|
نحو استراتيجية وطنية لتوظيف التعلم عن بعد في المدارس ما بعد الكورونا
نشر بتاريخ: 26/04/2020 ( آخر تحديث: 26/04/2020 الساعة: 18:06 )
الكاتب: سامية عمر الديك
يعد التعليم الجيد والمنصف والشامل وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع أحد أهم أهداف التنمية المستدامة فهو صالح عام وحق أساسي من حقوق الإنسان وأساس يستند إليه لضمان تحقيق الازدهار البشري. ومع ظهور جائحة الكورونا وما أحدثته من تحولات، وما فرضته من تحديات لإحداث نقلة نوعية في نظم التعليم، وجعل التعلم عن بعد نقطة انطلاق تحتاج الى إعداد أفراد ذوي كفاءة واقتدار في عالم رقميّ اللغة وتكنولوجيّ الاتجاه، مما يستلزم استمرارية التعلم وإكساب الطلبة المعارف والمهارات، وبما يكفل صحة نفسية سوية لهم؛ لأن تنمية الموارد البشرية التي تنتج هذه المعارف هي العامل الحاسم في تحديد قوة المجتمعات، وقد أصبح الاستثمار في مجال التربية والتعليم أكثر الاستثمارات عائدا، وهو أحد أهم المرتكزات والأهداف العامة لسياسة التعلم في فلسطين، وذلك إذا ما أخذنا بآخر ما توصلت اليه التقنية على مستوى العالم، بالتزامن مع الطموح المتزايد في المحافظة على المستوى الأكاديمي الذي يميز شعبنا كأحد الشعوب الأكثر اهتماما بالعلم والعلماء. ومما لاشك فيه أن كثيرا من دول العالم قطعت شوطا لا بأس به في مجال استخدام التكنولوجيا في التعليم سواء كمادة تعليمية، أو من خلال استخدامها في إدارة شؤون الطلبة والمعلمين، أو وسيلة تعليمية. ونتيجة للظروف الراهنة بدأ البحث عن طرق جديدة تحقق وتدعم أهداف العملية التعليمية التعلمية وظهرت مبادرات جادة، ومحاولات للحفاظ على صلة الطالب بمدرسته ولكن الأسئلة التي يجب طرحها: هل كان هنالك يقظة جدية ورؤية مستقبلية واضحة في نظم التعليم داخل المدارس تنسجم مع المعطيات السابقة ذات العلاقة بالتطور التكنولوجي ورقمنة التعليم قبيل زمن الكورونا؟ هل نحن بحاجة لبلورة سياسات واستراتيجيات توظيف التكنولوجيا لإعداد الخطط وتنفيذ المشاريع لدفع الجهود البحثية والتطويرية في مجالاتها ونشر استخدامها في المنظومة التعليمية؟ هل يجوز ترك التوظيف للتعلم عن بعد لهذه التلقائية والعفوية؟ وهل سننظر الى المستقبل من حيث ما سيكون عليه التعليم ما بعد الكورونا؟ إذا كان التعليم هو المدخل الحقيقي للتنمية الشاملة يجب رسم خريطة واضحة لتطويره، وعلينا أن نسخر قوى العلم والتكنولوجيا، وتحويل سياسات التعلم الراهنة إلى سياسات متقدمة تمتلك القدرة على التخطيط لوضع استراتيجية وطنية توظف التعلم عن بعد في الظروف العادية، وأن تُهيّأَ كل الإمكانيات المادية والبشرية، فلم يعد تحصيل المعرفة هو الأهم؛ لوجود مصادر متعددة للتعلم، بل أصبحت تنمية المهارات والحصول عليها وتوظيفها وتوليد المعارف الجديدة هي المطلب الرئيس، وهذا يتطلب وجود مناخ تعليمي مناسب يعي ويستوعب الإمكانيات الحديثة لأسلوب التعلم عن بعد وتكنولوجيا الوسائط المتعددة، والمعامل الافتراضية، والمكتبات الالكترونية؛ لتحسين المتغيرات المستقبلية لمنظومة التعليم . وهذا يعيد النظر في ضرورة تصميم المناهج التعليمية والدروس الالكترونية بما يحقق معايير الجودة، وبما يمكن الطالب من الوصول إليها كيفما يشاء ومتى يشاء، وبما يتناسب وتفريد التعلم، بحيث تتضمن أنشطة تعليمية متنوعة ومهمات تقويمية، وبدائل مختلفة ذات هدف محدد تراعي أنماط التعلم والذكاءات المتعددة والفروق الفردية، ووجود خطط بديلة لمن لديه ضعف في مهارات القراءة والكتابة والمشاكل صحية كالبصرية والسمعية، والطلبة ذوي الاعاقة، مع ضرورة تنوع في الاساليب التي ينفذها المعلم في التعلم، والعروض التفاعلية التي يقدمها لطلبته حيث سيصبح المرشد والموجه والمصمم. مما يتطلب تطوير مهارات الطالب في نظم تشغيل الحاسوب، والتعامل مع الوسائط المتعددة بكفاءة وفاعلية، وتنمية قدراته في التصفح والبحث، وتطبيقها في الظروف العادية والوقوف على أهم التحديات التي تواجه كل مدرسة على حِدة؛ لأن لكل منها خصوصية تختلف عن الأخرى. ولاستثمار هذا النوع من التعلم نحتاج لخطة متكاملة، واستراتيجية واقعية ترتكز على أربعة مجالات رئيسة وهي : - إدارة التعلم عن بعد: ضرورة تحديد جهة رسمية تخضع برامج التعلم عن بعد وبما تتضمنه من تجهيزات وبرمجيات لإشرافها ومتابعتها، وبما يحقق معايير الجودة ومتابعة مدى امتلاك المعلمين القدرة على تصميم الدروس الإلكترونية التي يجب أن لا تتجاوز مدتها عن سبع دقائق، وتوزيع المسؤوليات مع وصف دقيق لأداور كل من مدير المدرسة والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور، ووضع الآليات المناسبة لتقييم أداء الطلبة والمعلمين، وإدارة المدارس، وتدقيق مستوى البرمجيات والتطبيقات من حيث المنهجية المتبعة وصحة اللغة ودقة المضمون العلمي، وهذا يتطلب المرور بمرحلة التحديد والتصميم والتحقيق والتنفيذ، ثم مرحلة التصدير والتقييم، ثم توجيه المشاريع في اتجاه تحقيق وتطوير برمجيات تعليمية في المباحث المختلفة
إن استشراف المستقبل ليس نوعا من التنبؤ السطحي، ولكنه يستند الى تجارب ودراسات علمية مبنية على فيض من المعلومات، وتوليد واستكمال البياناتإيمانا بأهمية استثمارالعلم والتكنولوجيا لمسايرة التقدم، ومجابهة التحدياتوبما لا يلغي التعلم النظامي بل يتكامل معه، ويحدث استثمارا أمثل في تحقيق الأهداف المرجوه من العمليةالتعليميةالتعلمية . * باحثة تربوية ومشرفة تدريب العلوم بالمعهد الوطني التابع لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية |