|
لم يقتلنا الفيروس .. بل يقتلنا السأم
نشر بتاريخ: 18/04/2020 ( آخر تحديث: 18/04/2020 الساعة: 14:16 )
صمت لا يكسره سوى التثاؤب ، وانتظار طويل لا يوقفه سوى نشرات الأخبار البائسة التي تزيدنا حيرة وغمّا . حين يفقد الإنسان القدرة على التحكم ، يفقد القدرة على أداء الوظائف الطبيعية . أنت لا تتحكم بوقتك ، ولا تذهب للقاء الأصدقاء ، ولا تسوق المركبة ، ولا تمارس وظائفك اليومية ، ولا ترتدي ملابس العمل ولا تعود من العمل ، لأنك لم تذهب الى العمل أصلا . فقدان القدرة على التحكم يعني انك لم تعد تحمل هويتك التي تدل على شخصيتك . مدير عام يرتدي بيجاما ويقف وسط المطبخ بانتظار أن يشارك في ملح الطبخة . صاحب محل عطور يصلح المجاري . عامل توصيل يأمر أولاده توصيل كل طلباته إلى مقعده المفضّل في زاوية الحديقة تحت شجرة السرّيس . شاعر فقد المشاعر وهربت منه القصيدة إلى أحضان تاجر كمامات . ومحامي يخسر كل قضاياه وهو يتابع المؤتمر الصحفي لابراهيم ملحم . في الطرقات لا يوجد غير العابثون والمتطفلون وصائدو الفيروسات وبائعو الكمامات . طائر المينا الهندي طرد عصفور حسون البلدي وأخذ أغصان شجرة التوت عنوة من دون مفاوضات , كلاب الشوارع نامت ملئ جفونها على خط المشاة . وحفظنا حديقة المنزل شبرا شبرا ، وعلمنا من أين تتسلل القطط إلى بيت الجيران . وعرفنا أن القطط ناكرة للجميل وليس من طبعها الوفاء ومهما رميت لها الطعام فهي لا تحترم أية معاهدات . وعلمنا أن تربية الكلب أصعب من تربية الطفل . ففي وجهه تعابير تدفعك نحو الخجل والشفقة وكأنه يتوسل لك أو يستعطفك لتطعمه أو لتلعب معه . وأن وجه الكلب مليء بالتعبير فيما وجه بعض السياسيين يخلو من أية تعبير يذكر ، ولا يمكن أن تستخرج من وجه نتانياهو أي عطف أو ندم أو شفقة . إمتعظت روحي وأنا أقرأ كتاب أصل ألأنواع لداروين للمرة الرابعة . أبحث عن قصيدة بيروت لمحمود درويش وأقرأ : من مطر بنينا كوخنا، والريح لا تجري فلا نجري، كأنّ الريح مسمار على الصلصال، تحفر قبونا فننام مثل النمل في القبوالصغير
وأتابع القراءة بكل شغف : سبايا نحن في هذا الزمان الرخو أسلمنا الغزاة إلى أهالينا فما كدنا نعضّ الأرض حتى انقضّ حاميناعلى الأعراس و الذكرى فوزّعنا أغانينا على الحرّاس من ملك على عرش إلى ملك على نعش. سبايا نحن في هذا الزمّان الرخو لم نعثر على شبه نهائي سوى دمنا و لم نعثر على ما يجعل السلطان شعبيّا و لم نعثر على ما يجعل السجان وديا و لم نعثر على شيء يدلّ على هويتنا سوى دمنا الذي يتسلّق الجدران ... أنا لا أهاجر مرتّين و لا أحبّك مرتين و لا أرى في البحر غير البحر ... لكنيّ أحوّم حول أحلامي و أدعو الأرض جمجمة لروحي المتعبة و أريد أن أمشي لأمشي ثم أسقط في الطريق إلى نوافذ قرطبة وقبل أن اعود الى السام مرة اخرى اقرأ قبل ان اغمض عيني :
دارت علينا و استدارت .أدبرت و استدبرت هل غيمة أخرى تخون الناظرين إليك هندسة تلائم شهوة الفئة الجديدة طحلب الأيام بين المدّ و الجزر النفايات التي طارت من الطبقات نحو العرش ... هندسة التحلّل و التشكّل واختلاط السائرين على الرصيف عشيّة الزلزال... دارت و استدارت هندسيّتها خطوط العالم الآتي إلى السوق الجديد يُشترى و يباع. يعلو ثم يهبط مثل أسعار الدولار و أونصة الذهب التي تعلو و تهبط وفق أسعار الدم الشرقيّ |