وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

وقبلها الأيديولوجيا/ بقلم:سري سمور

نشر بتاريخ: 01/01/2006 ( آخر تحديث: 01/01/2006 الساعة: 16:08 )

فوز حماس في الانتخابات البلدية التي أجريت معظم مراحلها وفوزها المتوقع في الانتخابات التشريعية-إذا لم تؤجل- عائد إلى وضع حركة فتح المتأزم والانقسامات التي تعصف بأقطابها وأطرها،وإلى الوضع الاقتصادي السيء ،وإلى رغبة الناس في التغيير وإلى استمرار إسرائيل في سياستها المتمثلة بمواصلة الاغتيالات والإصرار على احتجاز آلاف الأسرى في سجونها .

هذه التعليلات التي يسوقها الكثيرون كتابة وكلاما ويتوقفون عندها عندما يطرح السؤال:لماذا فازت حماس؟ لكن جميع من يرددون هذه المبررات ينسون أو يتناسون أو يقللون من شأن مسألة هامة بل السبب الرئيسي لتقدم حماس ؛وأعني الفكر الذي تنطلق منه هذه الحركة والشعار الذي ترفعه؛

فحماس منذ بدايات تأسيسها أعلنت بلا مواربة أنها تتبنى الفكر الإسلامي وتتبع في هذا السياق نهج حركة الإخوان المسلمين،وأن مواقفها السياسية تنطلق من هذه القاعدة الفكرية والمنهجية وبالطبع العقائدية. كنعانية أم إسلامية؟!

طوال فترة الانتفاضة الأولى (1987م-1993م) ظلت حركة فتح المنافس الأقوى والرئيسي لحماس تعلن أنها ليست "علمانية" من خلال العديد من المنابر الإعلامية والخطابات الموجهة للجمهور من قبل الكوادر المحلية،وظلت تصف نفسها بأنها حركة تحرر وطني هدفها تحرير فلسطين وتضم في صفوفها من يسعون لهذا الهدف مسلمين كانوا أم مسيحيين ،يساريين أو متدينين...وتمكنت من إقناع الكثيرين بهذا.

لكن الانقلاب الأكبر كان بعد تأسيس السلطة الفلسطينية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة ،حيث أن العائدين من الخارج ظهروا(عموما) مع بعض من الكوادر المحليين كأشخاص غير ملتزمين بالدين الإسلامي ،وجاهر بعضهم بأفكار مرفوضة لدى المتدينين عموما والحركة الإسلامية الفلسطينية خصوصا.

وزاد الطين بلة أن النهج الثقافي والرؤية التاريخية للصراع والتي حاولت السلطة تعميمه(ولا زالت) هو اعتبار فلسطين "أرضا كنعانية" والتركيز على هذه المسألة على حساب كون فلسطين عربية إسلامية ،فيما ظل الإسلاميون يرددون شعار:"القدس فتحها عمر بن الخطاب،وحررها صلاح الدين" .

واعتبر الإسلاميون أن العلاقة مع الكنعانيين لا تعدو كونها تاريخا انقطعت صلتنا به بعكس الصلة العقائدية مع الإسلام كون القدس هي أولى القبلتين ومسرى النبي محمد ،صلى الله عليه وسلم.

صحيح أن الرئيس الراحل عرفات ظل يردد هذه العبارات في خطاباته وكان يظهر الحرص على ذكر القدس والأقصى ويزين مكتبه بصور مسجد الصخرة،إلا أن الخطاب الذي كانت السلطة تحرص عليه يتمثل في اعتبار الصراع مع الكيان العبري امتدادا للصراع بين بني إسرائيل والكنعانيين وأن "يوشع بن نون" هو معتد غاز،وهذا الطرح تناقض تماما مع الرؤية التي تتبناها حماس والمتدينون عموما؛فهم يرون أن يوشع بن نون كان نبيا وكان على حق وأن الكنعانيين كانوا أهل شرك ووثنية ،وأن "طالوت" يمثل الحق بقتله للملك "جالوت".

قد يقلل البعض من أهمية الجدل التاريخي بين قطبين كبيرين على الساحة الفلسطينية ،لكن هذا كان له انعكاساته الواضحة،فحماس بهذا برهنت للجمهور أن حركة فتح لها توجهات ليست إسلامية،لا سيما وأن جميع المتدينين يتبنون نفس النظرة تقريبا.

لقد ظلت الماكينة الإعلامية لفتح والسلطة تسعى لإثبات الصلة القوية بالدين الإسلامي،لكن العديد من ممارسات السلطة ورجالها أظهرت ان الالتزام ضعيف بالفكر الإسلامي،علما أن الشعب الفلسطيني بطبيعته متدين ومحافظ ورغم محاولات إسرائيل إفساده إلا أنه حافظ على هذا الطابع.

لقد كانت المفاجأة ان السلطة وافقت على افتتاح كازينو للقمار في مدينة أريحا،ولوحظ وجود مسئولين يخالفون تعاليم الإسلام جهرا،بل حتى في الخطابات الرسمية للسلطة تستخدم عبارات مثل :"تحية الوطن والبناء " و "تحية القدس والدولة" بدل عبارة التحية في الإسلام (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

تراكم هذه الممارسات مكن حماس من استثمار الموقف ووضع حركة فتح في الخانة التي حرصت لسنوات على أن لا توضع فيها: أي خانة العلمانية. لا تيار ثالث حقيقي والدليل القوي على حضور البعد الأيديولوجي وتقدم حركة حماس،هو عدم تمكن الحركات الأخرى المعارضة للسلطة،وغالبيتها يسارية،من تحقيق نتائج تذكر،رغم إسهاب منابرها الإعلامية بالحديث عن الفساد،وضرورة رفع الظلم عن الفقراء.

ان فكرة تشكيل تيار ثالث له حضور شعبي تبدو في الوقت الراهن شبه مستحيلة،أما د.مصطفى البرغوثي الذي يدعو علنا لتشكيل تيار ثالث بين القطبين الفلسطينيين المتنافسين(فتح وحماس) فإن منافسته لمرشح حركة فتح لانتخابات الرئاسة كانت في ظل غياب مرشح عن حركة حماس التي قاطعت الانتخابات.

ولعلنا نلاحظ أن "المبادرة الوطنية الفلسطينية " بقيادة مصطفى البرغوثي لم تحقق نتائج كبيرة في انتخابات البلديات ولن تحقق في انتخابات المجلس التشريعي نظرا لوجود المتنافسين الكبيرين (فتح وحماس).

وأنا أستغرب كيف يتجاهل المحللون والكتاب قضية الأيديولوجيا التي تتباها القوى المتنافسة عند بحثها في أسباب تقدم قوى وتراجع وانحسار قوى أخرى ،ويكتفون بالحديث عن الممارسات والخلافات والظروف الخارجية .

وأنا هنا بالتأكيد لست بصدد التقليل من دور الفساد والترهل الإداري والانقسامات الداخلية في تراجع حركة فتح لكنني أضع هذه الأسباب جميعا بعد السبب الرئيسي وهو الفكر والمنطلق العقدي ...والشواهد كثيرة.