|
في بيت المسنين : السبعينية أم العبد تتمنى اداء فريضة الحج قبل موتها
نشر بتاريخ: 22/03/2009 ( آخر تحديث: 22/03/2009 الساعة: 18:54 )
جنين – تقرير خاص لمعا – دخلت الحاجة أم العبد في السبعينات من عمرها من مدينة جنين عامها الثاني عشر في مكوثها في جمعية بيت المسنين بعيدة عن ابنها الوحيد والذي بقي لديها وبعيدة عن أحفادها الذي تيتموا مبكرا بوفاة أبيهم والذي صادف مع اليوم الذي يحتفل به العالم بيوم الأم.
الحاجة أم العبد والدموع تذرف من عينها وتحمل صورة ولدها المرحوم بجانبها صورة ابنها الآخر العاجز عن توفير سكن لها للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها في الوقت الحالي تقول "بأي حال عدت يا عيد ... جميع الأمهات تحتفل بهذا اليوم بفرح وسرور والتي حرمت من هذه الفرحة منذ اثنى عشر عاما .... بل حرمت من الفرحة منذ صغري ولا اعرف معناها إلا عندما كبرت ودخلت جمعية بيت المسنين". وتضيف قائلة " عشت وحيدة مع شقيقتي منذ صغرنا في دار الأيتام في القدس بعد أن تطلق والدي فأبي غادر البلاد وغرق في الديون من لعب القمار وأدمن على الكحول بينما والدتي ذهبت إلى أخيها الذي يقطن في أمريكا لتتزوج برجل اخر وتركوني وشقيقتي التي تصغرني في دار الأيتام حتى احتلت إسرائيل مدينة القدس ودمروا دار الأيتام لنعود أدراجنا إلى مسقط رأسنا في مدينة جنين". وتتابع "عشت وشقيقتي بعد هدم دار الأيتام في القدس في منزل عمي "شقيق أبي" والذي عشقنا عشق الأب لابنتيه إلا أن هذه الفرحة لم تدم لاعتراض زوجة عمي على وجودنا في منزله والذي زاد اعتراضها وغضبها علينا وعلى عمي عندما قرر أن يسجل عددا من الأراضي باسمي وشقيقتي فما كان منه إلا أن يطلق زوجته لنعيش وحيدين في بيت مستقل يطل علينا عمي بين الفترة والأخرى". وقالت "مضت علينا هذه الحياة حتى بلغت الرابعة عشرة من عمري ليأتي عمي بعريس بالثمانينات من عمره معروف عنه بالثراء الفاحش ويزوجني رغما عني ليس لأكون زوجته بل لأكون خادمة لزوجته الأولى "ضرتي" العاجزة عن الحركة". ومضت تقول "لم استطع الاعتراض لان المرأة التي تعترض في ذلك الوقت حكم عليها بالإعدام وقلت بنفسي أعيش بكنف زوج بعيدا عن زوجة عمي التي لم تفارقنا حتى بعد طلاقها من عمي وعشت لمدة اثنين وعشرين عاما انجبت منه ولدان بالإضافة إلى خدمة "ضرتي" التي احترمتني لاحترامي لها وقدرت خدمتي لها". في عام 1971 توفي زوجي تاركا خلفه ولدين الأول كان في عمر 12 عاما والثاني لم يتجاوز الشهرين وضرتي التي ما زالت تعاني الأمرين والمصابة بعدة إمراض بالإضافة إلى شللها الكامل . وتضيف :كنت اعمل في النهار مدة 12 ساعة متواصلة في إحدى المعامل في الخياطة وأعود متعبة لخدمة ضرتي وإطعام ولدي وعمل المنزل حتى كبر ابني الأكبر وانتهى من مرحلة التوجيهي والذي كان قد قرر ترك الدراسة ليدخل إلى عالم العمل والتعب ويتحمل المسؤولية وكنت له بالمرصاد في رفض قراره حتى أنهى تعليمه في الهندسة المدنية مشيرة إلى أنها تعبت في تربيته وشقيقه وكانا يضرب بهما المثل في العلم والأخلاق وحسن التربية رغم تيتمهما مبكرا واللذان حرما من حنان الأب فكنت لهم إلام والأب والصديق والمدرسة وكنت لهم الهواء ليتنفسوه ولم احرمهم من أي شيء . وتتابع وهي تنظر إلي تارة والى صور ابنها وتتنهد وتقول " الله يعين" وتتابع في سرد قصتها "بعدما تخرج ابني الكبير أردت أن اشعر بالفرحة التي حرمت منها منذ صغري بتزويجه وكانت الفرحة لساعات ومن ثم اندثرت في اليوم الثاني من زواجه لتشتعل الخلافات مع كنتي التي لم تحترمني نهائيا وكنت اصبر على سبابها وشتائمها واتهامي التهم الباطلة وكنت اكتم الغيظ في قلبي حتى لا اغضب ابني واستغلت الموقف لتنقل له كل التهم الباطلة ويسود قلب ابني علي وطلب مني مغادرة المنزل أنا وشقيقه الذي يصغره باثني عشرة عاما وكان وقتها قد تخرج من الجامعة بتخصص لغة انجليزية. وتقول "سكنت في جمعية بيت المسنين بينما ابني الآخر ذهب إلى إحدى القرى القريبة من الخط الأخضر ليعمل عند احد أصحاب المحلات التجارية أجيرا ويبيت في المحل وعمره الآن 38 عاما لا سكن له ولا زوجة وظروفه المادية صعبه لعدم وجود أي شخص يساعده في هذه الظروف". وتتابع أم العبد قصها : خلال مجزرة مخيم جنين ومنع التجوال والقصف والمجازر توجهت إلى إحدى الأفران لشراء الخبز وبعض المواد التموينية في وقت كان منع التجوال قد رفع على أهل مدينة جنين فكان الزحام على باب احد الأفران وبجانبهم طفل صغير يبكي وعند سؤالي له عن سبب بكائه ليكون حفيدي من "ابني العاق" ويقول لي أن أباه يرقد في العناية المكثفة في المستشفى لإصابته بجلطة في الدماغ ورق قلبي على وضعهم واشتريت بكل ما املك من مال من مواد تموينية وغذاء ونسيت نفسي ونمت تلك الليلة وأنا جائعة لكن كان قلبي فرح وسعيد لأني ساعدت ابني المريض بشكل غير مباشر فقلب الأم لا يعرف الحقد. وتضيف: بعد أيام من الحادثة مع حفيدي قدم ولدي وزوجته وأبناؤه الثمانية إلى بيت المسنين لزيارتي وكانت مفاجأة جميلة جدا وكنت اسعد أم في ذلك الوقت لكن الفرحة لم تكتمل لأسمع من كنتي الكلام البذيء وهي في قعر غرفتي في بيت المسنين وكتمت الغيظ في قلبي مقابل أن لا يغضب ابني والذي غاب عني سنوات كثيرة وحاول معي بأن أعود إلى المنزل لكن رفضت لشروط كنتي بأن تكون زيارات فقط وغادر غرفتي لأعرف بعد أيام مضت انه توفي بجلطة في الدماغ ولم استطع إلقاء النظرة الأخيرة عليه. وتقول أم العبد بموت ابني لم أر أحفادي نهائيا إلا مرة واحدة والذي تجرأ أكبرهم بزيارتي في بيت المسنين لكنه عوقب من قبل والدته لفعلته والتي كنت انتظرها منهم وبنفس الوقت لم أتجرأ بدق باب منزل ابني المتوفى حتى لا اصطدم بكنتي واندم عليها. بينما ابني الآخر "الله يرضى عليه" لم ينساني بزياراته الأسبوعية وباتصالاته اليومية للاطمئنان علي وقلبه يتقطع ألما لعدم تمكنه من توفير منزل لأسكن وإياه تحت سقف واحد فظروفه المادية صعبة للغاية ويمكث في المحل التجاري الذي يعمل فيه. عبرت عن راحتها التامة في المكوث بالجمعية وسعادتها مع زملائها وزميلاتها في بيت المسنين لكن قلبها حزين جدا لوفاة ابنها الذي لم تودعه ولابتعاد ابنها الآخر وأحفادها من أمام ناظريها متمنية أن تضعهم جميعا بين أحضانها وتشتم رائحتهم التي ما زالت تتذكرها . ووجهت أم العبد رسالة إلى كل الأولاد ولمن يعيش مع أم وأب مازالا على قيد الحياة أن يستغل كل ثانية وكل لحطة من حياتهما ويطلب رضاهما قبل أن ينتقلا إلى رحمة الله لأنه بافتقادهما سيفقد أعظم نعمه أنعمها الله عليه وهي رضا الوالدين مشيرة إلى ما تتمناه قبل موتهما "أن يديم السعادة والرضى عن ابنها الوحيد وتحج بيت الله الحرام " ومن ثم غادرت الجلسة التي كانت تجمعنا وتردد "الله يرضى عليكم يا أولادي ويسامحكم دنيا وآخرة". |