نشر بتاريخ: 17/04/2020 ( آخر تحديث: 17/04/2020 الساعة: 17:59 )
استاذ علم الاجتماع، الإستشاري النفسي الاجتماعي في كلية كينج الجامعية بجامعة وسترت أونتاريو، لندن، كندا
يعيش العالم في هذه الأوقات حالة من التراجع في علاقاته الدولية وتدهور في الأوضاع الاقتصادية وضعف وخلل كبير في النظام الصحي العالمي، ان كان منه الوقائي او العلاجي. ومهما تنوعت الإمكانيات عند هذه الدولة او تلك في القدرات من أجل مواجهة جائحة فيروس كورونا الا ان الحالة مازالت في تخبط وعدم القدرة على إيجاد علاج لهذا الفيروس الفتاك. بل ان ما أظهرته بعض الدول في علاقاتها الدولية في هذا الجانب كان ضعيفا وسيئاً بل ومخزياً، مظهرا أنانية وجشع الدولة الرأسمالية في التعامل مع الإنسان والبشرية.
وفي نفس الوقت لقد تغيرت مفاهيم ونظريات تغنى بها الكثير من دول العالم المتحضر منها الديمقراطية، وحقوق الانسان، وحقوق الحيوان، اهمية التنسيق والتعاون الدولي لمواجهة الأمراض الخطيرة المستعصية والازمات الصحية، الكوارث الطبيعية، ومشاكل الحروب بالعالم.. وغيره. واصبح دور الإعلام وطرقه الحديثة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أقوى وسيلة في كشف وتعريه سيطرة النظام العالمي "المتحضر" دون استثناء.
حيث اصبحت وسائل الاعلام لها أدوات وادوار جديدة غير تقليدية. فاصبحت متابعة ما تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي من برامج ونقاشات متنوعة بدلا من الطرق التقليدية فيما يتعلق بالحالة الصحية العامة اليوم وموضوع فيروس كورونا، دليل على هذه التغيرات. حيث ان ما ينشر في معالجة هذه الجائحة في مجالات عديدة أصبحت تتغير بشكل درامتيكي، وبدأت حوارات مختلفة جديدة تُظهر قدرة هذه الوسائل الجديدة في ان تصبح أقوى من كل الديمقراطيات في العالم، وتعرف الإنسان على قدرة وسائل التواصل الاجتماعي لتحل في أدوارها الصدارة في علاقاتها مع حياته على مستويات متنوعة، بدءاً من أبسطها في تعليم الإنسان أهمية النظافة الشخصية والاهتمام بها كجزء أساسي لمواجهة جائحة فيروس كورونا وتعريفه ممارسات جديدة في كيفية المحافظة على الصحة العامة له من خلال الابتعاد الاجتماعي، وغسل الايادي جيدا بالماء والصابون، والأخطر من ذلك كيف تعاملت وسائل الإعلام مع ذواتنا/انفسنا التي اظهرت لنا مدى حالة العجز الذي نعيشه، والشعور بالفشل وعدم القدرة حتى هذه الأيام في مواجهة فيروس كورونا وبينت لنا على انه اذا استمر هذا المرض لفترة طويلة فإنه سيؤدي للشعور بالإحباط، وبالتالي ظهور مشاكل متنوعة في الصحة النفسية منها الخوف والتوتر والقلق والاكتئاب، والعزلة/الوحدة، والهروب من المدن، وغيرها من الاضطرابات النفسية الاجتماعية التي ستؤدي الى مشاكل اخرى جسمانية، وطبعا درجة ومستوى هذه الاضطرابات على الفرد مرهون بعوامل عديدة وعلى رأسها موضوع الأمن الاقتصادي والقدرة في توفير لقمة العيش للانسان والأسرة، رغم الإقرار بوجود فروقات في قدرات التحمل بين الناس.
والسؤال المطروح: ما هي الانعكاسات والتأثيرات التي ستحصل بعد الكورونا على الصحة النفسية والجسمانية عند الإنسان.
اما الجانب الاخر وهو فشل الدول في مواجهة الأمراض وقدرتها في توفير الامان الصحي للانسان.
وعلى هذا الاساس فإنني ارى أن العالم لن يستطيع تحمل هذا الوضع لفترة طويلة، وأعتقد أننا مقبلين على مرحلة جديدة وهي عملية التكيف مع هذه الجائحة و الأزمة الصحية العالمية (فيروس كورونا).
فان ما تعيشه دول العالم اليوم هو تراجع وتعطيل في مظاهر الحياة البشرية ومنظومة العلاقات الدولية والتي هزت وخلخلت استقرار العديد من الدول، ان كانت منها الغنية او الفقيرة.
واصبحت هناك مجتمعات عديدة بدأت مظاهر تفشي البطالة والفقر المدقع والمجاعة مما سيسبب انتشار أمراض وأوبئة اخرى منها قديمة وأخرى جديدة بجانب ما يحدثه فيروس كورونا، وبالتالي ستقوم دول كثيرة العمل على تجاوز هذه الظروف الصعبة من خلال الرجوع للعمل وتحريك العجلة الإقتصادية تدريجيا والتكيف مع الحالة الصحية العامة مع وضع جملة من الإجراءات الاحترازية في الإدارة الأسرع والافضل لفحص الإنسان العنصر الأساسي في العملية الإنتاجية، الإنسان العامل بالمجالات المختلفة، وهذا لان تكلفة الرجوع للعمل ستكون أقل من تكلفة عدمه في المعادلة الاقتصادية (الربح/الخسارة). وعلى هذا الاساس انني أعتقد من أجل تجاوز هذا الخلل الكبير والذي بدأت فجوته تتسع يوما بعد يوم، بأن العالم سيبدأ في وضع إجراءات واحتياطات تدريجية في نهاية شهر مايو وبداية يونيو للعمل والتكيف مع أضرار فيروس كورونا
من خلال جملة من الإجراءات منها: الفحص الصحي للمسافرين وتعقيم الطائرات والمطارات، والحافلات والقطارات ووسائل النقل، وتعقيم العمال والموظفين والزبائن ومنها التجمعات الكبيرة وتوسيع المساحات بين الزبائن بالمطاعم والجامعات والمدارس والمؤسسات لكي تسير عجلة الحياه بكل النواحي.
وعليه فإنني اعتقد ان الحل الأمثل للتعامل مع هذا الظرف الصحي العالمي، مع خلال العمل على اربع محاور متوازية في آن واحد هما :
١_ التركيز والتشديد على الاجراءات الصحية العامة والخاصة في كل مرافق الحياة.
٢_ البحث والدراسة المكثفة لايجاد الامصال والأدوية في مكافحة هذا الوباء، وأي جائحات متوقعة، وتوفير التأمين الصحي للانسان في كل مكان من العالم كحق من حقوقه.
٣_ توحيد الجهود عالميا لمحاربة كل الجهات والدول التي تسعى لنشر الأمراض الجرثومية تحت أي غطاء أو مسمى.
٤_ دعوة العالم إلى الرجوع الى الله سرا وعلانية، فالله وما جاء عنه من خلال الرسل والرسالات فيه الخير الكثير، وما بقي الإنسان معرضا عنه وعن دين الله حيث الفطرة والطبائع السوية ما بقي الإنسان عرضة للجنوح والانحراف والشذوذ بكل صورها واشكالها، ومنها الطمع والجشع وتصنيع أسلحة الدمار والفتك الشامل للنيل من الإنسان والبشرية.
وبالطبع من خلال هذه العمليات الإجراءاتية الدقيقة ستبدأ دورة الحياة وبالتالي عجلة الاقتصاد بالانتاج والرجوع للحياة مما يزيد من الإمكانيات في تطوير الجانب الصحي لإنتاج علاج لهذه الجائحة وهذا الفيروس ومن خلال التعاون العالمي الكامل والشامل.