وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الطيور الزائرة أو المهاجرة عبر القارات.. المطلوب الوعي الجماهيري لطرق هجرتها ومواسمها وعلاقتها بأنفلونزا الطيور!!!

نشر بتاريخ: 11/02/2006 ( آخر تحديث: 11/02/2006 الساعة: 12:02 )
بيت لحم- معا- إن الهجرة السنوية لملايين الطيور قد فتنت الإنسان منذ فجر التاريخ، فأخذ يتابع بدهشة حركاتها عبر الأجواء. وترجع السجلات الأولى الخاصة بهجرة الطيور إلى أربعة آلاف سنة: نعرف هذا من الرسوم الرائعة التي نحتها المصريون القدماء على جدران معابدهم. وعلى مرّ العصور حاولت نظريات تأملية عجيبة أن تشرح هذا اللغز. وقد اعتقد الأوروبيون مثلاً أن طائر عصفور الجنة يبقى في الطين خلال فترة الشتاء بل أنه حتى العصر اليوناني اعتقد أرسطو- الكاتب اليوناني الكبير والذي عاش منذ ما يقرب من 2300 سنة- أن طائر الحميراء إنما يتحول إلى طائر أبو الحناء في فصل الخريف.

أما في العصر الحديث فقد استطاع الإنسان أن يكتشف مسارات الطيور: إلى أين يهاجر الكثير منها ومن أين تأتي وكيف تختار- إن جاز التعبير- طرقاً ملاحية خاصة بها و الفضل في ذلك كله إنما يعود إلى التكنولوجيا المعاصرة/ أجهزة الرادار والتسجيلات التي تزودنا بها محطات دراسة الطيور.

علاقتها بمرض أنفلونزا الطيور

وكما ترتبط في الفترة الحالية مفاهيم انتقال مرض أنفلونزا الطيور بالهجرة الدولية لها عبر مرورها في القارات المختلفة من شرق أسيا إلى أوروبا وسيبيريا ومن ثم إلى منطقة الشرق الأوسط وينتهي بها المسار في إفريقيا حتى تصل إلى أخر نقطة في منطقة جنوب إفريقيا؟ فهل الطيور نفسها الموجودة في شرق آسيا هي التي تصلنا حاملة المرض أو ماذا عن الطيور التي تصلنا فعلا وتستقر في طبيعة بلادنا الخلابة؟

من خلال عملنا في محطة مراقبة الحياة البرية ودراستها في أريحا أو ما يطلق عليها سم الحديقة النباتية..تم إمساك طير في الربيع الماضي يطلق عليه اسم المختبئ الإيراني"أو عصفور الشوك الإيراني" من قبل باحثوا الجمعية ويعتبر موطن هذا النوع المنطقة الممتدة ما بين إيران حتى منطقة سيبيريا.. وهذه مسافة طويلة لطير صغير لا يتعدى حجمه حجم البلبل.. ترى هل توجد أنواع أخرى مثل هذا الطير يأتينا من مناطق بعيدة... لنعرف أولا موقع فلسطين من الهجرة العالمية للطيور.....

تعد فلسطين من أفضل الأماكن في العالم لمراقبة هجرة الطيور وذلك بسبب موقعها الجغرافي المتميز بين قارتي أوروبا وإفريقيا ،حيث تعتبر بمثابة عنق زجاجة وممر جيد طويل المسافة لتلك الطيور، وحيث أن فلسطين ممتدة لمسافة طويلة على الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، ولهذا فإن طيور شرق أوروبا المجاورة للبحر - تمر عادة فوقها وبكثافة عالية.

وتشاهد الطيور في فلسطين على فترات مختلفة في كل عام، وتأتي من موئلها الأصلي من أوروبا، وتذهب إلى إفريقيا وثم تعود في فترات أخرى إلى بلادها لتتكاثر وتعيد الحياة مرة أخرى.

ولما كانت بعض الطيور مثل أبو سعد ( اللقلق الأبيض) والطيور الجارحة المختلفة، لها طرقها الواضحة للهجرة مستخدمة التيارات الهوائية الدافئة الصاعدة والمناسبة للتحليق، ولما كانت هذه التيارات الهوائية الدافئة لا تتكون كثيرا فوق المياه تبحث تلك الطيور عن ممرات لها، مما يدفعها بالمرور عبر فلسطين حيث أصبحت مناطق البحر الأحمر والبحر المتوسط تمثل حاجزا لتلك الطيور المُحلقة.

أما عن أعداد الطيور التي سجلت في فلسطين حتى الآن .. فهي 520 نوعا منها ما يقارب الأربعمائة من الطيور المهاجرة الأوروبية وما يقارب 120 من الطيور المقيمة والمفرخة في فلسطين.. ويصل أعداد الطيور المهاجرة إلى فلسطين عبر هجراتها على مدار العام ذهابا وإيابا عبر فلسطين ما يقارب 500 مليون طير تم رصدها أثناء هجراتها الليلية والنهارية عبر عدة طرق منها: المراقبة من خلال العين والمنظار والتلسكوب في جميع مواقع فلسطين.. تحجيل الطيور بحلقة توضع في ساق الطير بعد دراسته عليما ومن ثم إعادته للطبيعة مرة ثانية كما يحدث في محطة أريحا لمراقبة ودراسة الحياة البرية... أو من خلال الأجهزة الاليكترونية "اللاقط"التي توضع على ظهر الطير كما في طيور اللقلق والكركي وبعض أنواع الصقور والنسور..مثل النسر الأسمر والمتصلة بالأقمار الصناعية مباشرة والتي ترصد حركة وأعداد الطيور في خلال 90 دقيقة على مدار اليوم أثناء هجرتها....الخ

استمرارية الحركة بين القارات
الهجرة هي الحركة المنتظمة لنوع معين من الكائنات بين بيئات متنوعة في أوقات مختلفة من السنة, لماذا تقوم الطيور بهذه الرحلات التي غالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر علاوة على ما تتطلبه من جهد بدني غير عادي؟ معظم الأنواع التي تتكاثر في المناطق الشمالية تنتجه جنوباً وذلك هرباً من شتاء الشمال القارص كما أن ما يقرب من نصف الأنواع الموجودة بالمناطق المعتدلة تُهاجر أيضاً جنوباً للتجنب الشتاء البارد. وتهاجر مئات الملايين من مرتين كل عام بين قارتي أوروبا و إفريقيا بالإضافة إلى الهجرة الداخلية في قارة إفريقيا.

لماذا تهاجر الطيور؟
إن صعوبة الحصول على الغذاء في موسم الشتاء في أوروبا هي غالباً أهم الأسباب وراء هذه الرحلات العظيمة، فمصادر غذاء الطيور من حشرات وبذور تصبح نادرة في هذا الوقت بالإضافة إلى أن قصر وقت النهار يُقلل من فرص البحث عن الغذاء وللتغلب على هذه المشكلات تضطر أنواع عديدة من الطيور إلى البحث عن مناخ أكثر اعتدالاً يتوفر فيه الغذاء. وكما توجد في إفريقيا طيور كثيرة مثل لقلق "Ciconia abdimii" التي تُهاجر نتيجة لتعاقب موسمي الجفاف والمطر اللذين يؤثران على الغذاء.

منشأ الهجرة
تُعتبر دورة فصول السنة السبب الرئيس وراء هجرة الطيور، فبواسطة التنقل لمسافات طويلة في أوقات معينة من العام تستطيع هذه الطيور استغلال البيئات المختلفة حينما تكون في قمة ثرائها بالغذاء. ويُعتقد أن هجرة الطيور بدأت في نهاية العصر الجليدي الأخير عندما ذابت مساحات شاسعة من الجليد وأتاحت بيئات غنية بالطعام الفرصة لتكاثر الطيور. و تبعاً لذلك تأقلمت الطيور المهاجرة على دورة حياة تستغل خلالها بيئات مختلفة وتتنافس مع طيور أخرى مستغلة مصادرة غذاء مختلفة في أوقات مختلفة من السنة. وغالباً ما يكون موسم التكاثر عند الطيور المهاجرة أقصر منه عند الطيور غير المهاجرة.

أسرار الملاحة الجوية عند الطيور
استمر البحث على مدى الثلاثين عاماً الماضية لمحاولة التوصل إلى كيفية تحديد الطائر المهاجر لمسار هجرته و كيف يجد طريقه إلى ذلك عاماً بعد عام. ويبدو أن نظام ملاحة الطيور المهاجرة يضم مجموعة كبيرة من القدرات الحسية من بينها استخدام الشمس والنجوم كبوصلة والاعتماد على مستوى و الاعتماد على ما تستنتجه من معلومات عن طريق حاستي الشم والتذوق وتوضح التجارب العديدة أن صغار الطيور تهتدي إلى طريقها بالفطرة بينما تستطيع الطيور الأكثر تجربة تصحيح هذا المسار بالتعرف على أرضية تكون قد رأتها في رحلات سابقة. ويمتلك طائر الزرزور هاتين المهارتين.

الهجرة أثناء الليل
إن الكثير من الطيور التي تُهاجر لمسافات طويلة تطير ليلاً وبعض هذه الطيور التي تشتو جنوب خط الاستواء مثل السمنة والهازجات تبدأ الهجرة عقب الغروب مباشرة من موطنها عند خطوط العرض الشمالية وهذه الطيور تستغل النهار في الحصول على الراحة والتزود بالغذاء.

الهجرة في وضح النهار
أنواع قليلة من الطيور تهاجر نهاراً وغالباً ما تكون هجرتها لمسافات قصيرة. وجزء من هذه الطيور تستغل ضوء النهار في التعرف على المعالم المرئية كالسواحل والبحيرات وأودية والأنهار وغيرها من العلامات الأرضية. والعصافير مثال على ذلك، فهي من أبرز الطيور المهاجرة بمحاذاة السواحل. وكما تستخدم الطيور أيضاً الشمس كبوصلة كما تستعين بساعتها البيولوجية في تعدي مساراتها. و لا تجد صعوبة في الحصول على غذائها أثناء الطيران.
أما الطيور كبيرة الحجم وهي الطيور" المحلقة أو الحوامة" مثل اللقلق الأبيض والأسود والجوارح بشكل عام والكركي ، فهي لا تستطيع خفق أجنحتها لمدة طويلة من الزمن، لذا تستخدم التيارات الهوائية الصاعدة في النهار كي ترتفع في الجو دون جهد، ثم تحلق هابطة ببطء إلى الطبقة التالية من الدافئ الصاعد.

إستراتيجية الهجرة
عامة يمكن التمييز بين نوعين مختلفين من هجرة الطيور:
الأول: هجرة واسعة المجال تعبر فيها الطيور الموانع مثل الجبال والبحار والصحارى على امتدادها.

والثاني: هجرة ضيقة المجال تتركز فيها الطيور على طول خط هجرة ضيق ومحدد. عند مراحل معينة في رحلتها تضطر الطيور عريضة الأجنحة مثل الجوارح واللقالق والتي عادة ما تستفيد من تيارات الهواء الصاعد في التحليق والطيران توفيراً لطاقتها لعبور البحار المفتوحة حيث لا تتوفر الأعمدة الصاعدة من الهواء الساخن ولذا فإنها تختار أضيق الأماكن لعبور البحار والتي يمكن عندها مشاهدة تجمعات كبيرة جداً من هذه الطيور. وتعتبر فلسطين عنق زجاجة لهجرة هذه الطيور وهي موقع مميز في العالم لهذه الهجرة(قدرت أعداد الطيور المهاجرة إلى فلسطين حوالي خمسمائة مليون طير سنويا في هجراتها الخريفية والربيعية والمتفرقة لحوالي أربعمائة توع منها) بالإضافة إلى الممر الضيق ما بين تونس وجزيرة صقلية المسار المفضل لحوام النحل Pernis apivoru أثناء هجرة الربيع كما يعتبر مضيق جبل طارق وفاليستيربو بجنوب السويد و البوسفور أماكن عبور رئيسة حيث تشاهد هناك عشرات الألوف من الطيور المختلفة التي تهاجر في أوقات معينة من السنة.

هذا وبالإضافة إلى الهجرة الداخلية من موقع لأخر لبعض الطيور التي تبقى في محيطها الجغرافي.

حلقات وتحجيل الطيور
عكف العلماء على دراسة مسارات هجرة الطيور منذ بداية هذا القرن عن طريق تركيب حلقات معدنية في أرجل الطيور مكتوب عليها رقم خاص وعنوان الجهة التي تحتفظ بالمعلومات الخاصة عن أصل كل طائر(عنوان "حلقة فلسطين" الدولي/Wildlife Palestine )بعد القيام بتحجيله في محطات مراقبة ودراسة وتحجيل الطيور كمحطة أريحا لمراقبة ودراسة الحياة البرية ومنها الطيور) . وفي كل عام يتم تحجيل آلاف الطيور في المنطقة بهذه الحلقات. وعلى من يجد طائراً عليه حلقة أن يرسل الحلقة إلى العنوان المكتوب عليها مضيفاً مكان وزمان العثور على الطائر وحالته العامة. ومقابل ذلك ترسل الجهة القائمة على البحث خطاب شكر إلى مرسل الحلقة وكذلك معلومات مفصلة عن الطائر.

سرعة الهجرة والمسافات الطويلة
إن سرعة كثير من الطيور المهاجرة الصغيرة لا تتعدى 30- 35 كم/ ساعة في الهواء الساكن، في حيث تستفيد غالبية الأنواع من الرياح فتستطيع طيور اللقلق الطيران بسهولة بسرعة تصل إلى 55 كم/ ساعة وقد قطع أحد طيور الدريجة calidris alpine مسافة بلغت 1023 كم في يوم واحد وتطير معظم الطيور المهاجرة على ارتفاعات شاهقة بحيث يصعب رؤيتها، فقد سجلت أجهزة الرادار المتقدمة طيران نوع من الإوز على ارتفاع 9500 متراً. إن معرفة سرعة طيران الطائر بالإضافة إلى ما عند العلماء من معلومات أخرى عن كمية الدهور المخزونة في جسمه تدل على المسافة التي ممكن أن يقطعها الطائر بدون توقف للحصول على غذائه.

قبل الختام
في الختام، لا يسعنا إلا أن نختتم هذه المعلومات بأنه لهجرة الطيور أوقات قد تحدد انتقال الأمراض في أوقات معينة في السنة وليست في جميع الأوقات كما يظن البعض وخاصة إلى منطقة فلسطين، وان بعض الطيور المائية مثل البط أو الإوز أو دجاج الماء..الخ هي التي قد تنقل المرض... وهذا لا يعني بأنه معظم أنواع الطيور قد تكون حاملة أو غير حاملة له، وفي كل الأحوال..تقول أن الاحتياط واجب وان نشر المعلومات البيئية والصحية يجب أن تكون بمستوى عال من الدقة والتنفيذ في طريقة تعاملنا مع هجرة الطيور وأنواعها...وبالإضافة إلى التركيز على مشاريع الدواجن على المستوى الوطني أو حظائر هذه الطيور التي تقع بالقرب من بيوتنا وأماكن مسكننا..

عماد الأطرش
المدير التنفيذي
جمعية الحياة البرية في فلسطين