وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الحديث ذو شجون ** البقاء لله !بقلم : فايز نصار

نشر بتاريخ: 25/01/2009 ( آخر تحديث: 25/01/2009 الساعة: 18:37 )
الخليل - معا - لم يحتفل الفلسطينيون بالسنة الجديدة ، ولم يحيي الشعب الطريد ذكرى انطلاق الثورة ، ولم يفرح أطفال فلسطين ، كغيرهم من أطفال العالم بنتائج الفصل الأول ، و عطلة الشتاء .. لأن جميع الفلسطينيين كانوا منهمكين في تعداد الشهداء ، الذين ربوا على ألف وثلاثمائة ، والجرحى الذين اقتربوا من الستة آلاف ، وكظموا غيظهم تجاه آلة العدوان التي ارتكبت المجازر ، في محرقة جديدة ، لن تسهم إلا في إحراج المؤمنين بالسلام ، مع دولة تملك جيشا ، يرتكب مثل هذه المجازر الفظيعة !

نعم .. كنا نعد الشهداء ، ولا حول لنا ولا قوة ، إلا الترحم عليهم ، والابتهال إلى المولى عزوجل أن يرفق بغزة ، التي كانت وما زالت وستبقى منارة للثوار ، وقبلة للأحرار ، وتاجا على رؤوس الأبرار ، لأن غزتنا العزيزة حيرت الأصدقاء قبل الأعداء في جدلية هذه الحرب ، التي امتدت نيرانها لتطال الحركة الرياضية ، بطاقتها البشرية ، بعد سقوط عشرات الرياضيين بين شهيد في الطريق إلى العليين ، وشبه شهيد أقعدته الجراح عن مواصلة دوره في البناء والتشييد .. وبطاقتها المادية لان أيدي فولاذ الجو امتدت لتطال المنشآت الرياضية ، فدمر المعتدون لجنتنا الأولمبية ، وحطموا الأندية والملاعب والقاعات .

إنها غزة الشهيدة تنهض - كما ربتها فلسطين - من تحت الرماد ، وتحلق من جديد ، بفضل أبنائها الأبرار ، من الشباب .. ومن الرياضيين ، الذين يصطفون في الخندق الأول ، للدفاع عن مقاديرنا ، وللانخراط في الصف الأول لبناء الوطن ، واستعادة لحمته .

كانت غزة تعد الشهداء ، وكنا هنا في الضفة نشيع العزيز الغالي أبو جمال ، رئيس بلدية يطا ، وأحد رموز الحركة الرياضية الفلسطينية ، منذ النكبة الأولى ، أنه الوالد محمد خليل يونس ، مفخرة الرياضة في المحافظة الكبرى ، والمعلم الكبير ، الذي غرس الشتلات الأولى للرياضة في أم المدارس الحسين ، فأينع الغرس ، وتكاثر الشجر الطيب ، في بستان الرياضة الفلسطينية ، الذي ساهم المرحوم أبو جمال في غراسه وتنسيقه .

في جنوب الجنوب ، بمدينة يطا ، التي ترابط على التلال الأخيرة بين جبالنا الشماء ، وبيدائنا الأصيلة ،ولد ونشأ الراحل الكبير ، ومنذ البداية خط الرجل لنفسه طريقا ، يرى الناس غيره ، أليس لكل أمريء فيما يحاول مذهب ... ومذهب ابو جمال في الرياضة ، أنها معقل لإعداد الرجال ، ومدرسة لتخريج الأجيال ، الهدف منها تربية النفوس ، قبل السعي إلى نيل الكؤوس .

من أجل ذلك كانت يطا بيته الصغير ، وكانت مربعه الأول في وطنه الكبير ، الغالية فلسطين... ومن اجل ذلك كان نادي يطا عرينه الأول ، ولم يكن يهمه أين يجلس في هذا العرين ، على كرسي في صدر البيت ، أو على "جودل" يطاوي في أي مكان ، ولكن مقعده الذي كان الأقرب إلى نفسه ، كان في المدرجات ، بين الجماهير الوفية ، التي أحبها أبو جمال ، ضاربا المثل الأعلى في التواضع ، لكبير رياضيي يطا ، الذي كان قريبا من قلوب الناشئين والأشبال ، قبل المخاتير والرجال !

كان ابو جمال محبوبا من الجميع ، لان الابتسامة لم تكن لتفارق محياه ، ولأن بيته كان واسعا ، يقصده المختلفون ، ليجدوا عنده الحل المقنع للقضايا التي يراها البعض مستعصية في تعقيداتها .. كان أبو جمال سهلا ممتنعا ، ومحدثا ممتعا ، وقائدا بارعا ، وكان قبل كل ذلك إنسانا فلسطينيا ، موغلا في البساطة والحياء .

كان الخلايلة يهيلون التراب على فقيدهم الغالي ، وقبل أن ينفض سامر العزاء في المدينة الجنوبية ، كان بيت العزاء يفتح في ضاحية الخليل الجنوبية ، عندما نكب نادي طاق بن زياد بفقدان رئيسه الشاب حسام الرجبي ، الذي تخطفه المنون على غفلة ، في خضم الموت الجماعي للصابرين في غزتنا الأبية .

في ضاحية الخليل الجنوبية ، وعلى بعد أقل من نصف كيلومتر من الحرم الإبراهيمي الشريف ، الذي سيظل شاهدا على مجازر المحتلين ، هناك بنى الخلايلة بيتا رياضيا نموذجيا ، اسموه منذ منتصف السبعينات " نادي طارق بن زياد " البطل المغربي ، الذي أحرق السفن ، ونادى بشباب الفتح ، أن الكرَّ

هو الحل الوحيد ، فالبحر من ورائهم ، والعدو من أمامهم ،وليس لهم والله الا الصبر والمجالدة ، تماما كما ان الأقدار وضعت أهل غزة بين مياه البحر ، ونيران العدو ، فانتصرت غزة ، بشعبها الصادق الصدوق .

منذ السبعينات ، بدأت خطوات طارق بن زياد الأولى على ارض خليل الرحمن ، واستطاع النادي الأبي مجاراة قطبي المدينة " الشباب والأهلي" ، ووجد لنفسه موضع قدم رياضي بينهما... ولكن العشرية الأخيرة كانت الأكثر عطاء في تاريخ النادي ، الذي أصبح له مقر شامخ ، وأصبحت له هياكله ومرافقه ، وفرقه في مختلف الرياضات ، والفضل هنا لكل أبناء النادي ، ولكن الدور الذي لعبه رئيس النادي الراحل ابو ناضل كان هاما ، لان الرجبي استطاع تأليف كل القلوب ، وجعل النادي منارة رياضية ، وموقعا نضاليا متقدما .

في أسبوع واحد رحل أبو جمال ، رياضي يطا الأول ، ورحل أبو نضال كبير نادي طارق بن زياد ، فالرحمة للفقيدين ، والله يحفظ الرياضة الفلسطينية ، التي قضيا عمريهما من أجلها .. والبقاء لله ، والعزة للوطن .

والحديث ذو شجون