وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بعد مرور 7 سنوات على إبعادهم: فروانة يناشد عودة المبعدين لديارهم

نشر بتاريخ: 09/05/2009 ( آخر تحديث: 09/05/2009 الساعة: 13:43 )
بيت لحم - معا - أعرب الأسير السابق، الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، اليوم السبت، عن بالغ قلقه من إستمرار معاناة مبعدي كنيسة المهد وعدم ضمان عودتهم لذويهم رغم مرور سبع سنوات على إبعادهم، وخشيته على مستقبلهم في ظل غياب أي أفق سياسي أو أية بوادر أو مؤشرات ايجابية يمكن أن تؤدي إلى عودتهم لديارهم وذويهم في مدينة بيت لحم، بالرغم من الجهود المضنية التي بذلتها وتبذلها السلطة الوطنية الفلسطينية وبعض مؤسسات حقوق الإنسان بهذا الصدد.

وأضاف فروانة في تقرير وزعه في الذكرى السابعة لإبعاد ( 39 ) مناضلاً احتموا في كنيسة المهد، والتي تصادف يوم غدٍ العاشر من مايو / آيار، بأن إصرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي على استمرار إبعادهم إلى قطاع غزة وأوروبا، وعدم السماح لهم بالعودة إلى مكان سكناهم بعد سبع سنوات من النفي القسري، إنما يشكل جريمة ضد الإنسانية وعقاباً فردياً وجماعياً لهم ولذويهم، ويعكس استهتارها بحقوق المدنيين الفلسطينيين.

واعتبر فروانة في تقريره إلى أن قضية الإبعاد والنفي القسري هي جرائم حرب لا تتعلق بقوات الاحتلال فقط، أو بممارسات استثنائية ونادرة كل بضعة سنوات، وإنما هي سياسة ممنهجة متبعة منذ بدايات الاحتلال، وتحظى بمصادقة ومباركة أعلى الجهات الإسرائيلية، ما يعني بأن النظام العنصري الإسرائيلي ككل بمركباته المختلفة التنفيذية والتشريعية والقضائية يتحمل مسؤولية ذلك وشريك في جرائم الحرب والانتهاكات التي تقترفها قوات الاحتلال كأداة تنفيذ بعد حصولها على الضوء الأخضر لتنفيذ تلك الجرائم.

الإبعاد الفردي والجماعي سياسة بدأت مع بدايات الاحتلال ولم تتوقف ...!
وقال فروانة إن سياسة إبعاد المواطنين والمواطنات والتهجير والترحيل الجماعي والفردي وإبعاد الأسرى والأسيرات ونفيهم قسراً إلى أماكن بعيدة عن مكان سكناهم تحت ذرائع وحجج مختلفة، هي سياسة قديمة اتبعتها ولا زالت سلطات الاحتلال منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية ضد الشعب الفلسطيني وأبعدت بموجبها الآلاف من النشطاء من كافة التنظيمات الفلسطينية خارج الوطن، كوسيلة من وسائل العقاب للنشطاء وأقربائهم وذويهم وحتى ذوي الاستشهاديين بعد موتهم، وهي تعتبر من أقسى العقوبات غير المشروعة وغير القانونية، ولم تقتصر على حقبة معينة ، لكنها سارت بشكل متعرج، وتصاعدت خلال انتفاضة 1987 بشكل فردي وجماعي، ولكنها تراجعت بشكل كبير بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في مايو / آيار 1994، لكنها سرعان ما عادت وارتفعت بشكل ملحوظ بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول/ سبتمبر 2000 ، لا سيما سياسة الإبعاد من الضفة إلى غزة والتي تصاعدت بشكل مضطرد .

الاحتلال يُبعد ( 39 ) مواطناً احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم
وأوضح فروانة في تقريره أن سلطات الاحتلال أبعدت قبل سبع سنوات وبالتحديد في العاشر من مايو / آيار 2002 ، 39 مواطناً فلسطينياً احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم، وفقاً لاتفاقية فلسطينية – إسرائيلية، من أجل إنهاء حصار قوات الاحتلال للكنيسة والذي استمر لمدة ( 40 يوماً ) ، دون الإعلان أو الكشف عن بنود وتفاصيل تلك الاتفاقية، وأن 13 مواطنا منهم تم إبعادهم إلى خارج البلاد عن طريق مطار 'بن غوريون' وتم نقلهم إلى قبرص في طائرة عسكرية بريطانية ومن ثم وزعوا على عدة دول أوروبية، و( 26 ) مواطناً منهم نقلوا بحافلات إلى قطاع غزة، اشبعوا ضرباً وركلاً من قبل جنود الاحتلال خلال رحلة العذاب من بيت لحم إلى معبر ايرز شمال القطاع، كما ولم تتح سلطات الاحتلال آنذاك لأي من المبعدين الفرصة بالاتصال أو الالتقاء بذويه، كما أن فترة الإبعاد لم تكن محددة، مما أتاح لحكومة الاحتلال المماطلة والتلاعب والابتزاز، ومكنها أيضاً من حرمانهم من العودة لغاية اليوم رغم مرور سبع سنوات على إبعادهم .

وقال فروانة : "شكَّل إبعاد محاصري كنيسة المهد سابقة خطيرة، وبداية لمرحلة جديدة، مؤلمة وقاسية، شهدت لاحقا إبعاد عشرات الأسرى الفلسطينيين ممن يسكنون الضفة الغربية إلى قطاع غزة ، كعقاب فردي وجماعي ، وأحياناً بحجة عدم حيازتهم على تصريح إقامة دائمة في الضفة أو هوية الضفة كحالة الأسيرة شيرين الشيخ خليل التي تم إبعادها في الثاني عشر من ابريل / نيسان الماضي بعد قضاء مدة محكوميتها البالغة ست سنوات في سجون الاحتلال".

إبعاد أقارب منفذي الهجمات ضد الاحتلال ..!
وأضاف فروانة بأن سلطات الاحتلال وكعقاب جماعي أعلنت في تموز/ يوليو 2002، اعتزامها إبعاد أقارب الأشخاص الذين يعرف أو يشتبه في أنهم قاموا بتنظيم هجمات ضد إسرائيليين أو اشتركوا في تنفيذها واتخذت قراراً في ذلك ترجمته لاحقاً .

وفي 1 آب/ أغسطس من العام نفسه وقَّع قائد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية تعديلاً للأمر العسكري رقم 378 ( للعام 1970 والمتعلق بالأنظمة الأمنية ) يجيز إبعاد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة ، وبذلك أصبح قطاع غزة منفى لسكان الضفة أو سجناً كبيراً وجديداً لهم، وفي أواخر الشهر ذاته وبعد أقل من شهر على هذا التعديل أبعدت قوات الاحتلال المواطن أديب ثوابتة من بيت فجار ، قضاء الخليل ، إلى قطاع غزة ، بعد انقضاء فترة سجنه الإداري في معتقل النقب الصحراوي.

وفي كانون أول/ ديسمبر من نفس العام أبعد المواطن كفاح وشقيقته انتصار العجوري من مكان إقامتهما في مخيم عسكر للاجئين بنابلس إلى قطاع غزة أيضاً، عقاباً لهما على ما قام به شقيقهما الشهيد علي عجوري الذي اغتالته قوات الاحتلال بتاريخ 5-8-2002، فيما توفيت والدتهما أثناء وجودهما في غزة وقد بُذلت جهود مضنية من أجل السماح لهما بالسفر إلى نابلس وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة والعودة الى غزة ، إلا ان سلطات الاحتلال رفضت ذلك ، وكان الفلسطينيان انتصار وكفاح رهن الاعتقال منذ 4 يونيو/ حزيران و 18 يوليو/ حزيران على التوالي، دون توجيه أي تهم إليهما، كما لم تُتخذ أي إجراءات قضائية لتقديمهما إلى المحاكمة ، وبعد عامين وهي مدة الإبعاد التي حددتها المحكمة العليا الإسرائيلية آنذاك سُمح لهما بالعودة إلى نابلس .

وبيّن فروانة بأن حالات الإبعاد قد توالت فيما بعد ذلك بشكل فردي وجماعي من الضفة الغربية إلى قطاع غزة وبشكل ملحوظ، وفي حالات كثيرة تم إبعادهم بعد انتهاء فترة اعتقالهم الإداري أو انقضاء فترة محكومياتهم، وبعضهم عاد إلى أهله ومكان إقامته بعد انقضاء فترة إبعاده، فيما لا يزال العشرات من المبعدين في قطاع غزة وخارج فلسطين بانتظار السماح لهم بالعودة إلى أماكن سكنهم الأصلية وبيوتهم وأسرهم، بينهم مبعدو كنيسة المهد الذين لم يَعُد أي منهم إلى بيت لحم لغاية اليوم.

التفسير الدولي للإبعاد القسري
وأشار فروانة بأن الإبعاد القسري ووفقاً للتفسير الدولي يعني نقل الشخص رغما عنه داخل أو عبر الحدود الوطنية، ويشكل بذلك ممارسة قسرية غير قانونية للأشخاص المحميين، ويمثل انتهاكاً خطيراً وخرقا فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة، لاسيما المادة 147 منها التي تعتبر الإبعاد جريمة حرب ( يحظر النقل الجبري أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى محتلة أو غير محتلة أياً كانت دواعيه).

وكذلك المادة 49 من ذات الاتفاقية التي تنص على أن (عمليات الإبعاد الفردية أو الجماعية، بالإضافة إلى عمليات تسفير الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي الدولة التي تحتلها أو إلى أراضي أي بلد آخر، سواء محتلاً أم لا، تعتبر محظورة بصرف النظر عن دوافعها ).

أما قانون روما الأساسي ' للمحكمة الجنائية الدولية ' فاعتبر الإبعاد أيضاً جريمة حرب، وعرف الإبعاد القسري بأنه تهجير قسري للأشخاص المعنيين عن طريق الطرد، أو غيره من أفعال الإكراه، واعتبر إبعاد جزء من سكان الأراضي المحتلة أو جميعهم، سواء داخل أراضيهم أو خارجها، على أيدي قوة الاحتلال، بأنه جريمة حرب.

كما أن المادة السابعة (د) من قانون روما أيضاً نصت على أن ( الإبعاد القسري للسكان يشكل كذلك جريمة ضد الإنسانية في حالة تنفيذه على نطاق واسع أو بطريقة منظمة كجزء من سياسة حكومية)، وبالإضافة إلى ذلك كانت المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واضحة في نصها (لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً).

وفيما يتعلق بحالة مبعدي كنيسة المهد كونها جاءت في إطار اتفاقية قال الباحث فروانة :" أن الإبعاد وفقاً للقانون الدولي لايُمنح الشرعية على الإطلاق ولا بأي حال من الأحوال ، حتى وإن نفذ بالاتفاق بين طرفين على إبعاد أحدهما، ولفترة محدودة الزمن ، فالإبعاد أي كانت طريقته وشكله، هو إجراء غير شرعي وغير قانوني، وإن الموافقة على ما يخالف اتفاقية جنيف أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي الإنساني وفقاً للمادة الثامنة لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئيا أو كليا عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية".

وأوضح فروانة ان الجزء الأكبر من مبعدي كنيسة المهد محاصرين بقطاع غزة وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية في غاية السوء وهم جزء من النسيج الاجتماعي الفلسطيني ومن الواقع المرير الذي يحياه سكان القطاع ، وأسوء مراحلهم كانت خلال الحرب على غزة حيث القلق المتبادل والخوف من المجهول وعدم الاستقرار في انتظار ما هو قادم ، ولا يستطيعون التنقل والحركة ، كما لم يسمح لهم بزيارة ذويهم و الإلتقاء بهم ، رغم قُصر المسافة ما بين غزة وبيت لحم ، مشيراً إلى ان مجموعة منهم قد فقدوا آبائهم أو أمهاتهم أمثال موسى شعيبات ، حاتم حمود ، علي علقم ، عيسى أبو عاهور ، سليمان نواورة ، جمال أبو جلغيف ، وأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد منعت هؤلاء من زيارة أهلهم في بيت لحم ، من أجل إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثامين آبائهم أو أمهاتهم قبل ان يوارى الثرى في مدينة بيت لحم ، وتقبيلهم قبلة الوداع الأخير ، فيما المبعد ياسين الهريمي قد فقد ابنه وزوجته في غزة.

وبعد لقائه بعدد من المبعدين بغزة قال فروانة : بأن ما يقلقهم هو غياب ملفهم من على أجندة الفصائل ويخشون ان يصبح في طي النسيان وتبقى قضيتهم معلقة دون علاج ، مما سيفاقم من معاناتهم ومعاناة ذويهم و يزيد من توترهم ويترك آثاراً نفسية صعبة عليهم .

وأشار فروانة إلى أن ظروف مبعدي كنيسة المهد في الشتات ليست أحسن حالاً ، بل هي الأخرى سيئة جداً وغير مستقرة ، وهم مشتتين في سبع دول من الإتحاد الأوروبي ، حيث يعيش ثلاثة منهم هم : إبراهيم سالم عبيات (48 عاماً) ومحمد سعيد سالم (30 عاماً) وخالد أبو نجمة (42 عاماً) في ايطاليا ، وفي مارس / آذار الماضي طلبت أجهزة الأمن الإيطالية من ثلاثتهم إخلاء منازلهم في إيطاليا ومغادرة البلاد ، فيما جهاد جعارة ( 38 عاماً ) ورامي الكامل ( 29 عاماً ) يعيشان في ايرلندا ، وفي البرتغال فيوجد مبعد وحيد هو عنان خميس ويعاني من وحدة، أما في اسبانيا فان المبعدين إليها كانا ابراهيم عبيات وعزيز عبيات وأحمد حمامرة وثلاثتهم يواجهون عزلة تامة في المكان الذي يعيشون فيه، اذ يبعد ما لا يقل عن 400 كيلومتر عن العاصمة مدريد ، كما ويوجد في قبرص المبعد عبد الله داوود ، وفي بلجيكا خليل عبد الله ، وفي اليونان كل من محمد مهنا وممدوح الوردان.

وطالب فروانة الإتحاد الأوروبي والدول الأوروبية التي استقبلت هؤلاء المبعدين و المنفيين عن وطنهم ومكان إقامتهم بتوفير الحماية لهم حفاظاً على حياتهم وسلامتهم في كل الأحوال ، والعمل من أجل إنهاء معاناتهم وضمان عودتهم .

وجدير بالذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت قد حاصرت كنيسة المهد في بيت لحم لمدة 40 يوماً واعتدت على الكنيسة بالرصاص والقذائف وفرضت حظر تام على إدخال الأدوية والغذاء إلى أكثر من 200 مواطن فلسطيني لجأوا إليها واحتموا بداخلها وحوصروا في الكنيسة خلال اجتياح الاحتلال لمحافظة بيت لحم ، وقد استشهد ثمانية مواطنين داخل الكنيسة وأصيب 25 آخرين واعتقل عدد آخر من المحاصرين فيما تم إبعاد 26 إلى قطاع غزة و13 إلى الدول الأوروبية وذلك بتاريخ 10-5-2002 ولا زالت قضيتهم دون علاج لغاية اليوم .

وناشد فروانة السلطة الوطنية الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية والإنسانية والمؤسسات الإعلامية إلى بذل مزيد من الاهتمام بقضية مبعدي كنيسة المهد وتسليط الضوء على قضيتهم ومعاناتهم وإبرازها، لضمان الالتفاف حولها واثارتها على طريق عودتهم لذويهم وأحبتهم ومكان سكناهم في بيت لحم .