وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

إسرائيل وحماس وصفقة الكورونا!

نشر بتاريخ: 18/04/2020 ( آخر تحديث: 18/04/2020 الساعة: 12:51 )
إسرائيل وحماس وصفقة الكورونا!
الكاتب: د. ناجي صادق شراب

تقترب إسرائيل وحماس من عقد صفقة جديدة والفضل الأكبر للكورونا التي لعبت دور الوسيط غير المباشر لتفرض على الطرفين الذهاب لمفاوضات بشأن تنفيذ صفقة أسرى جديدة، وذلك في أعقاب مبادرة القيادي المؤثر في حماس يحيى السنوار، والهدف ليس المبادرة في حد ذاتها بقدر الدعوة المباشرة وفتح باب التفاوض ، ودعوة الطرف الثالث وهنا دور مصر في إلتقاط الدعوة والبدء في التفاوض بشأن طلبات كل طرف ، وماذا يريد من وراء هذه الصفقة؟ وهنا الأسئلة كالعادة كثيرة، لماذا الصفقة الآن؟ وما هي طلبات كل طرف؟ وما حجم التنازلات المتوقعة والممكنة؟ وما فرص نجاحها؟ الإجابة على السؤال لماذا الصفقة الآن يجيب عليها أستاذ العلاقات الدولية زارتمان في عنصر الوقت من أهم العناصر التي تساهم في نجاح أي مفاوضات. إلى جانب الموضوعات والقضايا محل التفاوض، لكن يبقى عنصر نضج الوقت وملاءمته والحاجة المشتركة العامل الحاسم الآن. وهذا هو دور الكورونا أنها خلقت الوقت والجاجة المشتركة. ولم يكن تصور إجراء صفقة تبادل إلا بالخيار البديل وهو الحرب الشاملة التي تغير موازين علاقات القوة ، وما قد يترتب عليها من خسائر، وهو خيار غير واقعي لكليهما، أضف ان حجم التنازلات قد يكون كبيرا لأحد الطرفين وهو امر غير مقبول. اما الآن فالمسألة مختلفة فرغم الحاجة المشتركة لكل من إسرائيل وحماس وممارسة المباراة الصفرية بمعنى الكل رابح وبنفس القدر ، فحماس تذهب للصفقة بكل قوتها العسكرية وهذا عنصر مؤثر، لكنها وبلاك شك تعاني من خيارات داخلية صعبة كثيره قد تكون دافعا للقبول بالصفقة وهذه العوامل: أولا الخوف من تفشي وباء الكورونا في القطاع وهو المنطقة الأكثر كثافة سكانيا في العالم ، وتفشى هذا الخيار قد يتسبب في مشاكل كثيرة للحركة ويخرجها عن القدرة على السيطرة على القطاع، ويضعف من تواجدها وشعبيتها بتحميلها المسؤولية عن هذا الإنهيار، وثانيا الوضع الإقتصادي الهش والضعيف سيخلق أيضا خيارا غير مقبول بتفشي الفقر وإرتفاع نسبته وزيادة درجات البطالة مما يعني زيادة إحتمالات العنف الداخلي وتفشي الجريمة وهذا يعني وضع الحركة وقوتها في مواجهة داخلية قد تفتح آفاق حرب أهلية تمس مكانة الحركة وشعبيتها. وثالثا قيمة الأسرى لدى الحركة بالثمن والمقابل الذي قد تحصل عليه الحركة بتبادل أكبر عدد من الأسرى الفلسطينيين وفي حال النجاح وهو ممكن الآن بدرجة كبيرة ستكون له تداعيات إيجابية كبيرة على مكانة الحركة وشعبيتها وأنها عندما تقول تفعل. رابعا ان الصفقة سيترتب عليها تحسين لصورة حماس الخارجية ، وستسهام في رفع الحصار ولو جزئيا مما يؤدي إلى تحسين الوضع الإقتصادي وفرص الحياة في القطاع ، وهذا من شأنه أن يقوي موقف الحركة سياسيا وخصوصا في موضوع المصالحة الفلسطينية . أضف على ذلك تراجع قدرات الدول الداعمه كإيران وتركيا ، وفي هذا السياق حسنا فعل القيادي يحيى السنوار وبعقلية من يفهم كيف تفكر إسرائيل فتح المبادرة بالحديث عن كبار السن والمرضى والنساء وهم يشكلون عددا غير قليل ، ويشملون على قيادات لكل الفصائل الفلسطينية من فتح والشعبية كمروان البرغوثي وسعدات والشوبكي وكريم يونس وغيرهم كثر من أبطالنا الأسرى. ويدرك تماما انهم باتوا يشكلون عبئا على إسرائيل. وإسرائيل بالمقابل في حاجة لهذه الصفقة في وقت الكورونا وزيادة الخسائر الإسرائيلية أولا على مستوى الإنجاز الشخصي لنتانياهو الذي في حاجة لإنجاز وهو الأقرب في يده في مواجهة تهم الفساد وتقوية مكانته الشعبية وفي الحكومة ، وثانيا إستبعاد خيارات الحرب والحصار في وقت الكورونا لأن هذا سيعرض إسرائيل لمزيد من الإنتقادات والخوف من تفشي الوباء في غزة وزحفه على إسرائيل. وثالثا الخوف من تفشي الوباء بين الأسرى والنتيجة الحتمية الموت ، وإهتزاز صورة إسرائيل داخليا وخارجيا وإعتبار ذلك بمثابة جريمة حرب وقتل جماعي, في الوقت الكثير من الدول تفرج عن بعض المسجونين لديها. ورابعا الأسرى الكبار والمرضى والنساء يشكلون عبئا كبيرا على إسرائيل وهي ملزمة بالإفراج عنهم بدون ثمن في خيار الإفراج عنهم، ومن منظور لا ثمن في السياسة مقايضتهم بأسرى لدى حماس يعتبر بالنسبة لها إنجازا وثمنا سياسيا معقولا، ومقبولا. في هذا السياق يمكن تصور إقتراب عقد صفقة مماثله لصفقة شاليط، وإذا كانت صفقة شاليط تمت بمقايضة الف أسير فلسطيني ، فالمتوقع هنا مضاعفة العدد بشكل كبير. وهنا يأتي أهمية عنصر الوقت المناسب والحاجة المشتركة لكل من إسرائيل وحماس. ومما يعمق من توجه خيار الصفقة أن إسرائيل في مأزق داخلي ، وحماس في مأزق داخلي وخارجي ، فالكورونا أوجدت بيئة داخلية وخارجية دافعة، وأوصلت الطرفان لتصور وإعتقاد أن البديل للمأزق هو صفقة غير مكلفة ومربحة ,وفكرة اللحظة المناسبة تلتقطها أصابع ديبلوماسية الطرف الثالث الذي سيجد الفرصة مناسبة وملائمة له للدخول وتحقيق إنجاز يسجل له في وقت أزمة الكورونا العالمية. وهنا سيبرز دور مصر بشكل مباشر ودور روسيا وممثل الأمم المتحده ميلادينوف ، ولهذا الدور إنعكاسات إيجابية في علاقات حماس مع مصر وروسيا وعالميا ، مما سيزيد من فرص تحسين فرص الحياة في غزة ، ودعم وتثبيت قوتها وجودها وتحقيق مزيد من الشرعية التي تحتاجها الآن. وكما أشار هنري كيسنجر أن الأزمة القائمة أو حالة الجمود الآن في أنسب ظروفها لتحقيق تسوية . وكما رأينا سابقا في العلاقة بين حماس وإسرائيل كثير من المبادرات والحلول أقترحت لكن الوقت والظرف لم يكن مناسبا وناضجا، وفكرة الوقت المناسب أو اللحظة الناضجة ووصول طرفي النزاع إلى تصورات أنهما وجدا نفسهما في طريق مسدود في نزاع لا يمكن تحمل عواقبه ونتائجه، وأن هذا الطريق المسدود مؤلم للطرفين. والخروج من معضلة السجين ومعضلة الدجاجة اللتان وقعا فيهما إلى المبارة الصفرية والكل رابح، وله أن يفسر الصفقة كما يريد على أنها إنتصار يسجل له. عوامل ثلاث ستساهم في إنجاح الصفقة عامل الوقت والحاجة المشتركة لإسرائيل وحماس وتسهيل دور الطرف الثالث، والتراجع عن كثير من المطالب السابقة والمرونة في درجات التنازل والتي ليس بالضرورة ان تكون بنفس الثمن، إسرائيل ستدفع ما تحتاجه حماس وغزه، وحماس ستدفع أيضا ثمنا سياسيا ما تحتاجه إسرائيل، إسرائيل تريد تهدئة طويلة وتحييد للسلاح وضبط للحدود وتثبيت حالة الإنقسام السياسي في زمن إنهاء القضية الفلسطينية ، وحماس تريد البقاء ورفع الحصار وتقنين للعلاقات مع إسرائيل في إطارمن القبول، وفتح نوافذ العلاقات مع مصر وخارجيا ، وتثبيت لوجودها السياسي في زمن ستختفي معه ادوار كثير من الفواعل والحركات من غير الدول ، وفي زمن تحول في العلاقات التحالفية وبتزويد غزه ببنية تحتية من ميناء ومطار يسمح لها بالإستقلالية. صفقة تتجاوز في حدودها التبادل لتشمل الأبعاد والمحددات السياسية التي تحكم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، فلا يمكن فصل اى صفقة وإتفاق دون هذا البعد الخاص بالصراع. فلا يمكن تجاهل أو إسقاط البعد السياسي للصراع في اي صفقة ولا يمكن فصلها عن الإطار العام لمستقبل حركة الأخوان. صفقة سياسية بثوب تبادل الأسرى وستترتب عليها مرحلة سياسية جديده سنرى تداعياتها على العلاقات الفلسطينية الداخلية ودور كل من فتح وحماس وعلى مستقبل الصراع السياسي الفلسطيني الإسرائيلي.