|
كلمـة الدكتور سلام فيـاض في ذكرى ميلاد الشاعر الراحل محمود درويش
نشر بتاريخ: 22/03/2009 ( آخر تحديث: 23/03/2009 الساعة: 09:46 )
رام الله -معا- القى رئيس الوزراء الدكتور سلام فيضا مساء اليوم كلمة في ذكرى رحيل الساعر الفلسطيني محمود درويش في قصر الثقافة برام الله.
وفيما يلي نص الخطاب: السيـدات والسـادة الضيـوف الأعـزاء مساء الخير لكم جميعاً ولمحمود السلام. بالأمس القريب، تفتحت تلال رام الله على ميلاد حديقة البروة في حضرة الغياب العظيم لجسد شاعرنا وحامي ثقافتنا الوطنية والإنسانية محمود درويش. وفي الغد القريب سيظلل اللوز والسنابل ذاكرة المكان، وتضج الحياة بلاعب النرد في تضاريس الزمان. وبالأمس أيضا أكدت أزقة وجدران وحارات القدس هويتها، وتكللت بإكليل تاريخها عاصمة للثقافة العربية للعام 2009، وتعانقت مع مدينة السلام بيت لحم، وأزقة وحارات مدننا وقرانا في فلسطين لتؤكد للعالم أن القدس قلب فلسطين وعاصمتها، وأن شوارع القدس العتيقة، وجدران منازلها وكنائسها ومساجدها، ومكتباتها، ومخطوطاتها، وزي أهلها وإبداعات كل شعبنا تسجل تاريخ وثقافة وحضارة شعب يكافح من أجل النهوض والحياة... من أجل الحرية، وحماية تراثه الوطني وابداعاته، والتأسيس لبناء مستقبل أجياله لتظل القدس، وكما أكد الرئيس أبو مازن في خطابه في انطلاق فعالياتها، "عنوان الإخلاص الأبدي لرسالة الأنبياء والرسل الذين رفعوا على مدى التاريخ راية القيم الانسانية السامية، وقاوموا كل اضطهاد مهما كان لونه أو طبيعته"، ولتظل القدس كذلك "مفتاح السلام للبشر، وأمل الفلسطينيين والعرب، درة التاج وعنوان العدل والسلام". وإن كانت القدس عاصمة فلسطين وعنوان تاريخها ومستقبلها، وعاصمة الثقافة العربية، وهي كذلك، فإن محمود درويش هو رمز الثقافة الفلسطينية والعربية المعاصرة وامتدادها الانساني ورسول كلمتها الجميلة في قواميس اللغات. لقد أسس محمود لفلسطين مشروعها الثقافي الإبداعي، وحملت كلماته مشروع ياسر عرفات الوطني نحو الحرية والاستقلال، وبين راحتيهما، وفي قلبيهما كانت القدس قبلة مشروعنا الوطني التحرري والثقافي. وتجاوز محمود بإبداعه وريادته خرائط العبث السياسي وجدران العزلة الأيدولوجية، وانتصر بإنسانيته لإنسانيتنا جميعاً، وأعاد صياغة فلسطين لتكون فلسطين أم البدايات وأم النهايات. وكما لا يمكن فصل القدس عن فلسطين وتاريخها وابداعات شعبها، وجذوره الضاربة في عمق التاريخ وحضاراته، فإنه لا يمكن فصل فلسطين الناهضة نحو الحرية والانعتاق من نير الظلم والاحتلال عن محمود درويش وأشعاره وكلماته. نلتقي اليوم أيتها الأخوات والأخوة في ذكرى ميلاد درويش، المتجدد بأشعاره وكلماته الجميلة، للتأكيد على حث الخطى من أجل إنجاز مشروعنا الوطني وتتويجه بالاستقلال والسيادة على أرض فلسطين ، التي تخلد درويش كما خلدها بأشعاره وابداعاته. ونلتقي اليوم لنعيد قراءة وصية درويش لشاعر شاب يواصل حمل راية الشعر، والثقافة الوطنية التقدمية... ولشابة تطرز علم فلسطين ليرفعه شبل من أشبال فلسطين على أسوار القدس، وكنائس القدس، ومآذن القدس، كما كان يحلو لأبو عمار دوماً أن يردد. لقد سجل درويش تاريخ شعب وطموحات أجيال، ورسم لنا ملامح دولة الاستقلال. ثمانية وستون عاماً، هي عمر النكبة وسنوات الطفولة التي سبقتها في البروة الأولى... رحلة التشرد والتمرد ... رحلة المعاناة والبحث عن الأمل. وتتواصل فصول الرواية، ولا تنتهي،... وهنا في تلة تطل على القدس، تنبت أشجار اللوز وتزهر في حديقة البروة التي تحتضن ذكراك وميلادك، وأشعارك، وآمالك... بل وآمال شعبك، وهو يرنو معك بعيونه نحو القدس، عاصمة الشعب الفلسطيني والثقافة العربية..، مدينة السلام الذي لن يكون يا محمود بين أسياد وعبيد. فكلمات قصائدك يا سيد الكلمة كسرت قيد الظلم والعبودية، نحو الحرية والاستقلال والسيادة. الأخـوات والأخـوة، لن أطيل عليكم، ونحن في حضرة محمود درويش، ولكنني لا أستطيع أن أقفز عن قلقه إزاء المخاطر التي ولدها الانقسام على مستقبل المشروع الوطني ومضمونه الثقافي الديمقراطي، ومعاناته من مرحلة "أنت الآن غيرك". ويتطلب ذلك منا، وفاءً لمحمود ولكل الشهداء، أن نبذل أقصى ما نستطيع لانهاء مأساة الانقسام، وطي صفحته. وهنا فإن من حق أي مواطن فلسطيني أن يتساءل، على ماذا يجري الجدل حول مكانة السلطة الوطنية، وبرنامج حكومتها؟! في وقت أن مرجعية السلطة، بل والمرجعية الوطنية لشعبنا تتجسد في منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، وقائدة نضاله منذ اكثر من أربعين عاماً على طريق الحرية والاستقلال. ماذا يقدم كل هذا الجدل لأهالي سلوان المهددة بيوتهم بالهدم، أو لأهالي قرية العقبة المهددة بالإزالة، أو لمزارع لا يستطيع أن يصل أرضه خلف الجدار، أو لطفلة حال الجدار بينها وبين مدرستها، أو لأيٍ من أهالي خربة أو قرية تحاصرها الجدران، والحواجز، والمستوطنات ؟. والأهم، أيها الأخوات والأخـوة، ماذا يقدم هذا الجدل لأهلنا في قطاع غزة المدمرة بيوتهم، ومصادر رزقهم، وهم يجلسون على أطلال ما كانت منازل أو مصانع أو مزارع، أو لأسير ينتظر بأمل ساعة الحرية من زنازين الاحتلال؟. أبناء شعبنا هؤلاء ينتظرون منا مد يد العون لهم، والتخفيف من معاناتهم، وتعزيز قدرتهم على الصمود، والمشاركة في إنجاز مشروعنا الوطني .... دون تنازل عن حقوق شعبنا كما حددتها الشرعية الدولية، والمبادرة العربية، وكما أقرتها مبادرة السلام الفلسطينية لعام 1988. هذا ما يجب أن يحركنا وبسرعة لوضع حدٍ للانقسام، والعمل على رفع الحصار الظالم عن أبناء شعبنا في قطاع غزة، والتصدي لمهماتنا الأساسية المتمثلة في مواجهة الاستيطان والاجتياحات ، وتوفير عناصر الصمود لشعبنا، وتعزيز قدرته في الدفاع عن أرضه ومستقبله، وإنجاز مهمة إنهاء الاحتلال والتفرغ لبناء وطن لجميع أبنائه وبناته في ظل تعددية سياسية وفكرية، تصون وحدة الوطن والنظام الديمقراطي، وتحقق أهدافه الوطنية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، والمرجعية الوطنية العليا له، وللسلطة الوطنية وحكومتها، وفي إطار الالتزام الكامل ببرنامجها... برنامج العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس على حدود عام 1967. وستواصل السلطة الوطنية بناء مؤسسات هذه الدولة، على أسس عصرية، ديمقراطية وتقدمية، وفي إطارسيادة القانون، والفصل بين السلطات،وصيانة الحريات وأسس المواطنة، حتى تكون كما أرادها محمود درويش دولة لكل أبنائها.. نعم أيها الأخوة دولة لكل أبنائها وبناتها، وفي إطار الإلتزام بوثيقة إعلان الاستقلال التي خطها محمود مجبولة بدماء الشهداء وعذابات الأسرى والأمهات الثكلى والمشردين، وتضحيات أجيال من المناضلات والمناضلين... وستظل السلطة الوطنية حارسة هذا الأمل لتحقيق حلم شهداء شعبنا وشعرائه، ولاجئيه، ومزارعيه... ترعى مصالحهم وتخفف من آلامهم، وتطور ابداعاتهم، وتحمي حقهم في الحياة. وقبل أن أختم حديثي اسمحوا لي أن أتوجه إلى الأخوة جبران، وكل فناني ومبدعي شعبنا، والتي انصهرت ألحان موسيقى أوتارهم مع كلمات محمود العذبة والجميلة، لتنشد لأجيالنا وعد المستقبل، ونشيد الوطن والابداع والجمال. فلهم، ولكل فناني ومبدعي شعبنا، كل التقدير والمحبة والاحترام. وختاماً، وفي سياق احتفالنا بذكرى مولد سيد الكلمة وفارسها، وحارس إنسانيتنا وصانع فضائنا وخارطة المكان، فإننا نتطلع الى تلك اللحظة التي ينهض فيها محمودنا من نومه الأبدي لينشد فينا "أنت منذ الأن أنت وليس غيرك"، ويعمِّد جسد الأمة وروحها وكيانها بفلسطين الموحدة. ولعلني أتجرأ وأقول لمحمود في يوم مولده الخالد، لقد أبقيت فينا شعلة الأمل ونثرتنا في فضاء اللغة، وحلقت بأحلامنا في تضاريس فلسطين وأشجارها وترابها وهوائها وأحلامها ومعاناتها. إن وعدنا لك يا محمود بهذه الذكرى أن نحمي وحدة الوطن في حبات العيون، ونجعل من لحن الاستقلال سيمفونية الحياة كما أردت، وكما يجب أن يكون. ومعها سيتجدد ميلادك، وسينمو ربيع الثقافة في بلادنا، ويزدهر ابداع الأغاني لكلمات قصائدك، ولشاعر شاب يحمي وصيتك، ويحمل رايتك. وسيظل آذار مولدك يوماً للثقافة، وللتمسك بالأرض وحمايتها في ذكرى يوم الأرض، ولكرامة الوطن وحريته في ذكرى معركة الكرامة، وللحنين لقهوة أمك وخبزها في عيد الأم. سلام عليك يا محمود يوم ولدت.... ويوم تقلدت بك فلسطين وشاح إنسانيتها. وشكراً لكم |