|
حماس والنموذج الإسلامي التركي.. بقلم: غسان مصطفى الشامي
نشر بتاريخ: 19/02/2006 ( آخر تحديث: 19/02/2006 الساعة: 16:01 )
معا- لعله من السابق لأوانه أن نطلب من حركة المقاومة الإسلامية حماس أن تستفيد من تجربة الإسلاميين الأتراك في الوصول إلى الحكم ، واتخاذ النموذج الإسلامي التركي كدليل إرشادي لها في إدارة حكومتها الجديدة ، والسبب في ذلك بسيط يتمثل في أن وجوه المقارنة بين النموذجين ، النموذج الإسلامي التركي والنموذج الإسلامي الحمساوي الفلسطيني مختلفة ومغايرة تماماً ..
فالحالة التركية تختلف بكافة أحداثها واشكالياتها عن الحالة الفلسطينية ... أيضا لماذا نحكم مسبقاً على أن حماس قد لا تنجح في إدارة الأمور وتحريكها ؟؟ وعلى ماذا بَنينا أَحكامنا وتصورتنا على حماس ؟؟ ولِنرجِع بذاكرتنا كمثال إلى يومِ الانتخابات فقد أكدت استطلاعات الرأي على عدم فوز حماس في الانتخابات ؟؟ إلا أن الأمر تَغير وكانت المفاجأة كبيرة أن اِكتسحت حَماس غَالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني لسنة 2006 وحَققت فوزاً ساحقاً أذهل العالم كله ... * إن الحالة التركية تختلف تماما عن الحالة الفلسطينية ،فضلا عن أن الظروف والتجارب والعقبات التي خاضها الإسلاميين الأتراك في دولتهم تختلف تماما عن الظروف والتجارب التي خاضها الإسلاميين الحمساويين في دولتهم الفلسطينية ، والشواهد كثيرة ، ففلسطين لا زالت أرض محتلة ويحتلها محتلٌ همجي شرس مدعوم من المحتل الهمجي الأكبر " أمريكا ". وعند المقارنة يجب أن تكون تركيا محتلة ، فالكثير من المآسي والآلام جرها الاحتلال على الشعب الفلسطيني ، ولازال هذا الشعب يعاني من الخراب والدمار الذي تركته الاحتلال الإسرائيلي ، فالهيمنة الإحتلالية لازالت مسيطرة على الكثير من الأمور ، ولازال الشعب يعاني يوميا من هذا السرطان الإحتلالي ومآسيه الكبيرة ، فكيف لنا أن نقارن هنا بين الحالة التركية والنموذج الإسلامي التركي وبين الحالة الفلسطينية والنموذج الإسلامي الحمساوي الفلسطيني ..؟؟! كما أن مراحل نمو الحركة الإسلامية التركية تختلف عن مراحل نمو حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين ،كما أن ما توفر للإسلاميين الأتراك بالطبيعي مختلف عن ما توفر للإسلاميين الحمساويين في فلسطين المحتلة ، فضلا عن اختلاف المبادئ التي قامت عليها الحركتين ، فالحركة الإسلامية التركية لها مبادئ وأركان تختلف عن مبادئ وأركان حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين ... في الحالة التركية سقطت الأحزاب الدينية في محاولة مواجهة العسكر ؟؟ والسُؤال الهَام هُنا هل يُذكر في تاريخِ حماس أَن وَاجَهت حماس العَسكر الفلسطيني وقوى الأمن ؟؟!! ... اَذكُر هنا تصريح للدكتور نزار ريان احد قيادي حماس ، يَوم أن قَال لا يمكن أن تدخل حركة حماس في مواجهة عسكرية مع السلطة ... وأَكد اَنه إذا رفعت السلطة السلاح في وجه حماس .. فهنا لن ترفع حماس السلاح في وجه السلطة ... ، هذه التصريحات تؤكد على جهود حماس الدؤوبة في حماية الصف الداخلي وحقن دماء أبناء الشعب الفلسطيني ... فحماس حركة تحرر إسلامي وطني تلتزم بنهج فكري قويم ولا تصل بها الأمور إلى الدخول في مواجهة مع العسكر الفلسطيني ... كما أن حماس من أكثر الحركات في فلسطين الذين اكتوت بنار السلطة وسجونها ومرحلة 1996 خير شاهد على ذلك فقد اعتقلت السلطة غالبية قيادات حماس ... والسؤال الذي يطرح نفسه هل دمرت حماس سجون السلطة من اجل إخراج قادتها ؟؟ وهل أعلنت حماس الحرب على السلطة والأمن الفلسطيني ؟؟.. فكيف لنا أن نتنبأ لحماس المواجهة مع العسكر الفلسطيني.. مثلما حدثت مواجهة الأحزاب الدينية للعسكر في تركيا ... ؟!! لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نقارن بين النموذج التركي الإسلامي وبين حكومة حركة المقاومة الإسلامية " حماس " في فلسطين ، فالواقع مختلف تماما ولا مجال للمقارنة بين الواقعين والحالتين .. كما أن فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس في انتخابات المجلس التشريعي لسنة 2006 مَثل خَيار الشعب الفِلسطيني ،ولاقى هَذا الخَيار وهَذا النَهج الدِيمقراطي النزيه تَرحيباً كبيراً من كافة الأطراف العالمية والدولية والإقليمية والعربية ، والشواهد على ذلك كثيرة أولها، احترام الرئيس الأمريكي بوش الابن ليوم الانتخابات الفلسطيني ، واحترام كافة المراقبين الدوليين وتقديرهم للنزاهة التي اتسمت بها الانتخابات التشريعية الفلسطينية ، كما أن دعوة موسكو لحركة حماس تعبر احترام موسكو لخيار الشعب الفلسطيني ، ثم الإحتضان الكبير لفوز الشعب الفلسطيني ونهجه الديمقراطي من قبل الأشقاء في جمهورية مصر العربية ، والاحتضان الكبير لفوز خَيار الشعب في السودان ، فضلا عن أن حركة حماس لا زالت تَلقى تأييداً كبيراً من عددٍ كبيرٍ من الدول العالمية والإسلامية والعربية ، فهذا التأييد الواسع والكبير لهذا الفوز الديمقراطي كيف لنا أن نصفه ونفسره ؟؟!, ولماذا لا نبني عليه تصورات ونتائج لما ستؤول عليه المرحلة القادمة ؟؟! ... * يتوجب علينا أن نكون منطقين في حكمنا على الأمور وألا نُصدر أحكاماً و نتائجاً مُسبقة ... فحركة حماس لا تستطيع التغيير بيوم وليلة ، ويجب أَن تأخذ فرصتها حتى تستطيع تحقيق برنامجها الانتخابي وتحقيق وعودتها بضمان حياة أفضل لأبناء الشعب الفلسطيني الذي انتخبها ومنحها الثقة ... كيف نبني تصوراتنا على أن حركة حماس لا يمكن لها أن تحقق نجاحا كبيرا في حكومتها ، مثل النجاح الذي حققته لنفسها وهي خارج الحكومة ؟؟ ... فالحقيقة تقول أن الإنسان الناجح هو ناجح في كل شيء وفي أي موقعا من المواقع وضعته يحقق إنجاز ونجاح وبطبيعة الحال تكون هناك عقبات أمام هذا النجاح ،ولهذا لا يمكننا الحكم مسبقا على مدى نجاح حكومة حماس ، كما انه مثلما حققت حماس نجاحا باهر وهي خارج الحكومة ... فلماذا لا يتكرر هذا النجاح وهي داخل الحكومة ... في إحدى المقالات السياسية، حول فوز حركة حماس وقيادتها للمرحلة القادمة ، اصدر احد الكُتاب حكماً على العمر السياسي لحركة حماس ... مستنتجاً في ختام مقالته نتيجة أن المستقبل السياسي لحماس قصير والعمر السياسي محدود ، ولعلي هنا أشير إلى ما قال في مقالته واعمل على تفنيده ... فحركة حماس عندما تتشاور مع كافة الفصائل الفلسطينية في سبيل تشكيل حكومة تمثل كافة الأطراف الفلسطينية ليس معاناه أن حماس لا تمتلك شخصيات لقيادة الحكومة ... بل على العكس فحماس لديها الكثير من الخبرات القوية التي تستطيع من خلالها تشكيل حكومة تحظى باحترام الجميع .... إن حركة حماس في تشاورها مع الفصائل فهي تؤسس لمبدأ التشاور مع الجميع بهدف خدمة أبناء الشعب ـ ومبدأ الشورى مبدأ أساسي من مبادئ حركة حماس ـ .. كما أن حماس من الطبيعي أن تواجه ضغوطات من المجتمع الدولي ، ولكن ستتعامل حماس معها هذه الضغوطات بما يخدم مصالح الشعب ويحقق له الخير والرفاهية ،.. أما عن مسألة تفاوض حركة حماس مع إسرائيل في المسائل السياسية ... فهذه مسألة لا زالت قيد الدراسة والبحث على طاولة حماس ، كما أن حماس أعلنت أنها ستتفاوض مع العدو الإسرائيلي في الأمور الحياتية اليومية لأبناء الشعب الفلسطيني بهدف تسير أمور الحياة لأبناء هذا الشعب .. والتفاوض الحياتي لا يعني تخلي حماس عن مبادئها وأفكارها فهو أمر طبيعي فلا زال الشعب الفلسطيني محتل ويقع تحت وطأة الاحتلال ويعتمد بشكل كبير على إسرائيل ، بدءاً من النقود والأوراق المالية، والبطاقات الشخصية وجوازات السفر انتهاءً بكثير من الأمور التي تتعلق في مجال الصحة والتعليم وغيرها من مجالات الحياة اليومية لأبناء الشعب الفلسطيني، كما أن مثل هذه الأمور لا يستطيع الفلسطينيون إنكارها والمُكابرة في القدرة على التعامل بدونها ، فالاحتلال أمر واقع ويجب التعامل معه .. وكما تعاملت حركة حماس مع الاحتلال الإسرائيلي في الانتفاضة الأولى قبل الانسحاب من قطاع غزة وجزء من الضفة الغربية ، باعتقادي ستتعامل حماس مع هذا الواقع الإحتلالي بشكل طبيعي دون أن تتنازل عن ثوابتها ومبادئها الفكرية ... فهل يعني تحويل مريض من غزة لتلقي العلاج داخل مستشفيات إسرائيلية ؟؟ اعتراف بإسرائيل ..؟؟!! وقِس على ذلك باقي الأمور... إن المرحلة القادمة هي مرحلة تاريخية يمر بها أبناء الشعب الفلسطيني وتحمل الكثير من التحديات، فهي مختلفة عن سابقيها بكل شيء ولا زالت هذه المرحلة في بدايتها ولا يجب علينا أن نطلق عليها أحكاما بناءً على تصورتنا واعتقادنا لما ستؤول عليه الأمور، بل يجب علينا أن نُحكم عقولنا في الكثير من الأمور والمسائل ... ، كما انه لا يحق لنا إطلاقا أحكاما علنية وعامة، ونتائج مسبقة على حكومة حماس وقيادتها للمرحلة القادمة ... يجب علينا الإدراك أن حركة حماس ليس ساحر ليقلب الأمور بيوم وليلة ويغير الواقع الأليم الماضي، ويجب علينا إعطاء الفرصة الكافية لحركة حماس من اجل تشكيل حكومتها واختيار الخبرات اللازمة لإدارة هذه الحكومة ، ومن ثم نقارن بين الحكومات السابقة وحكومة حماس الجديدة ونطلق الأحكام والنتائج .. |