وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

نص كلمة رئيس الوزراء في جامعة القدس

نشر بتاريخ: 22/06/2009 ( آخر تحديث: 22/06/2009 الساعة: 20:36 )
فياض يدعو الشعب الفلسطيني للالتفاف حول برنامج بناء مؤسسات الدولة.

فياض: القدس الشرقية لن تكون إلا عاصمة أبدية لدولتنا المستقلة.

فياض: انهاء الاحتلال وبناء الدولة يتطلب انهاء الانقسام والالتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني.

فياض يدعو إلى تحكيم العقل، والاقلاع عن الجدل العبثي المجرد، والتشمير عن السواعد لترسيخ بناء مؤسسات الدولة.

فياض: رغم التباين في الاجتهادات الداخلية، هناك فرصة لانجاز برنامج الدولة كعنوان مركزي للتحرك الفلسطيني.

فياض: تمتين وضعنا الداخلي ركيزة أساسية لانهاء الاحتلال واقامة الدولة.

فياض: آن الآوان لحسم الجدل والغموض بشأن دور السلطة، وهي رافعة بناء مؤسسات الدولة.

فياض: برنامج بناء وترسيخ مقومات الدولة يستحق أن يعطى الفرصة والالتفاف الوطني الشامل حوله.

فياض: الانتخابات العامة في موعدها الدستوري في كانون الثاني من العام القادم، استحقاق دستوري وحق طبيعي للمواطنين لا يجوز تجاوزه.

فياض: النجاح في توفير الأمن وبسط سيادة القانون، ولَّد الاصطفاف الدولي لإلزام اسرائيل بتفيذ الاستحقاقات المطلوبة منها.

فياض: التفاف شعبنا حول خطة السلطة الوطنية لبسط سيادة القانون وتوفير الأمن والأمان، مكنها من تحقيق الاصطفاف الدولي حول ضرورة تنفيذ متطلبات صنع السلام، والاستحقاقات المطلوبة من اسرائيل.

فياض يحذر من السماح لأي قصور فلسطيني في تمكين اسرائيل من الالتفاف على الشرعية الدولية.

فياض: لا يعقل أن يسمح للتباينات الداخلية في تبديد التأييد الدولي لالزام اسرائيل بوقف الاستيطان.

فياض: مبادرة السلام الفلسطينية عام 1988، قدمت تنازلاً تاريخياً ومؤلماً، والمبادرة العربية فرصة لا تعوض لصنع السلام وانهاء الصراع.
فياض:الاحتلال الاسرائيلي يمثل جوهر الصراع.

فياض: لايوجد، ولن يكون هناك، شريك فلسطيني لتجميل الاحتلال، بل هناك شريك فلسطيني لانهائه.

فياض: الوقف الشامل للاستيطان والاجتياحات، ورفع الحصار مقدمة ضرورية لأي عملية سياسية متوازنة تمهد لانهاء الاحتلال وصنع السلام.
فياض: المطلوب صنع السلام وليس مجرد استمرار الحديث عنه.

فياض: خطاب نتنياهو محاولة للالتفاف على الاصطفاف الدولي الداعي لتنفيذ الاستحقاقات المطلوبة من اسرائيل.

فياض: على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته لانقاذ حل الدولتين على حدود عام 1967.

فياض: شعبنا سيستعيد ثقته بالعملية السياسية إذا التزمت اسرائيل بوقف الاستيطان والاجتياحات ورفع الحصار.

فياض: لا يمكن الحديث عن السلام وتجاهل الالتزام بمرجعياته المحددة في قرارات الشرعية الدولية بما فيها خطة خارطة الطريق.

فياض للاسرائيليين: ايدينا ممدوة لصنع السلام الحقيقي.


وفيما يلي النص الكامل للخطاب:


الأخـوات الأخـوة

اسمحوا لي في البداية أن أعبر لكم عن بالغ سروري وتقديري، لإتاحة الفرصة لي بأن أكون معكم اليوم في جامعة القدس.. هذا الصرح الأكاديمي الذي شيده شعبنا الفلسطيني وسواعد أبناء القدس، ليساهم في حماية المكانة التاريخية والفكرية والأكاديمية للمدينة المقدسة، حتى تظل مدينة القدس كما كانت دوماً منارة للعلم، وتعايش الحضارات، وتطور الثقافات والعلوم المختلفة. وكم أشعر بالفخر والثقة بالمستقبل ونحن في حضرة نخبة من أهل العلم والمعرفة والفكر، في جامعة القدس، التي تواصل الدفاع عن المكانة الأكاديمية والعلمية لزهرة المدائن، بل وعاصمة العواصم، وفي رحاب المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وما يجمعهما من تاريخ التعايش الديني الذي يجسد تسامح الشعب الفلسطيني، بمسلميه ومسيحييه، وتطلعه لاستعادة مكانته وانفتاحه على شعوب العالم وثقافاته، بل واسهامه الملموس في تطور البشرية وحضاراتها.

إن عبق التاريخ الممتد بين جدران وأزقة وشوارع القدس ومساجدها وكنائسها وعمرانها ومتاحفها ومكتباتها يجعلها، وبجدارة، عنواناً للصمود وحارسة الحق والتاريخ وهوية الروح والمكان، لتطوي صفحات الألم والمعاناة، ومحاولات الطمس والتشويه لوجهها المشرق بعروبته الفلسطينية، وقلبها النابض بالأمل والثقة نحو مستقبل واعد لشعبنا وحقه في الحرية والاستقلال والتطور والازدهار والمعرفة.

نلتقي اليوم، أيها الأخوات والأخوة، ومدينة القدس تعاني من سياسة العزل والحصار والجدار والاستيطان وهدم البيوت والتضييق على ابناء شعبنا فيها في عملية استيطانية تهدف إلى تغيير المدينة ومعالمها وواقعها الجغرافي والسكاني، ولعزلها عن محيطها الفلسطيني، وفرض حلول الأمر الواقع عليها.... وفي المقابل، فان صمود المدينة وأهلها في مواجهة هذه المخططات سيظل عنوان التوحد لشعبنا، مسنوداً بتاريخ ممتد عبر قرون طويلة، و كفاح شعب مصمم على انهاء الاحتلال عن ارضه، ونيل حريته واستقلاله وبناء مستقبله في دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967.


الأخـوات والأخـوة،

وأنا أقف أمامكم هنا في جامعة القدس، يحضرني مشهد لوحة كبيرة في ساحة الجندي المجهول في غزة. ولا أعلم ما إذا كانت تلك اللوحة لا تزال قائمة هناك ليومنا هذا. آمل ذلك، لأنها تحمل صورة جميلة للقدس ولرئيسنا الراحل أبو عمار وعليها قوله المأثور: "ليس فينا وليس منا من يفرط بك يا قدس". وإنني إذ أؤكد على هذا، لأقول: لن تكون القدس الشرقية إلا عاصمة أبدية لدولتنا المستقلة. هذه هي القدس: مدينة الصلاة ومهد الديانات السماوية، ورمز تعايش الحضارات والثقافات، ومنارة العلم والفكر والمعرفة. وستضل القدس كل هذا ابداً.

الأخـوات والأخـوة،

لقد حرصت أن يكون هذا اللقاء الذي يأتي بعد تشكيل الحكومة الجديدة في أكناف بيت المقدس لما تمثله من عنوانٍ لكفاح شعبنا ووحدته، واصراره على الخلاص من الاحتلال، ومن قلب مؤسسة اكاديمية حتى نخاطب العقل، ونتفحص معاً تحديات الواقع ونحدد آفاق المستقبل، ومهماتنا وتوجهات عملنا لانجاز مشروعنا الوطني. وفي هذا المجال، اسمحوا لي أن أضع أمامكم، ومن خلالكم أمام شعبنا، رؤية السلطة الوطنية لهذا الواقع والمهام المحددة الماثلة أمامنا.

على الصعيد الوطني والسياسي، من الواضح أن المشروع الاستيطاني الاسرائيلي قد استفاد من حالة الانقسام الفلسطيني على مدار العامين الماضيين، أولاً لتكريس فصل قطاع غزة من خلال الحصار والعدوان على القطاع، وثانياً من خلال الهجمة الاستيطانية في الضفة الغربية، وخاصة في مدينة القدس ومحيطها. هذا بالاضافة الى إمعان اسرائيل في ممارساتها الأمنية المتمثلة في الاجتياحات، والحواجز، والاعتقالات، والتي لا تؤدي، في حال استمرارها، إلا إلى تقويض الجهود التي تبذلها السلطة الوطنية في مجال فرض الأمن والنظام العام، وبسط سيادة القانون، إضافة إلى تقويض الجهود الدولية المبذولة لضمان تنفيذ حل الدولتين.

وفي المقابل، فقد عملت السلطة الوطنية، أيها الأخوة والأخوات، على مدار العامين الماضيين، وسخرت كل امكانياتها في سبيل إنهاء حالة الانقسام، وحماية المشروع الوطني من خلال إعادة بناء مؤسسات السلطة الوطنية، وتهيئة المناخ المطلوب للدخول في حوار وطني يضمن انهاء حالة الانقسام، واعادة الوحدة للوطن ومؤسساته، انسجاماً مع مبادرة الأخ الرئيس أبو مازن، والتي أعلن عنها في بداية حزيران من العام الماضي. وقد اعتبرت السلطة دوماً أن الأولوية الوطنية العليا لشعبنا تتمثل في استنهاض كامل طاقاته لإنهاء الاحتلال، وبناء مؤسسات دولة الاستقلال. وسخرت كل إمكاناتها لمواجهة التحديات التي ولّدها الانقسام ومخاطره على المشروع الوطني، ولحماية هذا المشروع من الانهيار، وذلك إدراكاً منا لمدى الترابط الوثيق بين مهمات العمل لإنهاء الاحتلال وانجاز التحرر الوطني، وما يستدعيه ذلك من ضرورة تعزيز القدرة على الصمود وحماية الأرض، مع مهمات البناء الداخلي لمؤسسات الدولة التي نسعى لإقامتها. فتمتين وضعنا الداخلي هو جزء أساسي وركيزة رئيسية في سعينا الدائم لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة.

لقد آن الأوان أن يحسم الجدل والغموض بشأن الموقف من السلطة ودورها ومكانتها، وبما أدى الى التعامل معها وكأنها طرف إلى جانب أطراف أخرى، الأمر الذي وفر الأرضية لازدواجية السلطة وما ترتب على ذلك من تدهور خطير على الصعيد الأمني هدد النظام السياسي الفلسطيني، ووحدة الوطن والمشروع الوطني برمته. فالسلطة، أيها الأخوة والأخوات، هي عنوان نضالي مرحلي، وتشكل ركيزة أساسية في النظام السياسي الفلسطيني كأداة تنفيذية على أرض الوطن لبناء ركائز ومؤسسات الدولة، بما يستدعيه ذلك من ضرورة الإقرار بوحدانيتها، باعتبارها بيتاً للجميع يوحد طاقاتهم لانجاز هذا الهدف.

لقد ارتكزت الحكومة في عملها على مدار العامين الماضين على مفهوم البناء بالرغم من الاحتلال لإنهائه، وإقامة الدولة من خلال بناء مؤسسات قوية وقادرة على تقديم الخدمات للمواطنين بطريقة فعالة وعادلة، وفي إطار من الرؤية الواضحة، التي تهدف إلى بناء وترسيخ مقومات كل ما من شأنه تسريع الخلاص من هذا الاحتلال. وكما قلت سابقاً، "لا يوجد، ولن يكون هناك، شريك فلسطيني لتجميل الاحتلال، بل هناك شريك فلسطيني لانهائه".

وهنا فإنني أتوجه إلى كل أبناء شعبنا بأنه يجب العمل على إنهاء حالة الانقسام، بدءاً بالاقلاع عن الجدل المجرد والمطلق، وتجاوز الذهنية القائمة على تقسيم شعبنا، وكأن هناك فريق مقاومة وفريق مساومة، أو أن هناك من هو وطني و من هو أقل وطنية، أو من هو حريص وغيور ومن هو أقل حرصاً وغيرة.

دعونا أيها الأخوة نحِّكم العقل. علينا أن نضع حداً لهذا الجدل العبثي. وهنا، فإنني أدعو كل أبناء شعبنا للتوحد والالتفاف حول برنامج إقامة الدولة، وبناء وترسيخ وتقوية مؤسساتها في إطار من الحكم الرشيد والإدارة الفعالة، لكي تصبح الدولة الفلسطينية بحلول نهاية العام القادم، وكحد أقصى خلال عامين، حقيقة قائمة وراسخة تكرس لدى شعبنا ثقته بالنفس، وبقدرته على تحقيق الانجاز، بعد عقود طويلة من الاحتلال، وما خلفته من الاحباط. وما من شك في أن تحقيق هذا الانجاز سيقود إلى الإقرار بأن الشعب الفلسطيني أصبح يمتلك دولة بكل مرتكزاتها، وأنها، وبكافة المقاييس، دولة ناجحة وعنصر استقرار للمنطقة، وقادرة على الانجاز في مجال الحكم والإدارة وفق أرقى المعايير الدولية.
إن تحقيق هذا الهدف خلال عامين أمر ممكن، ويستحق الالتفاف حوله، واعطاءه كل فرص النجاح. فهو سيضع العالم بأسره أمام الاستحقاق السياسي لانهاء الاحتلال، وما يتصل بذلك من تمكين شعبنا من العيش حراً في وطنه، ويمارس حقه في تقرير مصيره، وتجسيد دولته المستقلة الحرة الديمقراطية العصرية المستقرة، الملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان، والمساواة في الحقوق والواجبات في ظل سيادة القانون، ودون تمييز على أي أساس كان. نعم، أيها الأخوة والأخوات، نريد دولة تتميز بالثقافة العربية المنفتحة على ثقافات العالم، والقيم الإنسانية السامية والتسامح الديني،... دولة يفخر بها كل مواطنيها، ويشعرون بالانتماء لها... دولة جاذبة للكفاءات والطاقات والاستثمارات. هذه هي الدولة التي ننشدها، وليس كيانات أو كانتونات ممزقة.

هذه رؤيتنا لدولتنا الفلسطينية المنشودة، والتي أدعو كل أبناء شعبنا إلى الالتفاف حولها، والتشمير عن السواعد لتحقيقها، خاصة وأن هناك الكثير مما يبنى عليه من انجازات تحققت منذ نشأة السلطة الوطنية، والتي تمكنت على مدار العامين الماضيين من تحقيق تقدم ملموس في عملية إعادة بناء وتقوية المؤسسات لتكون قادرة على تقديم أفضل الخدمات للمواطنين الذين باتوا يلمسون هذا التقدم في مجالات مختلفة، وفي مقدمتها بسط سيادة القانون والأمن والأمان، وإعادة بناء النظام المالي للسلطة الوطنية بما يرتقي إلى أفضل النظم المالية، وتسديد كافة الاستحقاقات المترتبة على السلطة الوطنية، بما ساهم في تعزيز مكانتها والثقة بقدرتها على الوفاء بالتزاماتها. هذا بالإضافة إلى وضع أسس وهياكل الشراكة التي تمكن القطاع الخاص والمجتمع المدني من النهوض بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتنفيذ مئات المشاريع التنموية لدعم صمود المواطنين وخاصة في المناطق المهمشة، والريفية، والبدوية، والمهددة، والأكثر تضرراً من الجدار والاستيطان، والنهوض بواقع الخدمات الصحية، والاجتماعية، والتعليمية، وغيرها. ومازال أمامنا الكثير لاستكمال انجازه ومواصلة البناء عليه.

الأخـوات والأخـوة

لقد انطلقنا في تحقيق الانجازات من الالتزام الكامل بالمصالح العليا لشعبنا أولاً وأخيراً، وتمكنا من تحقيق الاصطفاف الدولي حول ضرورة تنفيذ متطلبات صنع السلام. فبالقدر الذي سبق واستخدمت فيه خارطة الطريق كأداة تعطيل لتنفيذ الاستحقاقات السياسية المختلفة على الجانب الاسرائيلي، وفي مقدمتها الوقف الشامل للأنشطة الاستيطانية والاجتياحات، إضافة إلى رفع الحصار على طريق انهاء الاحتلال، فإن ما أنجزته السلطة الوطنية في مجال بسط سيادة القانون وتوفير الأمن والأمان وتكريس دور المؤسسات وقدرتها على تقديم الخدمات للمواطنين ورعاية مصالحهم، قد ولَّد هذا الاصطفاف الدولي الذي وضعت فيه اسرائيل أمام استحقاق تنفيذ الالتزامات المطلوبة منها. والآن أما وقد نجحنا في تحقيق حالة الاصطفاف الدولي هذه، فإنني أدعو مجدداً إلى عدم السماح لأي قصور فلسطيني، وخاصة حالة الانقسام، من تمكين اسرائيل مرة أخرى من التنصل من هذه الاستحقاقات. صحيح أن هناك اجتهادات وأراء سياسية متباينة على الساحة الفلسطينية. ولكن، هل يعقل أن يسمح لهذه الخلافات أن تبدد ما تحقق من اصطفاف دولي ؟ إذ بالرغم من التباين في الاجتهادات السياسية، فإن الفرصة ماثلة أمامنا لأن يكون عنوان التحرك الوحيد فلسطينياً متمثلاً في إنجاز هذا البرنامج الذي يستحق أن يعطى الفرصة الكاملة، دون أي اجحاف أو انتقاص من مدى احترام التوجهات والآراء المختلفة، مع التأكيد على أهمية استمرار الحوار بشأن تباين الرؤى السياسية، بما ينسجم مع احترام التعددية السياسية والرأي والرأي الآخر، وبعيداً عن العنف وفرض الرأي بالقوة.

نعم أيها الأخوة والأخوات... لقد تمكنَّا وبفعل ما حققناه في مجال سيادة القانون وتوفيرالأمن والأمان من قلب الاصطفاف الدولي من سيف مسلط على رقابنا وعلى حقوق شعبنا الوطنية، إلى اصطفاف دولي لإلزام اسرائيل بتنفيذ الاستحقاقات المطلوبة منها. وما كان لذلك كله أن يتم لولا وعي شعبنا وادراكه والتفافه حول هذه الرؤية.

الأخـوات والأخـوة

إنني إذ أدعو للتمسك بهذه الرؤية والمزيد من الالتفاف حولها، فإنني أرى أن الحاجة لذلك قد أصبحت أكثر إلحاحاً في ضوء ما طغى على خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي من محاولة للالتفاف على الاصطفاف الدولي الداعي لتنفيذ الاستحقاقات المطلوبة من اسرائيل. إذ بتمسكه بالرواية الاسرائيلية القديمة لجوهر الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والتي فشلت على مدار السنوات الماضية في صنع السلام وتجنيب الشعبين ويلات الاحتلال والصراع، جاء الخطاب أكثر غموضاً وأقل إلتزاماً بكثير، فيما يتعلق بمفهوم حل الدولتين، عما سبق وأعلنته الحكومة الاسرائيلية في حزيران عام 2003، والتي كان رئيس الوزراء الحالي وزيراً فيها. إن هذا يعطي لشعبنا، ومن واقع التجربة المريرة للسنوات الست الماضية التي اعقبت ذلك الإعلان الأقل غموضاً، سبباً وجيهاً للتساؤل حول مدى امكانية أن يشكل الخطاب الحالي أساساً لتحرك سياسي قادر على تنفيذ مفهوم حل الدولتين. وعلى أي حال، فإن ما نطلبه، ونطالب العالم بالاصرار عليه هو ضرورة التمسك بتنفيذ اسرائيل للاستحقاقات المطلوبة لإنقاذ حل الدولتين، وبما يمهد الطريق لصنع السلام في المنطقة، وليس لمجرد الحديث عنه. وهذه الاستحقاقات المحددة والمعلومة دولياً تمثل جزءاً أساسياً من الشرعية الدولية، بما في ذلك ما حددته خطة خارطة الطريق، والتي تم تجاهل مجرد ذكرها في خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي. وللتأكيد، فإن هذه الاستحقاقات تتمثل في الوقف الشامل للأنشطة الاستيطانية. ورفع الحصار عن شعبنا وخاصة في قطاع غزة، ووقف الاجتياحات لمناطق السلطة الوطنية، كمقدمة لانطلاق عملية سياسية متوازنة تمهد لانهاء الاحتلال ولقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

الأخـوات والأخـوة

إن السلطة الوطنية، إذ تؤكد على هذا الموقف، فإنها تتوقع من المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته السياسية والقانونية والاخلاقية، في إلزام اسرائيل بأسس ومرجعية العملية السياسية ومتطلباتها، وبما يفضي إلى إنهاء الاحتلال. هذه هي إرداة شعبنا وهذا هو موقفنا ولن نتراجع عنه.

فكيف يمكن لشعبنا أن يستعيد ثقته بعملية سياسية هدفها انهاء الاحتلال، ولا يكون مدخلها الأول وقف الاستيطان بكافة أشكاله؟! كيف يمكن لأصحاب البيوت المهدمة أو المهددة بالهدم، أو لأصحاب الأراضي المهددة بالمصادرة أو الممنوعين من زراعة أرضهم أو حصد محاصيلهم، أو لأهالي مدينة القدس الذين يتم عزل مدينتهم، أو لأهلنا المحاصرين والمشردين في قطاع غزة أن يثقوا بعملية سياسية وهم يتعرضون لكل هذه الإجراءات؟!. لن يكون للعملية السياسية مصداقية، إلا بمدى تقيد إسرائيل وتنفيذها بما عليها من التزامات، وفي مقدمتها وقف الاستيطان والاجتياحات، ورفع الحصار.

نعم، أيها الأخوة والأخوات، لم يعد ذلك ممكناً. وكلنا ثقة بأن العالم بات يدرك معنا أن ذلك لم يعد ممكنا، وإن شعبنا يتطلع لأن يترجم هذا الإدراك إلى خطوات عملية ملموسة، لكي تستعيد العملية السياسية مصداقيتها.

إن تحقيق هذا الأمر يجب أن يترافق كذلك مع تبديد الاعتقاد الخاطئ الذي ساد لسنوات طويلة على أنه بالإمكان دوماً الضغط على الطرف الأضعف في معادلة الصراع والتسوية، و كأنَ لا حدود للتنازلات التي يمكن تقديمها. فهذا الأمر، إضافة إلى إنه أحدث حالة من التآكل في بنية العملية التفاوضية ومرجعياتها، قد وصل إلى درجة تهدد بصورة خطيرة إمكانية التوصل إلى حل. فمرجعية العملية السياسية لا يمكن أن تكون عبر ما يمكن لإسرائيل أن تقبله أو أن تقدمه. وعلى إسرائيل، بل على العالم أن يتذكر أن الشعب الفلسطيني قدم من خلال مبادرة السلام الفلسطينية عام "1988" تنازلاً تاريخياً ومؤلماً عندما وافق، ولأول مرة قي تاريخ الصراع، على إقامة دولته المستقلة على 22 % من أرض فلسطين التاريخية. و عليه، فإنه لا يمكن لأية تسوية ان تكون مستقرة ودائمة، وبما يحقق العدالة ويكفل إمكانية أن يطور الشعب الفلسطيني حياته ومستقبل أبنائه، ما لم تدرك اسرائيل ذلك، وما لم تكن هذه التسوية وليدة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.

لقد كانت مبادرة السلام العربية لعام "2002"، الحاضنة العربية، ومن ثم الحاضنة الإسلامية، لمبادرة السلام الفلسطينية، حيث وضعتها في سياق مسار التسوية السياسية الشاملة للصراع العربي الإسرائيلي لإيجاد حل يقوم على معادلة الأرض مقابل السلام. وقد وفرت هذه المبادرة، وما تزال، فرصة تاريخية لإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة. وعليه فإن محاولات القفز عن مضمونها أو تجاهل جوهر الصراع المتمثل في ضرورة إنهاء الاحتلال عن كامل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة لن تحقق سوى المزيد من التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة.

الأخـوات والأخـوة

إن الالتزام بمسؤولياتنا الوطنية لإنجاز حقوق شعبنا الوطنية وبرنامج اقامة الدولة المستقلة يتطلب تعزيز الالتفاف حول منظمة التحرير الفلسطينية، وعدم الانتقاص من مكانتها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وتعميق التمسك ببرنامجها الوطني المتمثل في الإنهاء الكامل للاحتلال وبناء الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 1967، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار "194"، و المبادرة العربية للسلام. كما انه يتطلب تعزيز الجهود العربية المشتركة لتفعيل هذه المبادرة، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لإلزام إسرائيل بأسس ومرجعيات عملية السلام، وفقاً لجدول زمني واضح ومحدد ونهائي للعملية التفاوضية.

هذا، أيها الأخوة والأخوات، هو طريق انجاز التسوية السياسية، وليس التفاوض لمجرد التفاوض. هذا هو موقف الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية بشأن ما هو مطلوب للوصول إلى سلام عادل. ونتوقع من المجتمع الدولي، وأطراف اللجنة الرباعية تحديداً، أن يكونوا قد استخلصوا العبر من تجربة السنوات الماضية والمخاطر التي جلبتها.

الأخـوات والأخـوة،

انطلاقاً من هذه الرؤية، اسمحوا لي أن أحدد أمامكم، ومن خلالكم لأبناء شعبنا، الأسس الرئيسية للأجندة الوطنية للسلطة الوطنية الفلسطينية واتجاهات عملنا في إطار من الوضوح الكفيل بتحقيق المزيد من الالتفاف الشعبي حول هذه الأجندة، والتي تمكننا من التسريع في بناء مؤسسات دولتنا المستقلة.

يأتي في مقدمة أجندتنا الوطنية توفير كل مقومات انهاء حالة الانقسام وتوحيد الوطن ورفع الحصار الظالم ومعالجة الواقع المأساوي الذي يعيشه أهلنا في قطاع غزة. إن معالجة هذا الواقع بما يعيد للقطاع مكانته في بناء الدولة الفلسطينية وكرافعة أساسية للهوية الوطنية والمشروع الوطني، يتطلب منا تكثيف الجهد من أجل الاسراع في إنهاء حالة الانقسام في إطار توافق وطني يمهد لاجراء الانتخابات العامة في موعدها الدستوري في كانون الثاني من العام القادم، باعتبار ذلك إستحقاقاً دستورياً وحقاً طبيعياً للمواطنين لا يجوز تجاوزه.

وبالتوازي، لا بد من وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لتمكيننا من إعمار ما دمره العدوان على القطاع والاسراع في الوفاء بالالتزامات المالية التي أعلن عنها مؤتمر شرم الشيخ لتمكين السلطة الوطنية من تنفيذ برامجها لاعادة الإعمار، وإلزام اسرائيل برفع حصارها عن القطاع وضمان حرية حركة الأفراد والبضائع بما في ذلك مواد البناء اللازمة لاعادة الاعمار.

وأعلن أمامكم التزام الحكومة بالمتابعة الحثيثة والمباشرة لهذا الأمر. وهنا فإنني أدعو إلى ضرورة التحلي بالحكمة والمسؤولية، والترفع عن تسييس هذا الملف، وبما لا يعطي اسرائيل أي مجال للتهرب من التزاماتها أو يعفي المجتمع الدولي من مسؤولية الضغط عليها لرفع الحصار وفتح المعابر. كما وأؤكد على التزام الحكومة باستمرار توفير كل الدعم المالي الممكن لأهلنا في قطاع غزة، حيث بلغ حجم الانفاق الحكومي في القطاع "120" مليون دولار شهرياً، أي باجمالي قدره ملياران وتسعمائة مليون دولار على مدار العامين الماضيين. وهنا فإن الحكومة تجدد تأكيدها ودعوتها إلى ضرورة الابتعاد عن سياسات الاقصاء التي تعطل قدرة المؤسسات على تقديم الخدمات للمواطنين، وخاصة في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والاقتصادية. كما تؤكد الحكومة استمرار التزامها بالمساواة والعدالة في تقديم هذه الخدمات. وهنا فإنني أحيي الجهد الذي بذلته وزارة التربية والتعليم لحماية نظام التعليم الفلسطيني، والنجاح في انجاز امتحانات الثانوية العامة، وأتمني لطلبة الثانوية العامة النجاح والتفوق. كما أحيي وزارة الصحة على ما بذلته من جهود، رغم كل العقبات، لمعالجة جرحى العدوان واستمرار تقديم المواد الطبية اللازمة لقيام المؤسسات الصحية بواجباتها، وتقديم العلاج خارج القطاع للمرضى الذين يتعذر تقديم الخدمة الطبية اللازمة لهم في مستشفيات القطاع.

ونؤكد التزامنا بتعزيز وتطوير كل أشكال التعاون والتكامل مع المؤسسات الأهلية والدولية العاملة في قطاع غزة لضمان التخفيف من معاناة أهلنا وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم. ونجدد رفضنا لكل أشكال المساس بحقوق المواطنين والاعتداء على الحريات، والمؤسسات العامة، وندعو إلى حماية السلم الأهلي. كما ندعو المؤسسات الدولية ومؤسسات حقوق الانسان إلى توفير الحماية القانونية لأبناء شعبنا في القطاع في مواجهة كل أشكال العقوبات الجماعية التي تفرضها اسرائيل، أو المفروضة عليهم بقوة الأمر الواقع.

وتستند أجندتنا الوطنية كذلك إلى مبدأ تعزيز سيادة القانون و توفير الأمن والنظام العام وتحقيق العدالة، بما يشمل الاستمرار في بناء المؤسسة الأمنية وقدرتها على فرض الأمن والنظام العام وبسط سيادة القانون، وفق مبادئ وقيم احترام حقوق الانسان والمهنية. وفي هذا المجال، أجدد التأكيد مرة أخرى على أنه لا مكان للازدواجية الأمنية. فالسلطة الوطنية هي وحدها صاحبة الولاية في المجال الأمني، وبما يمنع أي شكل من أشكال أخذ القانون باليد.

ان تحقيق الأمن والاستقرار يتطلب منا هيكلة وتطوير قطاع العدالة بكل مكوناته، وبما يعزز استقلال القضاء وضمان نزاهته وقدرته على تطبيق القانون ترسيخاً لمعادلة الأمن والاستقرار مع الانصاف والعدالة ومساواة الجميع أمام القانون.

وتتضمن أجندتنا الوطنية أيضاً تعزيز قدرة شعبنا على الصمود لحماية الأرض، ومواجهة الاستيطان والجدار، والدفاع عن عروبة القدس. وتعتمد رؤيتنا في هذا المجال على أولوية توفير مقومات ثبات وصمود أبناء شعبنا على أرضهم، والارتقاء بالتحرك الشعبي السلمي المناهض للجدار والاستيطان، وحماية القدس وعروبتها من مخاطر المشروع الاستيطاني.

إن ما مثلته تجربة بلعين ونعلين والمعصرة، وسلوان، والشيخ جراح، والقرى والبلدات ولجانها الشعبية تشكل نموذجاً يحتذى به. وهنا، فإنني أجدد دعم السلطة الوطنية للحركة الشعبية السلمية، وأدعو جماهير شعبنا إلى مزيد من المشاركة في فعالياتها. كما وأدعو كافة الوزارات والمؤسسات الرسمية والأهلية والخاصة للاضطلاع بمسؤولياتها لحظر دخول منتوجات المستوطنات إلى السوق الفلسطيني، واتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين. وهنا، فإنني أحيي مواقف الدول الأوروبية التي تسعى لوقف المعاملة التفضيلية لمنتجات المستوطنات، وأدعو كافة دول العالم إلى التأكيد على التزامها بالقانون الدولي، وفتوى لاهاي تحديداً، من خلال حظر استيراد منتوجات المستوطنات، وعدم الاسهام بشكل مباشر أو غير مباشر في الاستثمار فيها أو في أي نشاط يدعم أو يكرس الاستيطان بكافة أشكاله.

وستظل قضية الأسرى، والذين يشكل مجرد احتجازهم في اسرائيل انتهاكاً للقانون الدولي، عنواناً للإجماع الوطني، وأبرز أولويات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، في العمل على إطلاق سراحهم دون شروط أو تمييز. هذا بالإضافة إلى تحمل المسؤولية في توفير احتياجاتهم، وضمان الحياة الكريمة لأسرهم، واندماجهم في المجتمع عند تحررهم. وتجدد السلطة الوطنية موقفها الثابت بأن حرية الأسرى هي جزء من حرية الوطن. وفي هذا المجال فإنني أحيي الجهود التي يقوم بها "مركز ومتحف الشهيد أبو جهاد للحركة الأسيرة في جامعة القدس" في توثيق إبداعات وصمود الأسرى والحركة الأسيرة.

أما على الصعيد الاقتصادي والخدمات الاجتماعية، فإن زيادة كفاءة السوق المحلي، وإعادة هيكلة البيئة الاستثمارية، وتشجيع المنتج الوطني والشراكة مع القطاع الخاص ستحتل مركزاً متقدماً في أجندتنا الوطنية من أجل النهوض الاقتصادي، ومعالجة مشكلات الفقر والبطالة، بما في ذلك تطوير نظام التأمينات الاجتماعية، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي، وبما يمكن من مواجهة الأوضاع الصعبة المفروضة على شعبنا بفعل الاحتلال وسياساته. اننا نتطلع، أيها الأخوات والأخوة، للوصول إلى أرقى أنظمة التأمينات الاجتماعية بل والتميز فيها، وبما يوفر أسس الحياة الكريمة لأبناء شعبنا. وفي هذه المرحلة، نؤكد التزامنا بمتطلبات الخدمات الاجتماعية وتوسيع برامجها، بما يشمل توفير الحماية والرعاية للشرائح الأقل حظاً وذوي الاحتياجات الخاصة، ولتحقيق الحد الأقصى من العدالة الاجتماعية.

ويأتي في صلب أجندتنا الوطنية أيضاً مشروع النهوض بالتعليم، والانفتاح الثقافي وحماية التراث. فعلى الرغم من قيام السلطة الوطنية بتلبية الاحتياجات الأساسية في مجال التعليم، إلا أن المعطيات المتعلقة بمخرجات التعليم تتطلب منا تعزيز الاهتمام بنوعية التعليم وجودته وقدرته على رفد السوق بالكفاءات القادرة على النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وصولاً إلى ولوج مجتمع المعرفة. وهنا، ونحن في جامعة القدس، فإنني أدعو الجامعات إلى تطوير الانفتاح على المجتمع واحتياجاته، وتعزيز البحث العلمي، والانخراط في بناء ركائز الدولة الفلسطينية. وستواصل الحكومة توفير الدعم الذي يمكن الجامعات من تأدية رسالتها بكفاءة وتفوق .

أما على الصعيد الثقافي، فقد شكل انخراط شعبنا ومؤسساته في فعاليات القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009 مناسبة وطنية شاملة وهامة ليس فقط لابراز المكانة الثقافية للقدس، بل أيضا للنهوض بالمشروع الثقافي الوطني المنفتح على العالم وثقافاته، وبما يمكن من مواجهة كل محاولات الطمس والقهر والانغلاق، ومن تعزيز الشعور بالانتماء الوطني، وقيم التسامح وحرية الرأي والتفكير والإبداع. ولعل أهم ما يمكن القيام به في هذه المناسبة يكمن في تشجيع أشقائنا العرب على زيارة القدس مذكراً الجميع، وكما قال أمير القدس الراحل فيصل الحسيني، " إن في زيارة السجين تضامناً معه وليس تطبيعاً مع السجان".

وتنطلق أجندتنا الوطنية كذلك من مبدأ النهوض بواقع المرأة والشباب ودور المجتمع المدني في تعزيز التنمية. ويستدعي ذلك منا بلورة أنجع الخطط القادرة على تمكين المرأة وحمايتها من ثقافة التهميش والإقصاء، وتطوير القوانين الكفيلة بحماية المرأة ومكانتها وحقها في المساواة، والفرص المتكافئة التي تكفل انخراطها الكامل في عملية البناء والتنمية. ويستدعي ذلك أيضاً مواصلة الاهتمام بقطاع الشباب وتعزيز فرصهم في الابداع والانخراط الفعال في المجتمع، وتعزيز روح الانتماء الوطني والعمل التطوعي والمشاركة.

إن تحقيق هذه الأهداف وغيرها في مجال التنمية المجتمعية يتطلب المزيد من تعزيز التعاون والتكامل وعناصر الثقة والعمل المشترك مع مؤسسات المجتمع المدني.

الأخـوات والأخـوة،

منذ تسلم هذه الحكومة لمهامها، قطعنا على أنفسنا التزاما بالعمل على تعميق الإنجازات التي حققتها الحكومة الثانية عشرة والحكومات السابقة، والبناء عليها باستمرار تحملنا لمسؤولياتنا الوطنية في توفير المناخ المناسب لإنجاح الحوار الوطني كأولوية عليا في برنامج عمل الحكومة، وترسيخ الاستقرار وسيادة القانون والنظام، وبناء مؤسساتنا القوية القادرة على خدمة المواطنين ورعاية مصالحهم، ومواصلة تنفيذ خطة الإصلاح والتنمية، وكافة البرامج والمشاريع التنموية لتعزيز صمود المواطنين، وتصديهم للهجمة الاستيطانية، ومخططات عزل القدس عن محيطها الفلسطيني وتغيير واقعها السكاني والثقافي.

لقد قمنا بتوجيه الوزارات والدوائر الحكومية لإعداد خطة عمل تفصيلية بالاستناد الى أولوية إنجاز واستكمال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية على أسس متينة راسخة وعصرية خلال عامين. وقد عرضت عليكم فيما سبق عناصر أجندتنا الوطنية وبعض الأفكار المتعلقة برؤيتنا للمرحلة القادمة، في سياق محاولتنا تطوير رؤية جماعية عامة وشاملة وقطاعية لمهام السلطة الوطنية خلال العامين القادمين.

إن تجسيد قيام دولتنا العتيدة يتطلب جهدا مركزا وفائقا لاستكمال عميلة البناء المؤسسي بما ينسجم وتمكين السلطة من القيام بمهامها بالكفاءة المطلوبة. ويشكل ذلك مناسبة للبدء بمنهج عمل جديد، يقوم على اساس اعداد برنامج تفصيلي للسلطة الوطنية يتناول كافة أوجه الحكم والادارة وبناء المؤسسات المسؤولة عن ترسيخ مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة.

إن إنجاز هذه الرؤية وتنفيذ الأجندة الوطنية يتطلب عمل الحكومة على أساس توجه متفق عليه في كافة المجالات، ومنهج للعمل يشكل أرضية جيدة لمساءلتها على اساسه من الجميع. فكما هو معلوم، وعلى الرغم من أن الحكومة هي حكومة الرئيس، لكننا، وفي غياب انعقاد المجلس التشريعي الذي نأمل أن يعود إلى الالتئام قريباً، مسؤولون أيضا امام مختلف فعاليات المجتمع ومؤسساته، وحريصون على التواصل معها، ترجمة لإيماننا بالشراكة معا في تحقيق المصالح الوطنية العليا.

وكذلك فإنه قد يكون من المناسب أن نتوجه الى السيد الرئيس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية باقتراح دعوة المجلس المركزي للانعقاد والاطلاع على مكونات البرنامج الذي نحن بصدد بلورته. وقد يشكل ذلك جزءاً من آليات تفعيل النظام السياسي الفلسطيني، وعلى رأسه منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة، بما يتضمن ترتيب الأوليات في إطار اجندة سياسات وطنية تعبر عنها وثيقة وطنية تقوم الحكومة على بلورتها في اطار اسهامها في الجهد الوطني، وبما يحقق الربط العضوي بين ما تقوم به السلطة الوطنية في مجالات البناء والادارة والحكم، وبين المسار السياسي الذي تقوده منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك لربط ما تقوم به الحكومة والسلطة الوطنية الفلسطينية مع المسار السياسي والتفاوضي.

الأخـوات والأخـوة

نحن حريصون على أن تحظى توجهاتنا وخطواتنا بالإجماع الوطني، لانها تفرض واقعا وطنيا نتوق اليه اكثر مما تفترض واقعا نقبله، وتؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة والتشاور مع فئات وفعاليات المجتمع بأطيافه، وترسخ في وعي الجميع مفهوم نهاية المطاف ومحدودية العمر الافتراضي للمرحلة الانتقالية، وتخلق الوقائع الأساسية المطلوبة للدولة، بما يُلزم المجتمع الدولى بالاعتراف بأن الواقع على الأرض هو واقع دولة كاملة بالرغم من الاحتلال. وسيمكننا ذلك من الربط العضوي بين الملف السياسي وما تقوم به الحكومة في اطار عملها اليومي.

إن تحقيق رؤيتنا بضرورة استكمال البناء المؤسسي لدولة فلسطين خلال عامين، سيمكننا من إعادة تصويب الموقف الدولي لدعم حقنا في دولة مستقلة كاملة السيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس.

السيـدات والسـادة

وأخيراً وقبل ان أختم حديثي، أتوجه إلى جيراننا الإسرائيليين من على منبر هذا الصرح الأكاديمي، جامعة القدس، لأقول لهم: لقد استمعنا للخطاب الذي ألقاه رئيس وزرائكم قبل حوالي أسبوع، والذي انطلق فيه بشكل أساسي ومتكرر من الرواية الإسرائيلية التاريخية بشأن جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وجذوره ليحدد ملامح مفهومه بشأن حل هذا الصراع. وله بالطبع ذلك. ولكن لا أظن بأنني بحاجة للتذكير بأن لدينا، نحن الفلسطينيين، رواية تاريخية مختلفة تماماً. لا أريد أن أتناول تلك الرواية اليوم بأي قدر من العرض أوالتحليل. ولكن كل ما أريد أن أقوله في هذا الشأن هو أنه بالقدر الذي لا أتوقع أن تكون الرواية التاريخية الفلسطينية مقبولة لديكم ، فإنه لا ينبغي توقع أن يكون من المقبول اعتماد الرواية الإسرائيلية التاريخية كأساس لحل الصراع، إذا ما كان لهذا الحل أن يكون عادلاً ودائماً. وعلى أي حال، إذا كان من المفهوم، لا بل من المنطقي، أن يكون الجدل بشأن هاتين الروايتين قد ساد أثناء الحقبة التي سبقت عملية السلام، فإنني لا اعتقد أنه من المجدي أن نعاود الكرة اليوم، بعد حوالي ستة عشر عاماً منذ أوسلو وواحد وعشرين عاماً منذ أن أعلنا، نحن الفلسطينيين، قبولنا بحل الدولتين، لا بل وأيضاً بعد ستة أعوام منذ إعلان حكومة إسرائيل عن قبولها برؤية الرئيس بوش القاضية بإنهاء الاحتلال الذي وقع عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل لتعيشا بأمن وسلام.

يا جيراننا الاسرائيليين: لديكم تاريخ وهموم وآلام وتطلعات. ونحن، أيضاً، لنا تاريخ، ولدينا اليوم الكثير من الهموم والآلام. ولكن لنا تطلع رئيسي واحد: أن ننعم بما هو حق طبيعي لشعوب الأرض كافة، ألا وهو العيش بحرية وكرامة في وطن لنا. وإننا نتطلع لتجسيد دولتنا إلى جانب دولتكم عبر سلام ذي معنى، وبما يؤسس لعلاقات طبيعية في شتى المجالات على أساس حسن الجوار. نحن نتطلع إلى سلام يدرك فيه الطرفان فوائد التعايش المشترك والمتكافئ وفي شتى المجالات. نحن لا نريد أن نبني الجدران، بل نسعى لمد الجسور. لا نريد أن نعزلكم من حياتنا، بل أن نعيش وإياكم على قاعدة الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة في الاقتصاد والأمن والاستقرار وغيرها من مجالات التعاون التي تحكم العلاقات بين الدول. وفي سبيل ذلك، فنحن، وكما ذكرت آنفاً، على وشك الولوج في المراحل الأخيرة من الإعداد لانجاز بنيان الدولة الفلسطينية والتي نطمح أن تشكل إضافة نوعية للمنطقة، وبما يساهم في تحقيق الأمن والازدهار لشعبينا وسائر شعوب المنطقة. وفي سبيل ذلك، لا بد لنا أيضاً من انجاز عملية التفاوض بشأن قضايا الحل الدائم كافة. هذا واجب. وهو ممكن وواقعي، إذا ما جمعنا صنع السلام، وليس مجرد المزيد من الحديث عنه، كهدف مشترك. نعم، هذه أيدينا ممدودة لصنع السلام الحقيقي.


السيدات والسادة في الختام أقول لكم، ومن خلالكم لكل ابناء شعبنا، إن خيار الوصول إلى سلام عادل ودائم لانجاز حقوقنا الوطنية سيظل يمثل الأولوية التي توجه عملنا. كما سيظل دورنا لتحقيق ذلك متمثلا في تعزيز وحدة شعبنا وقدرته على الصمود والثبات على أرضه وبناء مستقبله في دولته المستقلة، وسنواصل القيام بتسخير كل امكانياتنا في سبيل تحقيق خدمة شعبنا، وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه، ودعم حقه في حماية أرضه.
فهذه الأرض أرضنا... وهذا وطننا ولا وطن لنا سواه.
سينتهي الاحتلال ونقيم دولتنا
وإنا على هذه الأرض باقون .
وفقكم الله
والسلام عليكم ، وشكراً لكم