|
علامات على الطريق- المنطق المقلوب- بقلم: يحيى رباح
نشر بتاريخ: 01/02/2006 ( آخر تحديث: 01/02/2006 الساعة: 17:02 )
معا- قبل أيام, وخلال لقائها مع الرئيس أبو مازن, ذكّرتنا المستشارة الألمانية السيدة أنجيلا ميركل أن سلطتنا الوطنية هي سلطة الحكم الذاتي المحدود, هكذا بالحرف الواحد, وهذه بطبيعة الحال الحقيقة العارية, وهو الاصطلاح الذي رفضنا بوعينا الظاهر والباطن استخدامه في سجالاتنا طيلة السنوات الماضية, وبناء على ذلك, فإن الانتخابات الحرّة والنزيهة والهادئة والشفّافة التي جرت يوم الأربعاء الماضي 25/1/2005م, هي انتخابات في ظل سلطة الحكم الذاتي المحدود, وأن جميع من أقدموا على هذه الانتخابات, وشاركوا فيها, وحققوا الفوز أو الخسارة أو المشاركة المحدودة أو الذين قاطعوا هذه الانتخابات كانوا يعرفون هذه الحقيقة رغم اتفاقهم الضمني على عدم ذكرها, وأنهم ذهبوا بعيون مفتوحة إلى هذه الحقيقة, ولكن بهدف تطويرها وتحويلها إلى دولة مستقلة !!!
ولكن السيدة أنجيلا ميركل, ذكرت اشتراطات على الحكومة الجديدة, حكومة حماس أكثر مما يقتضيه الحال, وكأن الهدف من الديمقراطية عندنا في المفهوم الغربي هي وقوعنا في الفخ, ووضعنا في القفص, وعرضنا بعد ذلك كنموذج للديمقراطية تحت عنوان "انظروا لقد اصطدناهم بفخ الديمقراطية !!!" ولو سلّمنا بهذا المنطق, فسوف نجد أن القوى والتيارات الكثيرة في العالم العربي والإسلامي التي تحذّر من مصائد الديمقراطية بالمفهوم الغربي, هي تحذيرات في محلها !!! ولقد استمعنا جميعاً إلى المنطق المقلوب الذي تحدّث به أحد الناطقين باسم الحكومة الإسرائيلية تبريراً لاحتجاز أموال السلطة الوطنية الفلسطينية بقوله "إن المنطق من وراء الإجراء واضح جداً, وهو عدم وصول أموال إلى من يقومون بعمليات تفجيرية" وهذا الكلام الإسرائيلي هو كلام كاذب مئة بالمئة, لأنه على امتداد أكثر من عشر سنوات, كانت حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة فتح التي كانت تشكل الحكومة, وتقود السلطة, تقوم بعمليات تفجيرية, ولم نسمع الاشتراطات, ولم نسمع هذا المنطق المقلوب, وهو منطق مع الأسف الشديد رأيناه يعلن حرفياً على لسان الرباعية, وعلى لسان العديد من الدول داخل الرباعية وخارجها !!! فهل الديمقراطية التي تنادون بها ليل نهار, ليست سوى فخ قاتل ؟؟ وكيف تصفقون لانتخابات وتباركون نتائجها, وتغدقون عليها, ثم ترجمون انتخابات أخرى , لأن نتائجها ليست على هواكم ؟! أليس هذا من شأنه أن يثير الشكوك في كل ما يقال, وأن يثير الكراهية من أساليب الضغط والانحياز والمعايير المزدوجة التي يستخدمها الغرب ضد الآخرين. ونذكّر في هذا المجال أنه في عام 1977م, استطاع الليكود أن يفوز بالحكم في إسرائيل, ووقف على رأس الحكومة في إسرائيل رجال مثل مناحم بيغن, واسحق شامير, والجنرال شارون, وجميعهم بدون استثناء وكانت قد صدرت ضدّهم أحكام دولية بصفتهم إرهابيين ومجرمين, ومرتكبي مجازر وجرائم حرب, وقادة عصابات إرهابية, ولكن هذا كله لم يوقف دولاراً واحداً من مليارات الدولارات التي ظلت تتدفق على إسرائيل حتى يومنا هذا, بل أكثر من ذلك, فإن هؤلاء جميعاً تم التعامل معهم في البيت الأبيض, وفي الاتحاد الأوروبي, على أنهم أبطال سلام خارقين !!! نقول هذا الكلام ونحن نعرف أنه لا يوجد عطاء بدون ثمن, ولا يوجد أخذ بدون استحقاق, وأن من يدفع من حقّه أن يشترط, ولكن ليس هذا الحجم من الاشتراطات, التي إذا قبلنا بها فإننا نتحول إلى كائنات عجيبة تتحرك بدون إرادة في فضاء الآخرين !!! وهذه القضية الصعبة مطروحة اليوم على الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي, ولدى الأطراف الآخرين في العالم, ما قيمة الديمقراطية إذا كانت نتائجها سوف تتحول إلى قيود وشروط وإذلال ؟! وما فائدة الخيارات الشعبية إذا كانت هذه الخيارات ستؤدي بنا إلى ليّ أعناقنا إلى الاتجاه المعاكس ؟! وما جدوى التهاني التي تلقيناها من العالم على روعة ونزاهة هذه الانتخابات, ما دام هذا السم موجوداً في باقات الورد التي تلقيناها ؟! إن حركة حماس ليست قادمة من كوكب آخر, أنها من نسيج الشعب الفلسطيني, وقد جاء بها الشعب الفلسطيني إلى الحكم في انتخابات لم تشبها شائبة صغيرة, وهي تصنع مصالح الشعب الفلسطيني, وكل تفاصيل حياة الشعب الفلسطيني في أعلى مراحل الأولوية والاعتبار. وقد قال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في مؤتمر صحفي أمام العالم كله, أن حماس ستتعامل مع كل الأمور بواقعية من منطلق المصالح الفلسطينية !!! فلماذا هذا السيل الجارف من الاشتراطات حتى قبل أن "نرى الصبي ونصلي على النبي" ؟؟؟ بل نحن نذكّر أصحاب هذه الاشتراطات كم مرّة طلبوا منّا كفلسطينيين وعرب ومسلمين أن ننتظر, وننتظر, ونعطي فرصة لشارون, ومن قبله نتنياهو, ومن قبله شامير, وبيغن, حتى يرتبوا أمورهم, ويفرضوا علينا بضاعتهم, فحسب هذا القياس نفسه, لماذا لا توقفوا اشتراطاتكم, ولماذا لا تعطون حركة حماس فرصة لكي تعرض برنامجها وترتيباتها التي تراعي كل حقوق ومصالح واستحقاقات شعبها الفلسطيني ؟! ولماذا لا تكفّوا عن استخدام هذا المنطق المقلوب ؟!. |