وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

أصبحنا أكثر تهذيبا في زمن الكورونا

نشر بتاريخ: 11/04/2020 ( آخر تحديث: 11/04/2020 الساعة: 11:33 )
أصبحنا أكثر تهذيبا في زمن الكورونا
الكاتب: السفير منجد صالح

الإنسان لا يعدو إلا ان يكون مجموعة من العواطف والاحاسيس والفعل وردّات الفعل، يمكن ان تتبدّل وتتغيّر بحسب الظروف المحيطة والاشخاص الذين هم معه على تماس يومي أو متباعدين بتفاوت، في البيت وضمن العائلة وفي العمل وفي المجتمع. حتى ان الإنسان يمكن ان يتصرّف في نفس الظرف بصورة مختلفة عن تصرّفه في المرّة السابقة. ويتحدّث بأكثر من لسان ولهجة ونبرة صوت في نفس الجلسة، تبعا لمن يتخاطب معه ونوعيّة هذا الشخص وطباعه وثقافته، ونوعيّة وكيفية إدارة التخاطب او الحوار وكُنهه.

ومن دون أن ندخل في امور فلسفية وأن نلف وندور و"نُهرّول" في حلقة مفرغة ونجهد انفسنا في البحث عن إجابة لمن خُلق اوّلا البيضة ام الدجاجة، لنأخذ الامور ببساطة وننظر الى ذاتنا في الشهرين الاخيرين في زمن الكورونا ونسأل سؤالا، هل تغيّرنا واصبحنا اكثر تهذيبا وصبرا؟؟  أعتقد أن الجواب إلى حدّ كبير بالتالي نعم، على الاقل ينطبق ذلك على مُعظمنا الذين نملك حسّا إنسانيّا متورّدا وعواطف طبيعية، لا نكبتها ولا نقمعها حتى نبدو امام الغير بأننا اكثر جديّة، بتقطيب الجبين وتحمير العين ونفرة نرفزة في كل مناسبة وحين.

صحيح أن "الإنزواء" في البيت تفاديا لسطوة سوط الكورونا يخلق أجواء جديدة وربما ثقيلة على الكثير من عباد الله والبشر، المغرومين بحب "شمّة الهواء" والسهر، لكن صحيح أيضا أنّها مناسبة، طوعية أو قسرية، على حد سواء، للتفكير والتبصّر في أمور كثيرة من حياتنا لم تكن بالضرورة على المستوى المطلوب من القيافة والثقافة والمبادئ والاخلاقيّات العالية.

فهل من المعقول أو المقبول أن يستلّ شقيق خنجره ويغرزه في بطن شقيقه لأنّه "سبقه" وأوقف سيارته في الشارع أمام بيتهما المشترك؟؟ الذي ورثاه عن والدهم وتربّيا فيه صغارا وتداولا على لبس سراويلهم الداخلية اطفالا، وأكلا من نفس الصحن وشربا من نفس الكأس، وسمعا معا وعلى نفس الفراش أو "الحصيرة" حواديث أمّهما الليلية عن ليلى والذئب والشاطر حسن والسندريلا الناعمة وروبنسون كروزو في الجزيرة النائية.

وماذا تساوي الحياة، وما هو طعمها ولونها وذوقها و"كنهها" عندما يجزم شقيق أنه يتمنّى لو أنّه يستطيع أن يسدّ الهواء عن شقيقه وزوجته وأولاده لمجرّد أنّهما إختلفا على متر ارض مشترك بينهما تنازعا على احقية ملكيّته و"تجرجرا" أمام المحاكم خمس سنوات دون الوصول الى حل يُرضي الطرفين "الشقيقين"؟؟؟!!!

وكيف يمكن أن نستوعب أن صديقا مرّ على صديقه ليسلّم عليه ويطمئن على أحواله بعد إنقطاع شهرين وعندما يصل الى المؤسسة التي يعمل بها مديرا عاما، كونه كان كادرا كفؤا ومعتبرا عمل في الخارج وعاد الى الوطن مفعما بالحيويّة وحب الارض، فيجد مكتبه مُقفلا، وعندما يسأل عنه مستغربا سبب عدم وجوده وقفل مكتبه يأتيه الجواب الصاعق: "ألم تدري، لقد قتله إبن عمّه"!!!

والقصة الفاجعة أن المدير العام الخمسيني، طويل القامة قوي البنية أخضر العينين، إختلف مع إبن عمّه الشاب العشريني على متري أرض في الطريق الترابي الفاصل بين بيتيّهما. فتجادلا وتنابزا بالألقاب وكرّا وفرّا "بالمعركة العائلية"، "فلكش" الكبير الصغير "لكشة" خفيفة كونه ابن عمّه الصغير ولا يجوز أن "يُكبّر كلامه" معه ويرفع صوته عاليا عليه. فما كان من ابن العم الصغير، وفي خضمّ فورة وثورة غضبه، إلا أن اسرع الى بيته ورجع منه مسرعا مشمّرا عن ساعده، وأشهر مسدسه في وجه ابن عمه، الذي هو بمقام والده عمرا وقدرا، وأطلق عليه النار من مسافة متر، بدل المترين، وأرداه صريعا.

هذه الأمثلة التي أسوقها للتو ليست ضربا من ضروب الخيال ولا الغموض من "الحبكات" الدراميّة في روايات أجاتا كريستي البوليسية، لكنها قصص ووقائع واقعية، للاسف الشديد، حصلت وحدثت في بلادنا مع أناس من لحم وشحم ودم، يدّبون أو كانوا يدبّون على ثرى هذه الارض، واصبحوا اثرا بعد عين، "مدبوبين" تحت الارض، بسبب خلاف على موقف سيّارة او خلاف على متر ارض. كان من الممكن تفادي كل هذه المصائب بكلمة طيبة او بسمة عريضة أو تربيت اليد على الكتف او شرب فنجان قهوة معا.

في زمن الكورونا من الواضح أننا اصبحنا اكثر تهذيبا وأجمل صبرا واقلّ تسرّعا و"رعونة"، وبالطبع اقلّ إحتكاكا مع بعضنا البعض، فالإحتكاك يولّد الشرارة، والشرارة تكبر وتحرق ما حولها، وبعدها نحتاج الى "حلم ربّنا" وإلى "صبر أيّوب" حتى نستطع إطفاءها و"دمل" آثارها الكارثية.

يقول المثل الصيني: "خير لك أن تُنير شمعة من أن تلعن الظلام". وتقول الحكمة أو المثل: "إطلبوا العلم ولو في الصين". وكل الدلائل تُشير بأن الصين ستُظلل المشهد الدولي في الأعوام القادمة تماما كما فعلت منذ الإعلان عن فيروس كورونا. وفي خبر وصل للتو من الصين بأنّها أصدرت قانونا تمنع بموجبه أكل القطط والكلاب بعد جائحة الكورونا. مما يّدلل على أنُها أصبحت اكثر تهذيبا وإنسانية بعد تفشّي الفيروس في ووهان وإستطاعتها بإقتدار وفن السيطرة عليه، ومدّ جسور خبرتها وإنسانيّتها المتورّدة الى إيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول التي هي بأمسّ الحاجة للمساعدة والتضامن في مثل هذه الاوقات العصيبة التي تمر بها البشريّة جمعاء.

أصبحنا أكثر تهذيبا وصبرا وإنسانية ولم نعد نُخرج نصف أجسادنا من شبّاك السيارة حتى نصرخ على السائق الذي توقّف أمامنا، دقيقتين فقط، من أجل إنزال طفلته الجميلة الى باب روضتها توخّيا وحرصا لضمان سلامتها ووصولها بأمان الى صفّها. لم نعد نُدخّن في أماكن مغلقة معلّق على جدرانها يافطات مكتوبة بخط جميل كبير "ممنوع التدخين". أصبحنا ننتبه الى زقزقة العصافير الصباحية على افرع الأشجار في شوارع حيّنا، تلك العصافير التي لم نكن نُعرها اي إنتباه في "عجقة" وعركة حياتنا الصاخبة. أصبحنا ننتبه اكثر، من على شرفة منزلنا، لحنّون وأزهار الربيع بالوانه الزاهية وطلّاته المتعددة.

جورج كلوني، الممثل الأمريكي المعروف وزوجته المحامية الشهيرة أمل علم الدين، لبنانية الاصل، يتبرّعان باكثر من مليون دولار للمساعدة في تخفيف تداعيات فيروس الكورونا، حيث سيوزّعان تبرّعهما على ست مؤسسات خيرية منها بنك الطعام في لبنان ومنطقة لومبارديا في إيطاليا وقطاع الخدمات الصحيّة في بريطانيا الى جانب مساعدة زملاء جورج في هوليود الذين تضرروا من توقّف صناعة السينما بسبب فيروس الكورونا.

هاتف الملياردير بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، رئيس كوريا الجنوبية "مون جيه إن" ووجه له التحية والشكر لجهود بلاده في التغلّب على فيروس الكورونا، حيث إعتبر غيتس ان كوريا الجنوبية تُعدُّ أنموذجا يُحتذى في مكافحة الفيروس. كما ثمّن غيتس قيام كوريا الجنوبيّة بتزويد الدول النامية بأدوات تشخيص الكورونا، مما يُدلل على نجاح التجربة الكورية الجنوبية.

العالم كلّه يتغيّر بدوله وجماعاته وأفراده. ينحو ان يكون اكثر إنسانية وتضامنا في مواجهة خطر فيروس كورونا الداهم.

دولتان فقط، الى جانب "ماكرونيزيا"، تشذّان عن القاعدة الجمعية الدولية، وكل قاعدة لها إستثناءاتها، ألا وهما الولايات المتحدة وإسرائيل. فرئيس الولايات المتحدة، الطاووس الاشقر ترامب، ما زال في غيّيه يعمه. كثّف من "حضوره وطلّاته" وزاد من تصريحاته المتناقضة، فتارة يسخر من كورونا وتارة يصفه بالفيروس الصيني وتارة يُهاتف الرئيس الصيني طالبا المشورة والمساعدة وتارة يعتبر موت مئة الف امريكي ضحايا للفيروس أنجازا محتملا لإدارته.

 وما زال بكل صفاقة يفرض الحظر على إيران بالرغم مما تعانية من تفشّي الكورونا فيها وتضرر نظامها الصحّي بفعل وطأة الحصار. وفي أحيان يعمل ترامب قرصانا يلف إحدى عينية بشريط اسود لاصق و"يُقرصن" شحنة طبّية كانت متّجه الى ألمانيا. وقد حاول سابقا رشوة مختبر الماني يعمل على إنتاج لقاح للفيروس بمليار دولار كي يحتكر إنتاج وبيع اللقاح، لكنه إصطدم مع عنفوان ورفض الجنس الآري، الذي بالرغم من ان الألمان ما زالوا يرزحوا تحت "بساطير" جنود المارينز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلا انهم لم يفقدوا إعتزازهم الوطني بأنفسهم ورفضوا "الصفقة" الترامبية رفضا باتا.

وإسرائيل التي لم تُغيّر ولم تُبدّل من سياستها وإحتلالها تجاه شعبنا الفلسطيني حتى في هذه الظروف الإستثنائية العصيبة التي تمر بها المنطقة والعالم بسبب "هجوم" فيروس الكورونا، فما زالت تهاجم، متناغمة مع الفيروس، أهلنا في القدس وفي الضفة الغربية وتقيم مواقع إستيطانية جديدة "تحت جنح ظلام الفبروس" وجنح ظلام إحتلالها البغيض، تقلع الاشجار المثمرة، وتُغير ليلا وتعتقل شبابنا لأسباب تافه واهية. فهل من المعقول أن تعتقل شبابنا في القدس لمجرّد قيامهم بتعقيم شوارعهم وساحاتهم ورياض أطفالهم؟؟!! تعتقل وزير شؤون القدس ومحافظ القدس لمجرّد قيامهما بواجبهما تجاه أبناء شعبنا في القدس في هذه الظروف الصعبة في زمن الكورونا. تقتحم بيوتهم وتحطّم أثاثها و"تسرق" مبالغ مالية منها.

الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في هذا العالم الذي يواجه فيروسين في نفس الوقت، فيروس الكورونا الصغير غير المرئي، وفيروس الإحتلال البغيض المرئي والواضح وضوح الشمس، الحالك كظلمة الليل.