|
البلديات ودورها المحوري في عملية التنمية ومواجهة المخاطر ودفع عجلة الاقتصاد
نشر بتاريخ: 23/04/2020 ( آخر تحديث: 23/04/2020 الساعة: 21:59 )
الكاتب: ربحي دولة
تلعب البلديات دورًا محوريًا وهامًا في جميع المجالات خاصة في ظل الأزمات التي عصفت وتعصف بقضية بشعبنا حتى يومنا هذا وقد أسست أول بلدية في فلسطين في العام ١٨٦٣، حيث اصدر السلطان العُثماني وقتها فرمانا خاصا بإنشاء بلدية القدس ضمن سياسة جديدة اتبعتها الدولة العثمانية بتفويض الحكم للتخفيف عن الحكومة المركزية، حيث عهدت إلى البلديات والتي انشأت ووصلت إلى واحد وعشرون بلدية بالقيام بالخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنين، فيما قيدتها في صرف الأموال، بحيث لم يُسمح للبلديات صرف اكثر من عشر بالمئة من مجموع ما تجبيه من الضرائب والرسوم. وفي عهد الانتداب البريطاني سيطرت حكومة الانتداب على البلديات وعينت فيها أعيان البلد واقطاعييه من اجل فرض سيطرتها على البلديات وتقييدها وإطلاق العنان لليهود لفرض سيطرتهم على الارض الفلسطينية تمهيداً لقيام دولة الكيان، وأجريت الانتخابات لأول مرة في فلسطين في نهاية عشرينيات القرن الماضي تحت إشراف حكومة الاحتلال البريطاني، حيث كانت تتحكم في كل مجريات الأمور بل عينت أعضاءً يهود في معظم المجالس البلدية ومنحتهم صلاحيات واسعة في هذه المجالس. لم يتغير الحال على البلديات بعد قيام دولة الاحتلال على أراضي العام ١٩٤٨ حيث بقيت بلديات الضفة الغربية بيد المملك الأردنية وغزة تتبع الحكومة المصرية التي كانت تعين لجاناً لتسيير حياة المواطنين هناك بعيداً عن الانتخاب، فيما جرت انتخابات بلدية في الضفة من الاردن لكن الحكومة المركزية كانت تستخدم المركزية المُطلقة في الهيمنة على البلديات، وبعد هزيمة العام ١٩٦٧ وفي ظل الاحتلال أجريت الانتخابات مرتين وكانت الثانية تريد منها حكومة الاحتلال خلق قيادة بديلة عن منظمة التحرير عن طريق انتخاب شخوص ضعفاء الإرادة تهيمن عليهم حب السلطة لكن فاجأ الشارع الفلسطيني حكومة الاحتلال من خلال انتخابه لقوائم منظمة التحرير ليتعزز دور المنظمة آنذاك ويقوى النهج الوطني، وكان لهذه البلديات ورؤساؤها الدور الكبير في التصدي لمشروع روابط القرى الذي أسسها الاحتلال من خلال "زلمه" من أجل خلق قيادة فلسطينية من الداخل تتبع للاحتلال لتمرير اتفاق "كامب ديفيد" وقتها. تعرض رؤساء البلديات في ذلك الحين إلى الإبعاد وكان منهم فهد القواسمي ومحمد وملحم والى محاولات اغتيال نفذها مستوطنون حاقدون بحق رئيس بلدية نابلس بسام الشكعة وبلدية رام الله كريم خلف وإبراهيم الطويل رئيس بلدية البيرة، حيث ونجوا من الاغتيال فبترت ساقي بسام الشكعة وقدم كريم خلف، وقد نجا ابراهيم الطويل من المحاولة لاكتشاف الأمر قبل وقت قصير، وقد عين رؤساء يهود لقيادة هذه البلديات، فيما أدت هذه المحاولة إلى إشعال انتفاضة شعبية استمرت عدة أشهر ، وفي العام ١٩٨٧ اندلعت انتفاضة الحجارة وانتهى عصر روابط القرى وكانت هناك العديد من المجالس البلدية التي عُينت من قبل الإدارة المدنية واستقال العديد من المجالس البلدية استجابة لنداء القيادة الوطنية الموحدة التي أدارت الانتفاضة وقتها حتى تأسيس اول سلطة فلسطينية وعودة كوادر منظمة التحرير، حيث تم تعيين مجالس بلدية لجميع المجالس في الوطن من شخصيات تحظى باجماع وطني وعشائري فيما جرت انتخابات تشريعية ورئاسية وبلدية ، وبعد عدة سنوات اندلعت انتفاضة الأقصى والتي عمت خلالها المواجهة العسكرية جميع مناطق السلطة وداخل دولة الكيان فقام جيش الاحتلال بعملية اجتياح وإعادة احتلال للمدن الفلسطينية ومحاصرتها، الا أن البلديات بقيت صامدة تمارس دورها الخدماتي والوطني اتجاه شعبنا ولم تغلق ابوابها لحظة ولم تتوقف عن تقديم الخدمات الأساسية وقد جرت اول انتخابات بلدية في فلسطين في جميع المدن باستثناء الخليل التي تأجلت فيها الانتخابات وقد فازت حماس واليسار في العديد من البلديات المهمة في الوطن ، وكان للبلديات دورهاً مهماً في عملية الإغاثة للشعب، حيث قدمت المساعدات للمواطنين وكانت خير سند لسلطتنا الوطنية التي تعرضت وقتها لأقسى أنواع الحصار والتجويع محاولة من الاحتلال لتركيع قيادتنا وتمرير مخططات احتلاله لكن حالة الالتحام التي حصلت ما بين السلطة والبلديات والشعب أبطلت كل المخططات الصهيونبة، فيما جرت انتخابات للبلديات في العام ٢٠١٢ في الضفة الغربية دون غزة التي سيطرت عليها حماس بقوة السلاح وقاطعت حماس الانتخابيات وشاركت فيها كل تنظيمات منظمة التحرير إلى جانب حركة فتح . بقيت هذه البلديات تلعب الدور المحوري والأساسي في عملية التنمية المحلية ولم يعد دور البلديات يقتصر على تقديم الخدمات فقط وإنما أصبحت تُساهم في الاقتصاد المحلي من خلال شراكاتها مع القطاع الخاص وتأسيس وحدات التنمية الاقتصادية داخل البلديات والتي أصبحت لديها مصادر دخل جديدة من أجل تمكينها من مواكبة التطور الحاصل في المحيط، وأيضاً كان للبلديات دور كبير في إشراك المواطنين في عملية صنع القرار من خلال لجان المساءلة المجتمعية ، وكذلك المجموعات البؤرية التي ساهمت في إعداد معظم الخطط الاستراتيجية في البلديات، وهنا اصبح المواطن شريك في رسم السياسات وتم إزالة الحواجز التي كانت ما بين المواطن والمسؤول، وتم تضييق الفجوات الموجودة بين المجالس والمواطنين واستمر التطور على عمل البلديات وأصبحت إلى جانب الحكومة المركزية في تحمل الأعباء والمخاطر ، فيما تم تشكيل لجان الطوارئ في البلديات إبان الثلوج والعواصف بالشراكة مع غرف العمليات المشتركة في المحافظات . تعدى عمل البلديات إلى أن وصل أيضاً إلى الملف الاجتماعي وأصبح هناك دور للبلديات في مساعدة المواطنين من خلال صناديق خاصة من مساهمات المجتمع المحلي او من خلال لعب البلديات دور الوسيط مع كل الجهات المعنية لمساعدة المواطنين على تلقي الخدمات التي يحتاجونها، فأصبحنا نرى دور كبير للبلديات في دعم الطلبة من خلال الحصول على مقاعد مجانية لأبناء المدينة او توفير أقساط جماعية من المؤسسات والأفراد ليستفيد منها الطلبة المحتاجين، نعم هذا هو الدور الحقيقي والوطني للبلديات التي أصبحت تحمل رسالة وطنية شاملة تجاه مواطنيها وقضيتنا الأم ومن منا لم يلحظ الدور الكبير والمميز التي تقوم به البلديات لمواجهة جائحة كورونا التي أصابت البلاد إلى جانب الحكومة والمحافظين والأجهزة الامنية والطواقم الطبية، فعلى الرغم من حالة الطوارئ والإغلاق التي تعرضت لها المؤسسات العامة في البلاد، إلا أن البلديات أبقت طواقمها تعمل ضمن خطة طوارئ، وشكلت لجان طوارئ من مؤسسات المجتمع المحلي لإدارة الأزمة ولم يقتصر العمل على الخدمات الأساسية من النظافة وغيرها من عمليات التعقيم التي قامت بها طواقم البلديات جنبًا إلى جنب مع كل الجهات الرسمية العاملة إلا أنها تخطت ذلك من خلال إعلان مبادرات خيرية لإسناد ودعم الأسر المحتاجة ودعم كل الذين خسروا مصدر رزقهم نتيجة هذا الفايروس فكانت البلديات عمود من أعمدة إدارة حالة الطوارئ في البلاد والتي كانت فلسطين تتصدر دول العالم المتقدم في كيفية إدارة البلاد واتخاذ التدابير اللازمة وكل الإجراءات الوقائية والتي من شأنها تجنيب شعبنا هذا الفايروس ووقف انتشاره، ونجحت قيادتنا في ذلك وأسهمت البلديات بشكل واضح في هذا النجاح نتيجة التقاطها لكل التعليمات والإجراءات الحكومية وتنفيذها ولعب دور مهم في تعزيز ثقافة الوعي لدى المواطنين لمدى أهمية اتباع كل الإجراءات الوقائية للتصدي لهذا الوباء .* كاتب وسياسي / رئيس بلدية بيتونيا |