وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

السكر.. كلمة حلوة تخفي مرارة المعاناة..!

نشر بتاريخ: 29/04/2009 ( آخر تحديث: 29/04/2009 الساعة: 13:31 )
غزة - تقرير سمر الدريملي - أمام منظر والدتها الملقاة على الأرض؛ لم يكن أمام "سحر إبراهيم" إلا أن تهرع إلى المطبخ، محضرةً كأساًً من الماء مذاباً فيه ملعقتان من السكر؛ لتسقيه لامها، التي بدأت يداها ترتجفان من الخوف..

"أم سحر" البالغة من العمر (55) عاماً، سقطت فجأة مغشياً عليها، فيما يعرف بـ "غيبوبة السكري"، وهو ما أربك بناتها وأولادها وأحفادها؛ الذين كانوا يحيطون بها في حديقة المنزل للاحتفال بعيد ميلادها، وكانت "أم سحر" قد أصيبت بمرض السكر نتيجة حزنها الشديد على طلاق ابنتها "البكر"، وساعد على ذلك أيضاً بدانتها الشديدة نتيجة تفاقم المرض.

تقول "سحر": "كانت أمي تتحدث معنا فرحة ً بتجمعنا حولها، وفجأةً وجدناها تقع على الأرض، حيث بدأ العرق يتصبّب من جبينها، وصار قلبها ينبض بشكل سريع، ومن خلال معرفتنا المسبقة بتلك الأعراض؛ أدركنا أنها دخلت في غيبوبة انخفاض السكر"..

وتتابع "سحر": "رغم أننا والأطباء نوصي والداتنا دوماً بتقليل السكر في طعامها؛ إلا أنها قلما تُعير نصائحنا اهتماماً، إذ كثيراً ما تتناول الحلويات الدسمة والشوكولاتة، كما أنها كثيراً ما تنسى تناول أقراص العلاج".

وتؤكد "سحر" التي تبدو على محيّاها علامات الحزن: "..نشعر بضيق شديد، وأحياناً نشعر بالخجل من اضطرارنا حرمان أمنا من الكثير من الأطعمة التي تشتهيها، ففي بعض الأحيان نلجأ لمنعها من إكمال تناول بعض الأطعمة والاكتفاء بالقدر اليسير منها؛ خوفاً على صحتها".

وتواصل: "..كأبناء؛ فلا يسعنا إلا أن نتمنى لأمنا أن تتمتع بالصحة والعافية إلى آخر يوم من أيام حياتها، لكننا نعرف أن ذلك صعب للغاية مع مرض كالسكري..!".

من جانبها تقول والدة "سحر": "أن يجبر الإنسان على نظام غذائي وعلاجي يومي، وأن تُقيد حركاته وانفعالاته وحتى وزنه؛ كلها أمور مرهقة وتبعث على الملل؛ خاصةً لنا نحن النساء، فالنساء بطبعهنّ يحببن الحياة والنشاط والعمل والتنقل هنا وهناك، ورعاية فلذات أكبادهنّ، والتجول بحرية في البيت وخارجه"، مشيرة إلى أن أبناءها يخشون عليها الخروج وحدها وذلك منذ أول لحظة أصيبت فيها بغيبوبة السكر، وهو ما يضطرها إلى اصطحاب أحد أبنائها أو أحفادها معها في معظم مشاويرها".

وتنصح "أم سحر" كافة النساء بـ "ضرورة السيطرة على الضغوط العصبية، وإيجاد الحلول المناسبة لأية مشكلة بشكل هادئ، وممارسة الرياضة؛ فالوقاية خيرٌ من العلاج".

غيبوبتان.. والمرض واحد..!
يُذكر أن ارتفاع أو انخفاض مستوى السكر في الدم ينتج عنه ما يسمى بـ "غيبوبة السكري"، وهي نوعان: الأول: غيبوبة ارتفاع السكر (Hyperglycaemic Coma) وهي حالة يفقد معها الإنسان وعيه نتيجة ارتفاع السكر. وأسباب هذه الغيبوبة: إهمال علاج السكر؛ خاصة النوع الأول منه. وينصح الأطباء مريض السكر بتناول علاج السكر بشكل منتظم، والالتزام بالحمية في الوجبات الغذائية اليومية، وذلك منعاً لتكرار حدوث مثل هذه الغيبوبة مستقبلاً.

أما النوع الثاني فهو: غيبوبة انخفاض السكر (Hypoglycaemic Coma) وغالبا ما تحدث نتيجة الاستعمال السيئ للأدوية المخفّضة للسكر، مع إهمال بعض الوجبات، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى السكر في الدم عن 60 مجم لكل 100 ملليتر، مؤدياً إلى الغيبوبة؛ ذلك أن المخ مهيأ للعمل عند مستويات محددة من السكر. وينصح الأطباء ،حين حدوث مثل هذه الغيبوبة، بتناول أية مادة سكرية؛ مثل: قوالب السكر، مع الاستعمال السليم لحقن الأنسولين، وأقراص علاج مرض السكر، وعدم إهمال الوجبات اليومية المنظمة؛ حتى لا تتكرر مثل هذه الغيبوبة، والتي تُعتبر أخطر من سابقتها؛ لأنها قد تؤثر على خلايا المخ (إذا استمرت لأكثر من 24 ساعة) والتي تعتمد على الجلوكوز كمصدر رئيسي للطاقة.

ماهية مرض السكري..!
د. "سلامة التتر" (أخصائي أمراض السكر والباطنة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة) يعرّف مرض السكري بأنه "مجموعة من الأمراض تصيب وتؤثر على طريقة استخدام الجسم لسكر الدم (الجلوكوز) ويعتبر الجلوكوز عنصراً حيوياً للجسم، حيث أنه يمد الجسم بالطاقة اللازمة، ويدخل خلايا الجسم بشكل طبيعي عن طريق عامل الأنسولين، وهو عبارة عن هرمون يفرز عن طريق البنكرياس، ويعمل الأنسولين على فتح الأبواب التي تسمح بمرور الجلوكوز إلى خلايا الجسم حيث يتم إحراقها وتحويلها إلى طاقة".

ويتابع: "..في حالة مرض السكر؛ يحدث خلل في هذه العملية، حيث يتجمع الجلوكوز في المجرى الدموي في الجسم ليخرج في النهاية مع البول.." مشيراً إلى أن: "..هذه العملية تحدث عادةً لأن جسم المريض لا يفرز كمية كافية من الأنسولين، أو لأن خلايا الجسم لا تستجيب للأنسولين بشكل سليم".

وينوه د. "التتر" إلى أن "..هناك نوعان أساسيان من مرض السكر: الأول: يحدث في حالة عدم إفراز البنكرياس للأنسولين؛ أو إفراز كمية قليلة غير كافية، وهذا النوع يحدث في حوالي 5-10% من الحالات المرضية، ويعتمد علاج هذا النوع على الأنسولين. أما النوع الثاني ،وهو الأكثر انتشاراً، فيصيب حوالي 90-95% من مرضى السكري ممن هم في سن العشرين إلى الثلاثين تقريباً، ويعتمد في علاجه غالباً على الحبوب الفموية".

ويشير د. "التتر" إلى أن "..هناك أنواع أخرى من السكر، مثل: سكر الدم الثانوي، وسكر الدم أثناء الحمل".

وينوه إلى أن "سكر الحمل يظهر عند بعض الحوامل في المرحلة الثانية أو الثالثة من الحمل (الحمل الصحيح) ويصيب السيدات بنسبة 2-5%، ويحدث عندما يتعارض الهرمون الذي يتم إفرازه عن طريق المشيمة مع تأثير الأنسولين في الجسم.." مشيراً إلى أن "..سكر الحمل يختفي بمجرد ولادة الطفل، لكن بعض السيدات اللاتي يتعرضن لسكر الحمل يُصبن بمرض السكر من النوع الثاني بعد ذلك، وفي حالات نادرة تُصاب السيدة بالنوع الأول من مرض السكر أثناء الحمل، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر بعد الولادة وذلك يتطلب العلاج عن طريق الأنسولين".

ويواصل د. "التتر": "..ما نلاحظه خلال عملنا هو أن نسبة مرضى السكر في قطاع غزة في ازدياد مطرد، كما أن نسبة النساء المترددات للعلاج أكبر من نسبة الرجال".

وينوه إلى أنه "في حال استمر الحصار الإسرائيلي المشدّد على قطاع غزة؛ فإن هناك قلقاً كبيراً من نفاد بعض أنواع الأنسولين، وهو ما يحمل خطورة مضاعفة على صحة مرضى السكر؛ خاصةً الأطفال منهم..".

موضحاً أن "..هرمون الأنسولين حساس جداً، وقد يتلف أو يصبح أقل كفاءة في حال بقي لمدة طويلة تحتجزه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المعابر".

أسبابه ومضاعفاته
د."ديانا شيخة" (أخصائية أمراض الباطنة والسكر)، قالت أن العوامل المسببة لهذا الداء تتنوع بين الوراثة والبيئة المحيطة والتغذية وأمراض البنكرياس، إضافة إلى التغذية فزيادة الوزن عن الحد الطبيعي تقلل من فاعلية الأنسولين، مما يؤدي إلى فشل في عمل خلايا بيتا، مما يؤدي إلى الإصابة بالسكري، وكذلك فإن سوء التغذية لا يقل تأثيرا و سوءا؛ فقد لوحظ أن الحرمان الطويل من البروتينات في الأطفال يؤدي إلى تلف خلايا بيتا، ما يؤدي إلى ظهور ما يسمى (سكري جامايكا)، ناهيك عن الإجهاد الحاد والمستمر، فمختلف أنواع الإجهاد التي من أهمها الجلطة القلبية والجراحة والحروق والانفعالات النفسية الحادة ...تؤدي إلى نقص تحمل السكريات في الجسم وارتفاع معدل السكر في الدم، وبزوال حالات الإجهاد هذه يعود السكر إلى مستواه الطبيعي، غير أنه في الأشخاص الذين يحملون الاستعداد الوراثي للسكري غير المعتمد على الأنسولين قد تتطور حالة (ضعف تحمل السكريات) إلى مرض السكري.

وهناك أسباب أخرى للإصابة، منها ، استعمال بعض الأدوية مثل الكورتيزون والتيازايد والايبانوتين ومشتقاتها إذا استخدمت بشكل مفرط وعلى مدى طويل، و أمراض البنكرياس مثل التهاب البنكرياس المزمن وأورام البنكرياس واستئصال البنكرياس كليا أو جزئيا، والسكري الناجم عن مثل هذه الحالات يختلف عن أنواع السكري الأخرى؛ إذ لا يرافق انخفاض معدل الأنسولين في الدم ارتفاع في معدل الجلوكاجون ، حيث أن الجلوكاجون هو الهرمون الرئيس المضاد لعمل الأنسولين والذي يفرز أيضاً من خلايا خاصة تسمى خلايا ألفا في جزر لانجرهانز في البنكرياس.

أما من أهم مضاعفاته فهي: انخفاض مستوى السكر في الدم، حموضة الدم، زيادة كثافة الدم، تصلب الشرايين، التهاب الأعصاب، اضطرابات في عمل وظيفة العين، أمراض الكلى، تقرحات القدمين "الغرغرينة".

علاج..غذاء..رياضة..!
السكر مرض يحتاج إلى عناية خاصة، ويجب التعايش معه لتقليل أخطاره ومضاعفاته، ومن أهم الإجراءات المتبعة لتعامل سليم مع مرض السكر؛ توعية المريض بحقيقة مرض السكر، إتباع حمية غذائية صحية، ممارسة الرياضة بشكل مستمر، محاولة الوصول إلى الوزن المثالي تدريجياً (الذي يحسب بطريقة تقريبية كالتالي: طول القامة بالسنتيمتر يطرح منها 103 كجم للرجال أو 105 كجم للنساء) والطبيب هو الذي يحدد الوزن المثالي للمريض بحسب: العمر، الجنس، الطول، الوزن، طبيعة العمل، نوع مرض السكر. إلى جانب أن المشي يومياً نصف ساعة مرتين أو استعمال الدراجة الثابتة في المنزل أو القيام بحركات جسمانية لمدة ربع ساعة مرتين يومياً من غير إجهاد؛ فإن ذلك كله يساعد في خفض نسبة السكر في الدم. كما يفضل أخذ كأس كبيرة من الماء قبل الطعام أو شرب لتر ونصف اللتر من الماء يومياً، ويجب أن يكون الأكل في أوقات محددة وحسب نظام الوجبات اليومية دون اضطراب، والإكثار من الأطعمة التي تحتوي على الألياف، كالخضراوات، وتناول العلاج بانتظام.

ولعل العديد من الشركات المختصة تحاول جاهدة لتصنيع الأدوية التي يمكن من خلالها مساعدة مرضى السكري على الحياة بشكل طبيعي وصحي بعيداً عن المضاعفات المقلقة، حتى أن بعضها بدأ يتجه لتصنيع أدوية تعتمد في تركيباتها على الأعشاب والنباتات الطبيعية.