وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هناك خلف الاسلاك الشائكة:الفلسطينيون مغيبون عن احتفالية عماد المسيح

نشر بتاريخ: 14/04/2009 ( آخر تحديث: 15/04/2009 الساعة: 11:30 )
أريحا - معا - فتحي براهمة - أسلاك شائكة وأوتاد حديدية ومبان لصوامع تحاصرها خطوط الملح البيضاء وكثبان التراب واسيجة نال منها الصدأ وتأبى إلا أن تكون شاهدا على تكبيل حرية الناسك المتعبد ،وأديرة كانت ولا زالت يلفها صمت عميق تتخللة صلوات المؤمنين كريح هب في واد عميق يمخر عباب التاريخ ، الصورة عند الضفة الغربية لنهر الأردن بتفاصيلها الماثلة للعيان أو تلك المتمترسة خلف بقايا حكايات التاريخ ، لها سماتها المفزعة والمحزنة أحياننا ولها دلالات النور المتسرب كالضوء الخافت بين ركام أطلال حضارة لها جذورها أو بعضا من إشعاعها ، لكنها تبقى ذاتها صورة الألم والحسرة التي يغلفها فرح طائر مرتحل بين ساعات الصباح وقيض شمس ظهيرة الغور والتي أشعتها تلسع الجموع بغير قصد تلطفها وتخفف من وجعها أمال وأحلام يحملها الوافدين إلى ديار السلام الموعود والطهارة السماوية الباقية بقاء الخالق والكون .

عند حافة نهر الأردن الغربية تذكرت حكايات جدي ومغامرات والدي وقصص حدثها الكبار للصغار عن مقهى أبونا حمدان الريحاوي المسلم وعن ليالي السمر بجوار النهر في ليلة قمرية ،فكدت أشم رائحة شواء السمك النهري على موقد حطب دشنة جدي بحرفية وعفوية ، فغصت تحت سطح ماء النهر واشتبكت أفكاري مع جذر القصيب وعيدان أشجار الطرفة التي تستمد قوتها وبقائها من أنزيمات الملح ورطوبة الأرض البور المستعصية على السلب ، والتي ترفض تعير ملامحها وتختال فخرا واعتدادا بهويتها الكنعانية ، تمد يدها بكبرياء لتخوم شرقية عربية، بقيت على العهد والوفاء منذ مملكة فيلادلفيا ودولة الأنباط وحملة الراية الهاشمية

في موقع المغطس تهب ريح عذراء من عذرية مريم أم المسيح ويغلف المكان رهبة أقصى من واخشن من رهبة الجند ذوي القبعات الملونة وحشرجة أجهزة اتصالهم اللاسلكية ، والتي تبدوا كغريب غير مرغوب فية بين المتوحدين بالدعاء والإيمان ، فيبزغ من بين بقايا أحراش الشريعة طيف الإرادة وصوت الحق ، وينفرد الماء السلس الجاري بهدوء بامتصاص سخونة الشمس والأجساد الساعية للسير على خطى عماد المسيح علية السلام قاصدة الطاهرة والاغتسال ، والتوحد مابين الجسد والروح ، من بينها وجوة قاربت على المئوية الأولى من صراعها مع الزمن والحق والباطل وارتسمت عليها خطوط الدهر بشكل كنتوري ، لتلتقي مع خطوط عفوية رسمتها الجغرافيا على سطح التربة المالحة بشكل دائري ، يزيد من تمني النفس بعودة عقارب الزمن للوراء ، ليهرول المؤمنون والقابضون على الحق على درب يوحنا المعمدان قاصدين طهارة الحق ونور الحرية

فيما أصبح وجه السهل المحاذي للنهر كالحا يحتضن جذوع نخل خاوية قصمها سيف السلب والاغتصاب ، تحيطها لوحات معدنية صفراء كتبت عليها عبارة احترس من الألغام ، لكن فيها معاني الصبر تحت وقع السياط وجبروت الكهل المنغرس في أرضة بشموخ وإباء ، وفيها حكايات عن الرهبان الأوفياء والراهبات الجميلات ، وذكريات حدثتني عن جورج ياني اليوناني الذي أحبة أهل أريحا ، فغدى فلسطينيا حتى النخاع ، وبجوار جدران الصوامع مساطب خشبية وشبة أواني ونوافذ يتسلل منها الهواء باستحياء وممزوج بمرارة الفراق وألم الاغتصاب ، فيما جاءت أشجار نخيل حديثة لم يمضي على زراعتها سوى بضع أسابيع كإضافة جمالية لكنها ليست بقدر الحقيقة التي تخيم في المكان

روس وقبارصة ويونان وروم وأحباش وسريان وعرب وآخرون من أصول وأعراق متعددة يجمعهم كلمة الحب وفيض الإيمان تطرح سيلا من الأسئلة عن مرارة الحياة وكيف السبيل إلى السلام ، لم تجد من يرد عليها سوى الأب خريستيموس رئيس دير حجلة عاشق المكان والذي قال كيف يملك البعض الحق في تزوير التاريخ والقفز عن ألاف السنين ، فالأرض هذة هي أم الإنسان وعبق الماضي والطريق إلى الحق والعدل والسلام على عيسى رسول المحبة والسلام .