وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

العمل الأهلي... والحصاد المر/بقلم :خالد منصور

نشر بتاريخ: 20/02/2006 ( آخر تحديث: 20/02/2006 الساعة: 21:25 )


صعدت حماس.. وهوت فتح.. واتضح مأزق اليسار.... كلمات تشخّص باختصار وجلاء نتيجة الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية... كلمات موجزة وصحيحة، تغني إلى حد كبير عن مئات الصفحات والمقالات التي كتبها الخبراء والمحللون.. لكنها ورغم صحتها، أغفلت أن هناك طرفا آخر خسر المعركة ليس اقل من غيره، وهو مدعو كباقي الخاسرين لتحمل مسئوليته الكاملة عن الخسارة، مع انه لم يكن لاعبا مباشرا في الحلبة أو مجسّدا بكتلة انتخابية تتنافس مع الكتل الأخرى... انه العمل الأهلي بمجموع مكوناته وشبكاته.. وبمؤسساته ذات الطابع الوطني العام وتلك ذات الطابع المحلي المحدود، وبجمعياته التعاونية والخيرية، وباتحاداته الشعبية وبمراكز بحثه ودراساته.

فالعمل الأهلي الذي والى جانب مهمته الأساسية التي تشكل من اجلها-- وهي تعزيز مقومات الصمود للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال-- كان له مهمة أخرى لا تقل أهمية عن مهمته الأولى.. ألا وهي المساهمة بفعالية في عملية التنوير وبناء المجتمع المدني، وترسيخ قيم الديمقراطية والحرية وثقافة المشاركة، في المجتمع الفلسطيني..

ومن اجل ذلك ولأغراض التنمية المستدامة الشاملة، حصلت مكونات العمل الأهلي المختلفة على مئات ملايين الدولارات، التي رصدتها في حينها دول ومؤسسات أجنبية وعربية، كجزء من أموال الدعم التي تقدمها للشعب الفلسطيني.

وبالعودة إلى تقارير المؤسسات العاملة في حقل التنمية، سنجد أن تلك التقارير تتحدث عن مئات وآلاف البرامج والمشاريع التي نفذتها، وغطت من خلالها كل التجمعات السكانية في المدن والقرى والمخيمات، وكل الفئات الاجتماعية-- من نساء وشباب وأطفال وطلاب وعمال ومزارعين ومرضى ومعاقين ومثقفين وغيرهم-- وسنجد أن معظم التقارير كانت لا تتحدث عن النجاح في تنفيذ البرامج فقط، وإنما عن تحقيق الأثر لتلك البرامج والمشاريع.

وفي ضوء معرفة انه وخلال حوالي ربع قرن من الزمان، تم تشكيل أكثر من ألف مؤسسة وجمعية ولجنة أهلية، غطت كل احتياجات المجتمع وكل فئاته ( لدرجة أن المواطن العادي كان في لحظة معينة ينظر إلى تكاثر تلك المؤسسات-- وقد اختلطت عليه الأمور-- بعين عاجزة عن التمييز بين أهداف كل مؤسسة وأخرى ومبررات وجودها ).

وكان المتتبع لوسائل الإعلام يلحظ بسهولة الكم الهائل من الأخبار التي تتحدث عن نشاطات تلك المؤسسات ( من ورش عمل وندوات ودورات ولقاءات وحفلات افتتاح ومهرجانات ختام واشادات من المجتمع المحلي بالبرامج والقائمين عليها).

ولكن إذا استثنينا المؤسسات الأهلية التي تديرها حماس ( الفائزة ) والتي كانت مسيسة إلى حد كبير، وتحمل هوية حماس وتخدم أهدافها ورؤياها.. سنجد أن المؤسسات الأهلية الأخرى المرتبطة بالتيار الوطني العلماني ( فتح واليسار )،أو تنسجم معه بالرؤيا، وهي التي تعتبر الأكثر عددا وتنوعا وتمويلا.. سنجد أنها قد فشلت فشلا ذريعا في بناء قاعدة مجتمعية، تشكل رافدا وعمقا لتلك التنظيمات السياسية، وهو ما ظهر جليا في نتائج الانتخابات التشريعية.

فالتنظيمات اليسارية ذات الباع الطويل في بناء مؤسسات العمل الأهلي، والتي في مرحلة معينة قامت ببناء مؤسساتها الخاصة، كي تجعلها واجهات جماهيرية لعملها السياسي، التفافا منها على قوانين وإجراءات الاحتلال.. هذه التنظيمات ذات العمر الذي يتجاوز العقود الطويلة من السنين.. حصلت على أصوات بالكاد سمحت لها بتجاوز نسبة الحسم ومكنتها من دخول المجلس، وفي أحسن أحوالها نالت عددا اقل من عدد أصابع اليد الواحدة من النواب.

إن عجز التنظيمات اليسارية عن تحقيق الحد الأدنى ( المرضي ) من النتائج - والذي يعود لكونها جميعا تعيش في أزمات متفاقمة، ليس اقلها عدم تجديد خطابها الجماهيري والسياسي، وتشتتها النابع من تضخم الأنا والذاتية في قياداتها، وتحولها التدريجي إلى تنظيمات نخبوية لا تنظيمات جماهيرية -- إن هذا العجز ليس دليل فشل يطال عمل تلك التنظيمات وحدها... بل وهو أيضا يطال مؤسسات العمل الأهلي، ويعتبر مؤشرا على ضآلة حجم تأثير تلك المؤسسات في وعي وثقافة وتوجهات المجتمع-- رغم طول عمرها وضخامة الأموال التي أنفقتها.

إن نتائج الانتخابات التشريعية وقبلها انتخابات المجالس المحلية، والتي جاءت جميعها مخيبة لآمال التيار الوطني العلماني، وخصوصا فصائل اليسار الفلسطيني، هي بمثابة ناقوس خطر دق ويدق كي يتحرك الجميع لتصويب المسار الذي ساروا به طوال السنين الماضية، وإعادة النظر بأساليب العمل وطرق التواصل مع الجماهير، ( التي انساقت في جزء كبير منها خلال الانتخابات وراء مصالحها ).

ويتطلب أيضا من مؤسسات العمل الأهلي حسم أمورها وخياراتها، والتوقف عن التردد الذي صاحب عملها طوال الفترة الماضية، باتجاه الربط الفوري والمحكم لعملها التنموي برسائلها المجتمعية ورؤاها الثقافية والفكرية، ويتطلب أيضا إحداث قطيعة مع النهج الداعي لحياد المؤسسة (الأمر الذي فعلت عكسه تماما حركة حماس)، وهو النهج الذي وتحت شعار المهنية يريد تفريغ المؤسسة من محتواها الجماهيري، وتبهيتها لتتحول إلى مقاول للمشاريع، فالمهنية أسلوب عمل لا غنى عنه لكل العاملين-- سواء منهم الفنيين أو المرشدين التنمويين أو العاملين في الحقول الجماهيرية والسياسية.

وإذا ما كانت مؤسسات العمل الأهلي أمينة على مبادئها التي تأسست هي أصلا من اجل نشرها، وإذا ما كانت أيضا مؤمنة بان ضرورة وجودها ما زالت قائمة-- كرافعة من روافع بناء المجتمع المدني الديمقراطي-- فإنها مدعوّة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، لدراسة مستقبل دورها المجتمعي والتنموي في المرحلة القادمة، باتجاه وضوح خطابها الجماهيري، وتحديد هويتها، الأمر الذي يفترض بها إعادة النظر بهياكلها الإدارية والتنظيمية، حتى تتلاءم هذه الهياكل مع مهماتها القادمة، وحتى تكون قادرة أكثر على المزاوجة الناجحة بين العمل التنموي والعمل الجماهيري، وتجمع بسلاسة بينهما لا أن تفصلهما، وعليها تقديم الخدمات للجماهير بأسلوب يسهل عليها ( أي المؤسسة ) استثمارها، بما يخدم أهدافها المجتمعية، وفي الأساس بناء قاعدة مجتمعية واعية ومدركة لدورها، ولموقعها من الصراع المجتمعي الذي تلوح نذره في الأفق القريب، ومن الاصطفاف الذي ستتحدد معالمه خلال المراحل القادمة

إن هذا الوضع يستوجب بالمؤسسة تعظيم تأثيرها المجتمعي، وذلك من خلال توجيه خدماتها بشكل مدروس، ومضاعفة الجهد المبذول لاستثمار هذه الخدمات ( كون الجماهير تلتف أكثر حول الجهات التي تقدم لها الخدمات، وخاصة إذا ما تم ذلك بنزاهة وشفافية )، كما ويتطلب منها أيضا توسيع انتشارها الجغرافي، بما يتوافق مع إمكانياتها، وان تستثمر أكثر في المشاريع التي تسهم في عملية بناء الإنسان ماديا وروحيا،

خالد منصور
مخيم الفارعة - نابلس - فلسطين