وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

للطفل مؤمن .. وجعٌ آخر من عمق المجزرة

نشر بتاريخ: 04/01/2009 ( آخر تحديث: 04/01/2009 الساعة: 23:26 )
غزة – خاص معاً – كتبَ عمر فارس أبو شاويش - هي الحكاية تسطر نفسها لتسرد قصة الوجع والغربة .. فالناس هنا في غزة أصبحوا لا ينامون ولا يحلمون وحتى لا يأكلون .. كلّ ما يشغلهم هو كيف أن يخرجوا من جنون الطائرات الحربية الإسرائيلية أحياء .. فالموت أصبح يضاجعهم حتى في موتهم وخوفهم .

الساعة العاشرة صباحاً .. الطائرات كالغيم تغطي سماء غزة .. أطفال بالكاد ينامون ساعة أو ساعتين وربما ثلاثة خوفاً من قتلهم أو خشية صوت القصف على أقل تقدير .. فهم ليسوا كباقي أطفال العالم .. يحتضنون الموت وينامون يصاحبهم الموت .. ترعبهم أصوات الطائرات فيستيقظون ليجدوا أنفسهم أشلاء .. وبعض الأحيان بلا أشلاء ..

علّ الطفل مؤمن وسام الديري " سنة وشهرين " ، يضاف إلى رصيد الأطفال الذين واجهوا النار ودخلوا في معمعة ظلام العدوان الإسرائيلي .. فأصابته شظايا الصواريخ في رأسه لتدخله إلى العناية المركزّة وناقوس الخطر .

تروي هناء الديري والدة الطفل مؤمن الحكاية فتقول " لقد كنّا في حالة أعصاب شديدة ، وضعنا السيئ لا يُطاق ، لقد كنّا نتوقع سقوط الصواريخ علينا ، وتواصلنا على هذهِ الحالة لساعاتٍ طوال ، أرسلوا لنا التهديدات الصوتية لكننا لم نأبه لهم ، واستمر الخوف يحيط بنا والموت يهدد حياة أبنائنا " .

تضيف هناء " لقد اقترب صوت الطائرات أكثر ، قمت على الفور باحتضان أبنائي الأربعة خوفاً عليهم ، وما أن طلبت من زوجي وسام أن نغادر المنزل كان الصاروخ أقرب إلينا من النجاة والأمل ، فارتطم في جدار منزلنا وحول لحظات الخوف المرتقبة إلى حقيقة مرّة " .

تكمل هناء وهي تشير بأن المنزل المستهدف لشقيق زوجها " لقد هربنا إلى الشارع بسرعة فائقة، وما أن خطت أقدامنا عتبات المنزل بعشرة أمتار فقط ، كان الصاروخ الثاني يصل إلى المكان ليفرقنا جميعاً عن بعضنا البعض ، وليصاب أبنائي الأربعة بإصابات مختلفة ، منهم ابني مؤمن الذي أصيب في الجمجمة وحالته دخلت في مرحلة الخطر ".

والد الطفل مؤمن كانت ملامح الحزن ترسم خارطة الصمود على وجهه ، راح يلوح بيديه ويصرخ " نحن صامدون صابرون ومعنوياتنا مرتفعة ، وإن استهدافنا واستهداف أطفالنا لن يكسر شوكتنا ، سنعود وسنكمل حياتنا على أرضنا وسينتصر المجاهدين ".

أكمل صراخه وحلمه بالوحدة الوطنية يكبر " يجب علينا الآن أن نتوحد ، كفانا انقساماً وتخبطاً " ، مؤكداً أن الجميع أخوة وفي خندقٍ واحد .

رفع يديه إلى السماء ودعا بصوت المظلومين المكلومين على قادة إسرائيل وأمريكا وعلى العرب المتخاذلين الذين يساندون العدوان ، بحسب قوله .

هدأ للحظة وراح يقول بصوت خافت حزين " إن في البيت المكّون من خمسة طوابق قرابة المائة وخمسون شخص ، أصيب منهم أكثر من عشرون " ، وراح يسأل ما ذنبهم ؟ ، ماذا فعلنا لكي نحرم من العيش بأمان ؟! .. وأكمل بحرقة شديدة " لقد ضرب الصاروخ الطابق الخامس واستمر حتى وصل إلى الأرض ، ومزقّ أحلامنا " .

هكذا تبدو الحكاية في غزة .. قصف في كلّ مكان .. دخان الصواريخ وركام المنازل المهدمة أصبح الشاهد الوحيد على المجزرة .. دماء انسابت من الجرح لتصنع الجرح .. فغزّة بكلّ ما فيها تستصرخ العروبة وتنادي الهمم .. بينما الأطفال لا يعرفون أي صاروخ قد يمنحهم قبلة أخرى من ظلام الليل .. فخبأهم الدمع جميعهم واستمرت مجزرة المجزرة ..