخذتني إلى البيت وأنا أردد متى ينتهي هذا القصف اللعين في هذا السبت الدامي. في البيت كانت زوجتي في حالة قلق حقيقي على أنجالها وطمأنتها بأن جوالي الذي استرد بعض عافيته تمكن من التقاطهما وأنهما في الطريق إلى البيت, فيما كانت أجنحة الصواريخ المحلية الصنع لازالت تشق طريقها شرقاً وشمالاً باتجاه المستوطنات الإسرائيلية, ولعلعت من بعيد أصوات طلقات من الرصاص تنبئ عن تشييع عدد من الشهداء الذين سقطوا بقذائف طائرات الإف 16 التي سيطرت على سماء القطاع الكئيب.. ومع حلول المساء أدركت أن العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي انفتحت شهيته لدمائنا لن يرعوي بأعداد الشهداء الذين فاق عددهم المائتين أن ليلة السبت الأحد لن تغمض لسكان غزة وأطفالها عين بعد بات القصف يستهدف البيوت والمستشفيات وبيوت العبادة وكل ما يتحرك على الأرض أيضاً. يبدو أن الفاتورة التي سيدفعها شعبنا في غزة في هذه الحرب كبيرة إذ يبدو-والله أعلم- أن حجم الدعم والتآمر العالمي لضربنا هذه المرة أكبر من قدرتنا على التصور والاحتمال. |