|
الإجماع الفلسطيني التاريخي على نظام الحكم الذاتي/* بقلم/ فهمي سالم الزعارير
نشر بتاريخ: 25/02/2006 ( آخر تحديث: 25/02/2006 الساعة: 21:06 )
هذه هي المرة الأول في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، التي يتشكل فيها ما يرقى لمستوى الاجماع ( تعتبر حركة الجهاد الاسلامي أبرز المعارضين والرافض الرسمي للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية سابقاً)، أول إجماع على مشروع ما يتصل بالقضية الوطنية الفلسطينية، في كل المرات والمحاولات السابقة، منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اليوم، كان الاجماع في حالات الرفض، أما القبول فهي الحالة الأولى اليتيمة والفريده> فلا الكتب البيضاء اشفت غليلنا ولا قرارات التقسيم أو قرارات الأمم المتحده ومجلس الأمن، لا اتفاق الهدنه ولا مقترحات كامب ديفيد، ولا مشاريع الحكماء بدءاً من روجرز وحتى باول وما بينهما من رؤساء الدبلوماسية الأمريكية ومبعوثيهم ومبادرات رؤسائهم، اليوم حالنا مختلف، نجمع على "رفات أوسلو"، وهو في أحط منازله محاقاً، بعدما أجمع عتاة السياسة الاسرائيلية على حتمية " الحلول أحادية الجانب"، وسقوط صفة الشريك حتى عن صناع "إتفاق إعلان المباديء" وتابعيهم. لتحقيق مبدأ التعددية وتأسيس الشراكة السياسية، على طريق تأصيل الديموقراطية في المجتمع الفلسطيني، تتجاوز الفصائل الفلسطينية مجتمعة مباديء أساسية في العمل السياسي، في مقدمها السيادة، التي تميز الدول المستقله عن أشكال الحكم الذاتي المختلفه> هنا يستحضرني الزعيم الفلسطيني الخالد ياسر عرفات، كان يحرص على الدوام على رموز السيادة في كل شيء، بانت في رحلاته المتعدده، في كل عودة له للوطن كان يزهو بالعلم والنشيد الوطني والبساط الأحمر، بعضنا كان يسخر، فهو حتى بانتقاله بطائرته بين الضفة وغزه كان حريصاً على هذه المراسيم، وابو عمار الذي كان الأشد حاجة لتجديد شرعيته الانتخابية، حين حوصر في غرفتين بائستين، حتى قضى غدراً، كان معزولاً ومشككاً في شرعية قيادته لشعبه وهو منتخب، رغم ذلك كان يرفض إجراء الانتخابات الابشرط إنسحاب اسرائيل لمواقعها قبل 28 أيلول 2000، واستعادة السيادة الفلسطينية الكامله على مناطق "أ" التي شمت أكثر من 90% من التجمعات السكاني الفلسطينية، وهي بحد ذاتها اشتراطات خارطة الطريق. فما الذي حصل، قبل الاستفاضةفي ذلك، لا بد من التعريج على ورشة الانتخابات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، الانتخابات البلدية، وهي تسير بكل حيوي وايجابي، وتهدف لادارة شئون الناس والمواطنين المحليه، هي خدماتية بتفصيلاتها بغض النظر عن محاولات تسييس النتائج باعتبارها أداة قياس، للحضور الفصائلي والحزبي، المفصل الثاني، هو المؤسسات والمنظمات الشعبيه وغير الحكومية، وبين لنا جميعاً أنها خارج إطار صلاحيات السلطة الوطنية وقراراتها، وواضح أن عجلة هذه الورشه لم تبدأ بعد، علماً أنها المكون الرئيسي للمجتمع المدني، والتجديد الديمقراطي فيها واجب، ولا يمس السياده، لكنها بقيت على حالها، باستثناء بعض المؤسسات المتناثره من جمعيات ونواد عريقة وليست حديثه. المفصل الثالث من هذه الورشه هو الانتخابات الرئاسية، والتي جرت مع اطلالة العام المنصرم، رغم أن التعليل وجيه إلا أنه كان ملزما، وهو عدم القدرة على تحمل فراغ دستوري، فكيف نكون بلا رئيس بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات، لذا كان لا بد من انتخاب رئيس للسلطة الوطنية. بعض الساسه إقترحوا تعديلا دستوريا يتيح انتخاب الرئيس من المجلس التشريعي" البرلمان"، للالتفاف على الاجراءات الاسرائيلية ومماحكاتها، مستشارو الرئيس المترشح أبو مازن في حينه، رفضوا ذلك لسببين: حتى لا يقال أن هذا تأمين لنجاح "ابو مازن" والتفاف على إرادة الجماهير لا على الاجراءات الاسرائيلية، وبعضهم رفضها حتى لا يتم ترسيم نهائي للصلاحيات الرئاسية الشرفية، التي بدأت ضد الرئيس أبو عمار، وبرغم كل ما سبق، فقد كانت الانتخابات الرئاسية وهي "استحقاق دستوري غير قابل للتأجيل"، كانت تلك خطوة أصيلة باتجاه المساس في عمق السياده الفلسطينية، صحيح أن الرئيس المترشح في حينها " الرئيس أبو مازن"، كان ينظر لحركته أسهل من الآخرين قياسا ، لكنه عانى من التأخير والاعاقه، برغم أنه رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، -الكيان الأساسي الشريك في إتفاقيات السلام-. ولكن الاعتداءات السافره قد وقعت بالفعل على مرشحي الرئاسه الآخرين، ومنهم اعتقال المناضل المترشح بسام الصالحي، والمناضل تيسير خالد، والاعاقة الأمريكية للمرشح الأشقر، واعتداءات على آخرين من مرشحي الرئاسة، كان ذلك يعني المساس المباشر بالهيبة الوطنية، واستكمال تهشيم ملامح السيادة الوطنية فيمن يحتمل أن يكون على رأس الهرم السياسي الفلسطيني. في الانتفاضة الأولى المباركة والمجيدة، وكنت أحد ناشطيها ومن المتابعين كغيري لصوت الثورة من بغداد، جاء في نشرتها الاخباريه المسائية، "أن قوات العدو .. إقتحمت قرية ترقوميا- الخليل، فاستشهد ثلاثة مواطنين وجرح العشرات"، كانت الحقيقة أن الاقتحام أسفر عن جرح عدد من المواطنين، بهذا تكون الصدمة النفسية قد وقعت..وأخذت مفاعيلها، بعد فترة تم اقتحام البلدة، وحدثت المجزره ومجزره أخرى في نحالين قضاء بيت لحم. منذ ذلك اليوم وأنا أعتقد أن اسرائيل تتعامل معنا وفق قانون خاص، قانون التدرج في الاستجابه، تجسد هذا القانون وطبق عشرات المرات كسياسه عامه، وفي هذه الانتفاضه يطبق مئات المرات في قضايا المواطنين وهمومهم اليومية، للضغط عليهم، وهذا القانون العرفي ينفذ بشكل مثالي في الصراع اليومي والسياسي بيننا والاسرائيليين. إسرائيل تدرجت في نزع الشرعية عن الرئيس ياسر عرفات، رويداً رويداً، إذ أقرت بداية بانه ليس شريكاً، ثم منعته من السفر الخارجي فالداخلي، حتى الحصار الشامل في مكتبه بالمقاطعه، وبرغم الهبات الجماهيرية الوفية له، تم التسليم بالقدر. ومثال يساق على ذلك، الحواجز الاسرائيلية على ارضنا، حتى بتنا نتحصل على تصاريح المرور على الحواجز بين مدننا، بل حتى بين قرى وبلدات المحافظه ذاتها كإمتياز، صحيح أن الحاجز قصري لكن التصريح ارادي، ولكن إذا السلوك الفردي في الممر الاجباري مباح، فإنه ليس مقبولا في السلوك السياسي العام. ليس المقصود من ذلك تبيان مدى الاستجابة الفردية لهذا القانون تحت وطأة الضغط والحاجة، ولكن المقصود تبيان مدى استجابتنا التدريجية لنزع مظاهر السياده التي اكتسبناها عبر سنوات سبع من المفاوضات المريره، فكيف جرت الانتخابات التشريعيه 2006، وكيف قبل الجميع بشكلها دون مستوى انتخابات 1996 فعلياً، فهل كانت شراهة الأحزاب وجموحها نحو الحكم والسلطان أغفلتها عن القضايا الاستراتيجية. لقد أعلنت حماس في حينها، عن قبولها بشكل توافقي إذا لم تجر في القدس، وفعليا لقد قبلنا بانتخابات دون القدس، وانتظرنا موافقة الحكومة الاسرائيلية الصورية خلال فترة الدعاية الرسمية وحتى قبل الاقتراع باسبوع، وخلت القدس من مظاهر الدعايه الحقيقية والتفاعل الشعبي والجماهيري معها، وحددت أعداد الناخبين اصحاب حق الاقتراع في القدس، بأن يتم التصويت عبر رسالة يكتبها المقدسي ويبعثها عبر البريد الاسرائيلي للجنة الانتخابات الفلسطيني كرسالة، وتحت إشراف سلطة البريد الاسرائيلي لاختيار ممثليه في "السلطة الفلسطينيه"، وقد تم اعتقال بعض المرشحين في القدس واعيقت حركة عشرات المرشحين وتم توقيفهم لساعات في انحاء مختلفة في الضفة، فضلا عن اعتقال عشرات المراقبين والوكلاء ومسؤولي الدعايه، تم المساس المقصود عن وعي وتخطيط مسبق، باستقلالية وسيادية وهيبة السلطة المشرفه على الانتخابات، علاوة على المرشحين الذين بات عدد منهم برلمانيين ومشرعين في المجلس التشريعي المنتخب، هذا مضافا الى المعتقلين المترشحين وغالبيتهم أصبحوا نواباً، وهي جسدت حالة استجابة نوعية للتخلي عن أهم مستويات السياده، في هذا الجانب علينا دراسة تطور حالنا من استيعاب شعبي ورسمي لاعتقال نائبين في السلطة التشريعية، النائب المناضل مروان البرغوثي، والمناضل حسام خضر، لم نستطع تحريرهما فاصلنا الاعتقال للنواب، ليصبح حدث عادي ومقبول، أصبح لدينا الآن وبمليء إرادتنا تسعة نواب جدد في السجون الإسرائيلية، فهل قبلنا أن يكون برلمانيونا بدون ارادتهم وحريتهم وحقهم المكفول دوليا بالتشريع والمشاركة في النظام السياسي، الرأي العام الذي استوعب أن يعتقل النواب، لا القيادات الوطنية والسياسية فقط، لن يتفاجأ باعتقال نواب آخرين، والأسوء إن نفذت إسرائيل تهديداتها بالاغتيال لبعض النواب، ولربما اعتقال وزراء في المرة القادمة، ولم الإستغراب، فاغتيال القائد خليل الوزير، تطلب قرار مجلس وزراء في اسرائيل، اما في الانتفاضه، فقرار مجلس الأمن المصغر، في هذه الانتفاضه، إغتالت اسرائيل، بالقوة العسكرية، الشهداء القاده السياسين من الصف الأول،القائد أبو علي مصطفى، الشيخ أحمد ياسين، والشيخ د. عبد العزيز الرنتيسي، وبينهما عشرات القيادات العسكرية من الصف الأول، فماذا كانت ردة الفعل، وعلاوة على ذلك، يجمع الشعب الفلسطيني على أن اسرائيل هي المتسبب المباشر في اغتيال الرئيس الشهيد ياسر عرفات، واسرائيل ستستمر في تطويع الراي العام، للمساس كلما أمكن ذلك بالصلاحيات السيادية والهيبة، وصولاً لأسوء أشكال الحكم الذاتي، أساسه المسؤولية المدنية على الإنسان الفلسطيني. وهنا دعوة مفتوحة، لجعل اليوم الأول لانعقاد المجلس التشريعي المنتخب، يوم انطلاق حملة شعبية واسعة لا تتوقف الابالافراج عنهم لممارسة مهامهم النيابية. منذ اوسلو وحتى الانتخابات التشريعية، كنا بسلطة حكم ذاتي تقودها فتح وتحاول تطويرها يتعزز سقفها التفاوضي بوجود معارضه عريضه تتزعمها حماس وتضم اليسار، شكلت عمقا تفاوضيا استراتيجيا على الدوام، بتنا بسلطة حكم ذاتي تتزعمها حماس( المعارضة السابقة)، دون معارضه، باستثناء الجهاد الاسلامي ما لم يشارك في الحكومة. سقف هذه الحكومة منخفض وإن علت الأصوات، وهي أمام خيارين، إما الاندماج التدريجي في الخط التفاوضي وهذا سقفه الأقصى مقترحات كامب ديفيد، التي تنصلت منها كل الأحزاب الاسرائيلية، وهذا شريطة موافقة حماس على شروط المجتمع الدولي، المتمثله في الإعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والاستعداد لمفاوضات ماراثونية مع إسرائيل، علما أن حماس لم تتجاوز أسبوعا حتى التزمت بكل الاتفاقيات السابقة مع اسرائيل وأعلنت مطالبتها بدولة فلسطينية في حدود 1967، وإما الابقاء على مواقفها المعلنه، بعدم الاعتراف أو التفاوض، وهذه ليست وصفه فقط، بل المباشره في تعبيد الطريق أما "خطة الانفصال الأحاديه الثانية" من الضفة الغربية، الإنفصال بالتفصيل والرغبة الإسرائيليه وحزب كاديما الصاعد، فمن شاء ورغب اقبل، ومن أعرض أدبر، هذا ما حصل بالفعل في غزه، المفاوضات بين الجانبين كانت تدار من قبل الجانب الاسرائيلي لإثبات إنفصال أحادي الجانب، فما يتفق عليه في الليل ينفذ عكسه في الفجر، والعكس صحيح في كل تفاصيل الإنسحاب حتى معبر رفح. لقد نجح الرئيس الفلسطيني في وضع فصائل معارضة اوسلو على بداية طريق العمل السياسي، وفق متطلبات المرحلة، لكن حماس فشلت في الدخول التدريجي للمعترك السياسي، وبدلا من كتلة مانعة في المجلس التشريعي، أصبحت حماس القوة الأولى فيه، الأمر الذي لم يكن في الحسبان، ولم يكن أحد متهيئا له، في كل مركبات النظام السياسي وهيئاته، ولكن الخاسر الأكبر للآن هو القضية الوطنية من حيث الافتقاد لقوى مانعه تؤمن المشروع، وإذ يسجل لفتح بقيادتها التاريخية، أنها لم تساوم على ثوابت الاجماع الوطني، فقد تم استقطاب حماس، للخط السياسي المعتدل، وباتت المشاركه في " سلطة الحكم الذاتي" كما وصفوه على الدوام مباحه، الأمر الذي يفسر شعبيا وسياسياً على أنه إقرار بحكم ذاتي غير سيادي، دون مستويات بعض أشكال الحكم الذاتي في بعض بقاع العالم. وتبقى التساؤلات المشروعه، هل يمكن تطويع الاسلام السياسي عبر البوابة الأكثر التهابا، بوابة القضية العربية والاسلامية الأولى فلسطين، وهل يمكن تطوير أدائنا السياسي الى درجة الأمان قي القضايا الاستراتيجية عبر منظمة التحرير، وهل تمتين السلطة الوطنية ومؤسساتها يحتاج الى هذه المقايضه السياسية لدرجة الإجماع على الحكم الذاتي. |