وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

قصر الحاكم بغزة أحد مباني غزة الأثرية دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية

نشر بتاريخ: 25/02/2009 ( آخر تحديث: 25/02/2009 الساعة: 11:51 )
غزة- تقرير خاص معا- على صفحة البحر يُطل هذا المبنى الذي سكنه حكام غزة على مر العصور آخرهم الرئيس الشهيد ياسر عرفات، تلة مرتفعة تطل على بحر غزة يجللها مبنى أثري رائع النقوش والزخارف، يمر عليه الغزيون هذه الأيام ليتذكروا بكل لحظة كيف استهدفت آلة الحرب الإسرائيلية كل غزة من بشر وشجر وحجر ولم تستثن هذا المبنى "قصر الحاكم" كما باقي مباني غزة القديمة من كنائس ومساجد وبيوت خاصة وحتى مدارس وأسواق غزة العامة.

ولم تكد الحرب تضع أوزارها، ويتجول الناس في كل اتجاه يتفقدون آثار الدمار والخراب، حتى تكشفت العديد من الحقائق التي تدل على "وحشية الحرب" الأخيرة على غزة وعدم احترام هذا المحتل لأي من القوانين واللوائح التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية لحفظ وحماية المواقع والمنشآت والمباني التي تعتبر ضمن الملكيات الثقافية العامة باعتبارها مبان أو مواقع أثرية، وقد بدا ذلك واضحا في الأضرار التي لحقت بالمباني الأثرية بمدينة غزة والتي استهدف الاحتلال بعضها بشكل مباشر والبعض الآخر بشكل غير مباشر.

وحسب وزارة الثقافة المقالة بغزة فإن هذه لم تكن المرة الأولى التي ينال "الغزاة" من مباني غزة الأثرية فقد قصفها البريطانيون بالمدفعية من فوق جبل المنطار ومن البحر في أوائل القرن المنصرم، لكن غزة المدينة العريقة التي تمتد جذورها في عمق التاريخ وعبر العصور المتلاحقة، ما يزال العديد من مبانيها الأثرية وداخل بلدتها القديمة ذات القيمة الحضارية والثقافية والمعمارية العالية جدا والقائمة حتى يومنا هذا. وقد تنوعت هذه المباني بين البيوت السكنية الخاصة وبين المباني العامة كالمساجد والكنائس والمدارس والمقابر والأسواق العامة.

لقد تعرضت بعض هذه المباني مؤخرا إلى الاستهداف المباشر وتدمير أجزاء كبيرة منها الأمر الذي استلزم وقفة مسؤولة من قبل الجهات الرسمية وتشكيل اللجنة الوطنية للتراث الفلسطيني والتي تضم كلا من وزارة الثقافة، ووزارة السياحة والآثار المقالتين، وبلدية غزة، ولجنة التراث للجنة الوطنية العليا للقدس عاصمة الثقافة العربية 2009ومركز عمارة التراث بالجامعة الإسلامية.

رئيس اللجنة عز الدين المصري مدير عام وزارة الثقافة المقالة قال ان هذه الأضرار تنوعت بين تدمير كلي للمبنى وذلك نتيجة الاستهداف المباشر وذلك شأن كلا من مبنى قصر الحاكم بمجمع أنصار الذي يستمد قيمته التاريخية لاستخدامه كمقر رئيسي للحاكم المصري، إضافة إلى طابعه المعماري المميز،كذلك الحال لمجمع الأجهزة الأمنية (السرايا)، وبين تدمير جزئي بتهدم أجزاء كبيرة من المبنى وتأثر باقي المبنى إنشائياً وذلك حال مبنى محكمة بلدية غزة.

فيما أكد الدكتور نهاد المغني مساعد رئيس بلدية غزة لشؤون التخطيط الحضري أن هذا المبنى الذي يتميز بموقعه المطل على شارع عمر المختار مباشرة، ويتكون من ثلاث طوابق، الأرضي منها محلات تجارية، والطابق الأول والثاني مكون من عدة فراغات إدارية. وقد تميزت واجهاته باستخدام حجر الطوب الملون والفتحات الطويلة ذات الأقواس، والشرفات الصغيرة والمتعددة. ويمتاز المبنى بالقيمة التاريخية حيث يعود المبنى إلى فترة الحكم البريطاني في قطاع غزة وهي الأربعينيات من القرن الماضي. حيث أنشأه فهمي بك الحسيني رئيس بلدية غزة حينها، وللمبنى قيمة مجتمعية كبيرة حيث استخدم حين إنشائه كمحكمة لبلدية غزة، ثم استخدم كمقر لشرطة بلدية غزة إلى الآن.

أما التأثر الجزئي فكان له نصيب الأكبر من المباني الأثرية من هذا العدوان، هذا ما أدلى به المهندس محمود البلعاوي الناطق الإعلامي باسم اللجنة والذي أكد بأن حالتها الإنشائية قد تأثرت بشكل سلبي مما قد يعرضها للانهيار، خصوصا مع تمركز معظم المباني الأثرية وتجاورها في قلب البلدة القديمة لمدينة غزة. والوضع الحرج لها بسبب تقادم عمرها الزمني ومع الحروب والكوارث المتعددة التي مرت بها.

ولا زالت هذه المباني تحتفظ بقيمتها المعمارية من حيث احتوائها على عناصر معمارية هامة كدهليز المدخل المنكسر والتغطية بالعقود المتقاطعة والفناء الداخلي السماوي الواسع والزخارف الإسلامية المميزة والنادرة، كذلك احتفاظها بطريقة البناء والتشكيل الفراغي الذي يعود للفترة العثمانية الإسلامية.
وقد اختلفت أنواع هذه الأضرار الجزئية ففي بعضها حدث انهيار لأجزاء منها نتيجة الارتجاجات والاهتزازات القوية التي كانت تنتج من استهداف المواقع المجاورة لها. وفي البعض الآخر ظهرت بعض الشقوق والتصدعات، وفي بعض الحالات رصد تزايد في حجم الشقوق الموجودة إلى حد يشكل خطر على بقاء المبنى. بالإضافة إلى تخلخل بعض الحجارة وتساقطها في جدران عدد من المباني مما يهدد بانهيارها.

ويعتبر ظهور هذه الأضرار وما لها من خطر على المباني دافع قوي لتكثيف العمل العاجل لمعالجتها حفاظا على ما تبقى لنا منها.
ولم تكن المؤسسات العاملة في مجال حفظ التراث أقل ضررا من هذا التعدي حيث طال الدمار عدد من أهم وأكبر هذه المؤسسات حيث تم استهداف مركز عمارة التراث بالجامعة الإسلامية والذي امتلك أكبر وأشمل قاعدة بيانات تختص في حصر وتوثيق المباني والمواقع الأثرية في البلدة القديمة بمدينة غزة، كذلك مكتبة المركز التي تضم عددا من كتب التراث المعماري وعلوم الترميم والآثار، إضافة إلى أجهزة ومعدات وأدوات تختص برفع وتوثيق وترميم المباني وفق تصريحات المهندس حسام داود مدير المركز، كل هذا وأكثر أصبح أثرا بعد عين بسبب القصف الجوي المباشر لمبنى مختبرات كلية الهندسة بالجامعة الإسلامية حيث كان مقر المركز ليمثل منارة للباحثين المهتمين بمجال الحفاظ.

كذلك طال القصف مقر وزارة السياحة والآثار الكائن في مجمع الوزارات الحكومية والذي لحقه تدمير كبير من أثر قصف المبنى قصفا مباشرا أدى إلى فقد جزء كبير جدا وأساسي من الموارد المادية والمعلوماتية الخاصة بالوزارة.

وأمام هذا الاستهداف المباشر لهوية غزة التاريخية وآثارها فقد دعت اللجنة الوطنية لحماية التراث الفلسطيني إلى تضافر الجهود وتعاضدها للحفاظ على ما تبقى من الموروث الثقافي والعمائر الأثرية القائمة.