|
قبل دخوله في غيبوبته.. شارون اتهم ناقداً فلسطينياً بتهديد أمن إسرائيل
نشر بتاريخ: 14/01/2006 ( آخر تحديث: 14/01/2006 الساعة: 22:08 )
الناصرة- ابتهاج زبيدات - الشرق الاوسط - قبيل نهاية السنة الماضية بأيام تسلم الناقد الفلسطيني أنطوان شلحت رسالة موقعة من رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون تمنعه من السفر بحجة انه يهدد أمن إسرائيل. إجراء أعاد إلى ذاكرة الكثيرين ومنهم شلحت نفسه ممارسات إسرائيل ضد أهل القلم منذ ولدت إلى اليوم
أنطوان شلحت، كاتب عربي من فلسطينيي 48، ولد قبل خمسين سنة داخل أسوار مدينة عكا. هذه المدينة التي منذ رضوخها لإسرائيل، وهي تتعرض لعملية تطهير عرقي، لكي تكون يهودية خالصة في هذا الامتداد العربي الطبيعي، الذي يبدأ باللاذقية ليتحدر جنوبا وصولاً إلى العريش وحتى الإسكندرية. أنطوان شلحت لا يتعاطى إلا الكتابة، إبداعه في النقد الأدبي بالأساس، لكنه يكتب أيضا في الثقافة والفن والدراسات السياسية والمقالة والترجمات الأدبية، وهو من أولئك الذين يؤمنون بالسلام ويعملون في سبيله من خلال نشاطات عديدة، يتعاون مع كتاب يهود وعرب، ويدير مشروعا للدراسات الاسرائيلية في رام الله، يطلع القارئ العربي من خلالها على الأدب العبري الإنساني منه والعنصري. وهو يحظى بفضل نشاطه الغزير المعمق بالتقدير من قرائه. فأي جزاء يمكن أن يلقاه أنطوان شلحت في اسرائيل؟ قبل أيام من نهاية العام الماضي، أرسل شارون (وكان ما يزال يزاول نشاطه رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية) رسالة شخصية لأنطوان شلحت جاء فيها: «ضمن صلاحياتي واعتمادا على البند 6 من قانون الطوارئ من سنة 1948 وبعد ان تم اقناعي بأن هناك خطراً جدياً، بأن سفرك للخارج من شأنه المس بأمن الدولة. امنعك من السفر خارج البلاد بشكل مؤقت حتى الواحد والثلاثين من شهر ديسمبر(كانون الأول) 2005. وحتى ذلك التاريخ سيجري فحص امكانية تمديده لمدة 12 شهرا آخر». ثم بعثت وزارة شارون برسالة أخرى الى شلحت تبلغه فيها بتمديد أمر منع المغادرة أسبوعين آخرين، ولكن هذه المرة ترك توقيع الرسالة لموظف مسؤول في الوزارة. هذا لا يعني ان الأمر غير قابل للتجديد مرة أخرى، وربما عدة مرات. قرار المنع صدر من دون تفسير للأسباب الحقيقية التي تقف وراءه. الحجة كانت أن هناك من أقنع شارون بأن الرجل يهدد أمن اسرائيل بالخطر. هذه الحجة التي تبدو للناس الديمقراطيين غريبة، تعتبر في اسرائيل تقليدا قديما معروفا، زال بزوال الحكم العسكري الذي كان مفروضا على المواطنين العرب حتى سنة 1966، لكن شارون قرر ان يعود القهقرى الى تلك الأيام. ففي حينه كان «الأخ الأكبر» ـ كما تسمى عادة الحكومة في النظم الديكتاتورية ـ واقفاً بالمرصاد لكل صغيرة وكبيرة، لكن أكثر ما كان يخيفه تلك الفئة المثقفة من الشعراء والكتاب الذين لم تتوقف أقلامهم عن الكتابة. فرغم الحصار العسكري ومحاولات كم الأفواه، نجحوا في ايصال كلماتهم وحظوا باحترام وتقدير كبيرين من ابناء شعبهم الذين رددوا قصائدهم وحفظوها عن ظهر قلب. في أواخر الخمسينات، دفع عدد من اولئك الكتاب السجن والتعذيب، ثمناً لحرية الكلمة. الشاعر توفيق زيّاد تعرض للصلب في سجن طبريا نتيجة لقصائده ومواقفه السياسية. فقيدوا يديه ورجليه على باب الزنزانة لعدة أيام، وهم يشبعونه ضربا وتعذيبا. كذلك الشعراء سميح القاسم وراشد حسين ومحمود درويش وسالم جبران وغيرهم، تعرضوا للسجن وتقييد حرية التنقل والتحقيقات بسبب كتاباتهم. كل هؤلاء وغيرهم كثر، كانت لهم مساهماتهم مع ابناء شعبهم في النضال، الذي يتخذ اليوم اسلوباً آخر بسبب تغير الظروف. الكاتب شلحت لا يجد تفسيراً لما يتعرض له، خاصة ان خطه السياسي واضح، ويرى ان القضية ليست شخصية: «انما الأمر اخطر من ذلك بكثير. فهذا يعيدنا الى اجواء، اعتقدنا لسذاجتنا بأنها لن تعود. انها اجواء الحكم العسكري التي كان فيها رجل الأمن يتعامل على أنه يعرف عنك اكثر مما تعرف عن نفسك. والآن يأتي ليحرمك من أبسط الحقوق الانسانية، حرية التنقل». شلحت يعتبر القرار جزءاً من ملاحقة سياسية. وان هناك جوا عاما ضد الصحافيين العرب الذين تربطهم علاقات مع شخصيات وزملاء من الخارج. فالهدف التضييق ومنع تواصلنا مع امتدادنا الثقافي. فلو كانوا يصدقون حكاية الخطر الأمني لما اكتفوا بمنعي من السفر، ولقاموا على الفور باستدعائي للتحقيق وربما حتى اعتقالي». شلحت كان قد تعرض في السابق مع زملاء آخرين لمطاردات أمنية في السبعينات، في اطار نضال الطلاب العرب في الجامعات. فقد استدعي للتحقيق الذي لم يخل من انذارات وحتى التهديد، لكن لم يصل الأمر الى منعه من مغادرة البلاد حينها، كما يقول. لذلك لا يستبعد ان يكون ما يحصل الآن، محاولة ترويع في ظل اجواء التحريض السياسي للجماهير العربية في اسرائيل التي تتصاعد يوميا. ابتداءً من تحريض اعضاء الكنيست العرب وحتى المهرجان الأخير للتضامن مع سورية. حتى كتابة هذه السطور، أمر المنع ما زال ساري المفعول. قوى عديدة ترى فيه أمرا خطيرا لا يتلاءم وأجواء القرن الـ 21. واسرائيليون يهود كثيرون يخشون من أن تصل اليهم هذه الرياح العاتية، ويتساءلون: هل نحن حقاً امام معركة لمحاربة الكلمة وتصفيتها؟ |