وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الاتّحادُ الأوروبيّ يمرضُ ولكنَّه لا يموت

نشر بتاريخ: 14/04/2020 ( آخر تحديث: 14/04/2020 الساعة: 02:30 )
الاتّحادُ الأوروبيّ يمرضُ ولكنَّه لا يموت
الكاتب: د. ياسر عبدالله

كَثُرَ الحديثُ مؤخَّرًا عن فُرَصِ تراجُع الدَّورِ الأوروبيّ في هذه الفترةِ بعدَ انتشار فايروس كورونا ، كما أنَّ انهيار المنظومةِ الصحِّيةِ في إيطاليا وإسبانيا وفَرنسا دون تدخُّل الدَّور الأوروبيّ والوقوف في وجه هذا الانهيار، تركَ الحديثَ مفتوحًا للمُحلّلين والمُتربِّصين بالاتحاد الاوروبي لكي يستَبقوا الأحداثَ ويحكموا على نتائجِ معركةِ كورونا مع النِّظام العالميّ الحاليّ، وعلى فُرَص التغيُّرِ المُحتمَلةِ التي تشمل احتماليّة ظهور نظامٍ عالميٍّ جديِد مُتعدد الأقطاب.

إنَّ جائحة كورونا ما هيَ إلا غيمة عابرة على العالمِ أجمَع ولم يقصر تأثيرُها على الاتّحاد الأوروبيّ فقط؛ لذا فإنَّ دورَهُ مازال قائمًا وموجودًا، وإنْ حدثَ تغيُّرٌ في النظام العالميّ فهو لن يرتقي إلى درجة التغيُّر الجذريّ، إنما في طبيعةِ العلاقات الاقتصاديّة والسّياسيّة الدوليّة؛ فمثلًا أمريكا ستبقى قطبًا رئيسًا مُهيمنًا على السّياسية الدّولية، حتى وإن صعدَت الصّينُ السُّلَّمَ السياسيّ إلا أنها لن تَرقى إلى تلك القوّة التي تكبَح جِماحَ التَّغطرسِ الأمريكيّ ولن تستطِع الهَيمنة على دول العالم، أما روسيا فهيَ الدُّبّ الغائِب الصّاعد إلى قمةِ إفرست بهدوءٍ وصمتٍ دونَ أن يتغيَّر شيءٌ على دورِه ومكانتهِ في العالم، بل قد تكون فرصتهُ الكبرى في احتدام الصراع الصينيّ الأمريكيّ للسيطرة على العالم، وإن كانت الصين لا تُظهر طموحَها السياسيّ، لكنّها تستعرضُ قوّتَها الاقتصاديّة وتسعى إلى الهيمنةِ على العالم اقتصاديًّا.

كثُرَ الحديثُ حولَ الاتّحاد الأوروبيّ خلالَ الأزمةِ التي تجتاح العالمَ والتي عصَفَت بدولٍ كُبرى وأصابَت بهدوءٍ دولًا أخرى؛ هناك من يقول أنَّ الاتّحاد الأوربيّ سيخرجُ من الأزمة مفكّكًا، والبعضُ يقول أنّ هناك تحالفات جديدة لدولٍ أوروبيّة مع الصين، كما يُوجدُ مَن يؤمنُ بنظريةِ المؤامرة، وهؤلاء يقولون أنَّ أمريكا تستهدفُ الصّين والاتّحاد الأوروبيّ، وآراء أخرى تقول أنَّ الصين أذكى من الجميع وهيَ من تُدير الأزمةَ؛ إلا أنَّ الاتّحاد الأوروبيّ سيبقى قائمًا حتّى بعد انتهاء أزمةِ كورونا، وسيخرج منها مُتَّحِدًا؛ لأنَّ العالمَ يحتاجُ إلى قُطبٍ ثالثٍ يحفظ التوازن السياسيّ الدوليّ، خاصّةً بعد أنْ تضاءَلَت فرَصُ تفرُّد أمريكا بالهيمَنة على العالمِ وخروجِ الصين من الأزمةِ متماسكةً اقتصاديًّا وسياسيًّا، فلُعبةُ المصالحِ قد تجعل الصين وأمريكا تتقاسمان الهيمنةَ الاقتصادية والسياسيّة على العالم، أما خروج الاتحاد الأوروبيّ مُتماسكًا ومُتّحِدًا من هذه الأزمة فهوَ مهمٌ لضمانِ توازن السياسة الدوليّة .

لقد لعبَ الاتّحادُ الأوروبيّ دورًا هامًّا خلال العقودِ الماضية، وقد ساهم في كسرِ القرارِ الأمريكيّ في العديدِ من القضايا الدوليّة، وفي مقدّمتها القرارات المُتعلِّقة بالقضيّة الفِلَسطينيّة ، الأمر الذي أزعجَ أمريكا والإدارة الأمريكية وحليفتها – إسرائيل – وقد أصبح تفكيكُ الاتّحاد الأوروبيّ أحدَ أهدافِ الإدارةِ الأمريكيّة والصّهيونيّة في العالم. إنَّ قوةَ الحقِّ في العالم تكمنُ في تحالفِ الصين مع الاتّحاد الأوروبيّ وتشكيلِ قُطبٍ جديدٍ في العالم يجعلُه يضبطُ الصراعاتِ العالميّة ويكبحُ جِماحَ الهيمنةِ الأمريكيّة الرّوسية والوِصاية على دول العالم الثالث، والأمر منطقيّ وقابل لأنْ يتحقّق، فالصين تمدّ يدَها للعالمِ، ومن أجل سيادةِ الحقّ في الأرض والاتحاد الأوروبيّ يرفعُ شعارَ الحقِّ على الأرضِ؛ فإن تحقيقَ تحالُفٍ مثل هذا يجعل العالم يسير نحو مرحلة جديدة تسودها المحبةُ والسَّلام، وتجعل قُوى الظلامِ تنكمشُ على ذاتها وتبتعد عن مُحاولتها للسيطرة على دول العالم الثالث ونهبِ ثرواتِ دولٍ أخرى .

سيرى العالمُ أنَّ الاتحاد الأوروبيّ بدوَلِه وشعوبِه هو من سيلعب الدورَ الرّئيس في التغيُّر العالميّ المُرتقَب ، وأنَّ أيَّ تحالفاتٍ جديدةٍ لن يكونَ الاتحاد الأوروبيّ بعيدًا عنها ، وأنّ قوةَ الاتّحاد الأوروبيّ وخاصّة إذا تقرَّبَ مِن الصّين فإنّ ذلك سيكون من أفضلِ الخيارات لفترةِ ما بعد أزمةِ كورونا، وهذا الأمر يحتاج إلى سنوات حتى تتبَلور الفكرةُ ويلمسُ العالمُ التغيُّرَ الصحيّ في موازين القوى الدولية؛ لذا فإنَّ الاتّحاد الأوروبيّ يمرضُ ولكنَّه لا يموت، وهو رقمٌ يصعبُ تجاهلُه في أيِّ تحالفاتٍ جديدةٍ، كما أنّ العالمَ العربي ينتظرُ التغيُّرَ العالميّ ويحلم بأن يكونَ للصّين والاتحاد الأوروبيّ دورًا رئيسًا، كما يحلم أنْ تُشكِّلَ قُطبًا قادرًا على الوقوف في وجه التفرُّدِ الأمريكيّ الصّهيونيّ في السّياسية الدوليّة، وفي هذه الحالة على العالَم العربيّ أن يدعمَ التَّقارُبَ الصينيّ الأوروبيّ على حسابِ المُخطَّطِ الأمريكيّ الصُّهيونيّ الذي يَسعى إلى ترويضِ الصّين وفرضِ تحالفِ المصالحِ معها، بحيث يخدم مصالحَهم لا مصالح العالم .