|
رواية سبت إيلّا للفلسطيني بهاء رحال
نشر بتاريخ: 09/05/2020 ( آخر تحديث: 09/05/2020 الساعة: 23:34 )
الكاتب: تحسين يقين انها محاولة جادة فعلا تميزت بالزمن المتعدد والمكان، زمن لأيام يستحضر ازمنة وامكنة، حيث تستدعي شخصية رائد حياته وتاريخه الشخصي والعام، كذلك إيلا. مقدمة شعرية، واقتباس من درويش "أجمل ما في الصدفة أنها خالية من الانتظار"، يظل مضمونها معنا طوال الرواية، ليعمق شعور زيد وإيلا بصدفة اللقاء. والصدفة هي من قادت الشاب رائد الفلسطيني، وهو من طبقة ميسورة محب للموسيقى والرياضة، ويعيش الرومانسية الفكرية محال مجايلينه، كذلك مسكون بشوق تجاه عالم المرأة، مع إيلا الأربعينية من الولايات المتحدة، المفكرة والمثقفة. هو خريج عاطل عن العمل، من أسرة ميسورة، يبدأ حياته، وهي التي عركت الحياة، بعد تجارب وخبرات دفعت خلالها ضرائب أليمة. هما من ثقافتي الشرق والغرب، لكنهما من خلال العولمة الثقافية التقيا. كل يبحث عما يشغله، هو يبحث عن عالم التعرف على المرأة، يدفعه شوقه الجسدي، وإن ارتدى ثوبا رومانسيا. وهي تبحث عن قلب يصغي لما كابدته من مرارة، حتى لو كان ذلك القلب في بيت لحم، كأنها تنشد في اللاوعي خلاص في بلد المخلص المسيح. هو يعيش إشكالية الرومانسية الحالمة والشهوة، لذلك يضفي عليها أوصافا، تنبع من عالمه وتوقعاته، فهي "استثنائية مثقفة" ص 81، من جانبه الرومانسي، كذلك من باب المعادل العاطفي، يظهر توقعه بأنها امرأة شبقة. نرصد هنا توقعه لكل ما هو كامل من ايلا. وهي مجربة ناضجة عاطفيا واجتماعيا، تبحث ربما في ظل انتهاء علاقتها بزوجها، عن إنسان ناضج وصادق، لا عن مغامرة عاطفية أو ممارسة للحب سريعة في سفر. يلتقيان، فتلتقي عوالمهما، أما هو فخريج شاب، انتمى للفكر اليساري بحكم التزامه الفطري، بعد مرحلة البحث عن شخصيته، من خلال الرياضة والنشاطات الطلابية، والوطنية، تجاربه العاطفية محدودة، لم تتعدى حبه للورين معلمة الموسيقى، التي تترك المكان وتسافر مع زوجها. فلا هو عاش العاطفة ولا حياة العاشق، لذلك فإن الوصف بالظمآن، كما في صفحة 16، لا ينسجم مع ما يدعيه بتجريب المتعة. ثمة ادعاء الشباب، يطعمون أنفسهم ما لم يذوقوه. هي تصغي له وتشجعه على البوح، لأنها بحكم الخبرة تعرف ان هذا هو قاع هذه الشخصية، وهو قاع محدود، يدل عليه ترديده للعبارات الأدبية وذكر أسماء الادباء. تتعرف عليه أكثر وتسبر أغواره، وهو انما يكون في طور التعرف على الذات. خلفية النص، أو لنقل قصة رائد وإيلا، هي الفضاء الفلسطيني، والفضاءات المرتبطة بإيلا، أمريكا وأوروبا. في حالة رائد الصراع والاحتلال هنا، وقصة تالا ويوسف كخلفية عاطفية، وأسرته التي تعاني من شرخ في العلاقة بين الأب والأم. في حالة إيلا نزاعات الحياة والمشكلات الاجتماعية والنفسية المعقدة. لذلك وسط حواراتهما في مقاهي بيت لحم، يكون مسكونا بهذه "الكاملة"، لذلك يستعرض عضلاته الفكرية، لجذب اهتمامها، وربما لطرد صورة الشرقي الباحث عن المرأة، فيكون بمحاولة النفي مثبتا لها، وهكذا يكون الحديث مثلا عن العرب، وأمريكا والتضامن مع الشعب الفلسطيني غير مقنع حتى لو أبدى احتراما لراشيل خوري التي لقيت حتفها وهي تتضامن مع الشعب الفلسطيني على يد جرافة إسرائيلية. تتضامن إيلا بعد تعرفها على الواقع هنا، ومن خلال التواصل مع رائد من خلال الفيسبوك، بعد عودتها لبلادها، تقرر العودة ثانية، ربما في اللاوعي تكون عائدة للخلاص الشخصي من مرارة حياتها، حيث يمكن أن يصير رائد ملاذها، خاصة أن يحبها. في النهاية يعيشان حياة التعلق، لا هي قادرة على الدخول الى بلاد رائد رغم حملها للجنسية الأمريكية، ولا رائد قادر على الذهاب لبلادها، بالرغم انه يحمل تأشيرة دخول للولايات المتحدة، يمنعهما "الأمن الإسرائيلي" بسبب ارتباطهما بحركة المقاطعة العالمية B.D.S. لغة لكاتب موفقة، ذو قدرة على وصف الأماكن، من خلال تموضعه هو معها، كما في وصف المقهى، والسيدة جانيت مالكته وابنها. كذلك السرد عن قصة بائع الجرائد. تكلف اللغة جاء مع تكلف السلوك، كحديثه عن الفساد، الذي ولا ينسجم مع عمر رائد، ص12، كذلك التكلف في نقده الاجتماعي، وتكلفه تمثيل دور العاشق متعدد العلاقات. كذلك، انتظرنا وصفا للمدينة أعمق، خصوصا في ظل تكراره بمناسبة وغيره انه محب للمدينة، ونقصد بيت لحم. وتكلف توقعاته من إيلا الكاملة بأن تكون قارئة لمحمود درويش. ورغم هذا الاحتفاء بها، فإنه لا يفي بوعده بالتواجد معها في الموعد المناسب، ولم يخبرها، بمبرر متكلف الا وهو الذهاب لتصوير مظاهرة، ليعتذر لها فيما بعد. يلملم الكاتب روايته، في الصفحات الأخيرة للحديث عن المصير الفردي والعام، من خلال استئناف العلاقة من خلال الفيسبوك، فنعرف مرضها بالسرطان، الذي يظهر هكذا فجأة. أما هو فيجد عملا يبدأ طريقه معتمدا على نفسه، أما هي فتستطيع مقاومة المرض من خلال العلاج على يد طبيب فلسطيني لاجئ، واستفادتها من طاقة الراهبة التلحمية، وتتعرف على الطبيب النفسي الذي انتحر، ولا ندري ما أهمية إيراد أن أمه يهودية لم ترغب بأرض الميعاد وظلت في أمريكا، كما تورد تحرش زوج مارغريت بها، وتعرفها على روبيرت المتضامن الناشط في حركة المقاطعة العالمية B.D.S وتختتم بمصيرهما الشخصي الذاتي المعلق لسبب موضوعي، فلا هي تستطيع دخول البلاد ولا هو استطاع مغادرتها بسب منع الاحتلال. بنية السرد رغم ان زمن الرواية الظاهر هو مجرد أيام، ثم تمر فترة من الزمن غير مروي عنها، يتم بعدها استئناف العلاقة بين رائد وإيلا، لخلق حدث جديد، هو اللقاء الثاني، في الولايات المتحدة أو في بيت لحم، إلا أن الكاتب هنا، استدعى أزمنة أخرى ظهرت فيها أمكنة وأحداث أضاءت على مجمل الأحداث، بل كونت معا سردا روائيا باستخدام تقنية العودة الى الماضي بشكل متقطع خلال السرد. فهو يسير بسرده ثم يعرفنا برائد، ثم بإيلا ص 50 حيث نعلم أنها تزور المهد لتنير شمعة لأجل روح جدتها، خلال حديثها الداخلي لنفسها عن علاقتها بزوجها فوق السحاب، ورحلتها لإيطاليا. ويتناوب الرجوع للماضي، له ولها، وهو يبدو كأنه يعيد ما روته له، فهو تحدث على لسانها اص83 حكايات الحب التي مرت بها، بعلاقتها مع شخص مازوخي، وآخر على العكس منه لكنه يعاني من ضعف جنسي، ثم قصتها مع بول الخائن، ثم علاقتها بشاب ينتمي لطائفة معقدة تسبب لها العذاب والتأزم النفسي. ينتقل رائد لتذكر اول حب سريعا، ليعود لها، فقد كانت متطوعة لمساعدة المنكوبين في العراق وأفغانستان والأردن، كما نعلم في هذه الارتدادات الزمكانية أن والدة ايلا فرنسية. ثم في ارتداد رائد، ص 105 نعرف أنه وحيد لأبوين غريبي الاطوار (لم تظهر تلك الغرابة)؛ طبيب نساء وطبيبة اسنان، ثم نرى رائد يتكلف الحديث عن صديقيه الراهب إبراهيم وشيخ الجامع عبد الجليل الازهري، لإثبات رأي ما، وصولا لتكلف ثوري أيضا، لإيراد ماضيه كشيوعي، وتصويره للمظاهرات ص 134. تظهر من خلال العودة الى الوراء أيضا حياة ايلا المتوسطة الحال، وعملها في كافتيريا مع أمها في شركة، وتعلمها لفن الباليه، ودراستها الدكتوراة في القانون الدولي، ومعاناتها من خيانة ثانية، وصولا لعلاقتها مع استاذها ماريو، التي تتوج بالزواج، والذي يخونها مع الرسامة لوسين ص 147. وتعلمه ان زوجها جاء لتوأمة جامعية وقد اصطحب عشيقته الرسامة معه، حيث تقيم في غرفة أخرى في الفندق نفسه. ولعنا هنا نشير إلى الحوار كأنها تسأله، ثم يخاطبها من خلال مونولوج لا يلبث ان يصير حوارا عن المهاجرين. وكل هذه الأحداث تشابكت لتسج قصة كل منهما، وما يضطرب فيه من مشاعر خصوصا إيلا التي عانت من عالم الرجال طويلا. كل ذلك لا يشكل أسلوب بناء النص، بل جوهره، لأنه أساس تكوين كل مهما الذي كانا عليه قبل اللقاء. وقد كانت المساحة الممنوحة لإيلا هي الكبرى لسبب موضوعي، وهو أنها أكبر منه، وقد مرت بالتالي في أحداث وتحولات أكثر منه، وربما أن رائد في اللاوعي، يحتفل بها وبتاريخها. أما بقع وصف المكان هنا، فقد ظهرت في تجوالهما في المدينة، متأخرا، وتنور خبز الرهبان، وتجولا في مكان آخر لم يظهركما في ص 172حيث يروي عن المدينة من خلال العمران والمهاجرين. *بهاء رحال كاتب روائي من بيت لحم صدر له رواية الخريف المر ٢٠١٧ |