ضابط اسعاف الهلال الأحمر في القدس عماد عابدين يروي تجربته خلال أزمة كورونا
نشر بتاريخ: 09/07/2020 ( آخر تحديث: 09/07/2020 الساعة: 20:57 )
القدس - معا- ديما دعنا - " من يمت مصابا بفيروس كورونا لا تقام له جنازة ولا يصلى عليه"؛ تلك الكلمات هزت مشاعر ضابط الاسعاف في مركز الاسعاف والطوارئ في الهلال الاحمر بالقدس عماد عابدين (31) عاما، متزوج وله طفلتان ويعيل والده ووالدته الطاعنان في السن، حيث انقلبت حياة عابدين رأسا على عقب منذ بدء أزمة جائحة كورونا ، وقرر عزل نفسه عن أهل بيته خوفا وقلقا من أن يكون سببا في نقل العدوى إليهم بالفيروس.
كان يعيش عماد تخوفات كبيرة وصراع داخلي وقلق مستمر قبل انتشار جائحة كورونا وازدادت حدة قلقه بعد انتشاره وازدياد أعداد المصابين وضرورة نقلهم باسعاف الهلال الاحمر إلى المستشفيات، يقول عابدين: نحن كطواقم اسعاف كنا نشعر دوما بالقلق قبل انتشار فيروس كورونا في البلاد، حيث أننا لا نعرف التاريخ المرضي للمريض الذي نقوم بنقله وقد واجهنا تلك التخوفات منذ أيام انتشار انفلونزا الخنازير حيث لم نكن نعرف أية معلومات عن المرض وكيفية انتقاله ومدة حضانته وغيرها؛ فكنا نعيش بدوامة من الخوف من أن نصاب بالعدوى وننقلها بدورنا إلى بيوتنا وعائلاتنا لكن كنا نتخذ كافة الاجراءات الوقائية للحماية من هذا الفيروس لكن عندما خرجت معلومات طبية توضح ما هو المرض وآلية انتقاله من انسان لانسان وتبين ان انتقال العدوى بفيروس انفلونزا الخنازير يجب أن يكون الشخصان باتصال مباشر بما لا يقل عن سبع ساعات، وهذا جعلنا نطمئن حيث أن أطول فترة نكون باتصال مباشر مع المريض هي ساعة ونصف الساعة لا أكثر، مما خفف من الخوف والضغط النفسي، مضيفا: لكن الأمر اختلف مع فيروس كورونا الذي قلب كل الموازين؛ فالخوف أكبر وأشد حدة كون المرض فتاك وأعداد المصابين والوفيات يوميا في ازدياد كبير، فهنا بدأنا نشعر بالخطر القريب من بيوتنا خاصة في ظل جهلنا عن المرض من حيث آلية انتقاله، الفئة المستهدفة ، مدة وجوده على الأسطح ومدى فعالية مواد التعقيم التي نستخدمها هل هي فعليا تحمينا من الاصابة أم لا؟، هذا عدا عن الخوف من التعامل مع المريض بطريقة خاطئة مما قد ينقل إلينا العدوى ونحن لا نعلم .
قرار صعب
أصيب عابدين بضغط نفسي كبير، أثر على جميع جوانب حياته، فأصبح أكثر هوسا بالتعقيم والنظافة وأشد قلقا من أن يصاب بالفيروس وينقل بدوره المرض لزملائه في مركز الإسعاف وكونه واحد من رجال الاطفاء في المسجد الأقصى، وأيضا من أن يكون السبب في نقل العدوى لعائلته خاصة والده وطفلته الرضيعة التي لم يفرح بها بسبب انتشار الفيروس حيث يقول: والدي رجل طاعن بالسن ولديه مشاكل صحية كبيرة ومنها مشاكل بالرئة فوضعه الصحي مقلق، وكونه هو ووالدتي يعيشان معي ومع عائلتي في ذات البيت كنت أشعر بمسؤولية كبيرة من أن أكون حاملا للمرض وأنقله إلى والدي دون قصد.
وتابع: من هذا القلق والضغط النفسي اتخذت القرار الصعب وهو " العزل" أي أن أعزل نفسي عن عائلتي خوفا عليهم وأستأجر بها شقة وأن يكون التواصل معهم عبر المكالمات المرئية فقط، وكانت فترة العزل ما يقارب الشهرين، وهي فترة من أصعب فترات حياتي، فالبعد عن العائلة ليس بالشيء السهل لكني في إحدى المرات سمعت أحد يقول:" أن من يمت بالكورونا لا تقام له جنازة ولا يصلى عليه "، تلك الجملة هزت مشاعري وتخيلت لا سمح الله من أكون السبب في نقل العدوى لوالدي ، كان هذا الشعور وحده كفيلا بتدميري وزيادة خوفي وقلقي واستمرار عزلي رغم طلب والدي المتكرر بفك العزل لكني كنت أرفض في كل مرة.
اجراءات وقائية مشددة
وعن عمله في الاسعاف في تلك الفترة، ونقل المرضى المصابين بالكورونا من وإلى المستشفيات، يقول عابدين : إن العمل في الإسعاف ليس بالأمر السهل، بل كنا في الواجهة والجنود المجهولين نعمل بكل حرص خوفا من أن نكون سببا في تفشي الوباء بين المرضى الذين نقوم بنقلهم بسيارات الإسعاف، ففي البداية خصصت إدارة الهلال الأحمر في القدس 5 سيارات اسعاف لنقل مرضى الكورونا، لكن بعد ذلك كانت كل السيارات تعمل من أجل جميع المرضى إن كان مريضا بالكورونا أم لا على أن يكون العاملين في الإسعاف متخذين كافة الاجراءات الوقائية بدءا من اللباس الواقي والتعقيم المستمر للمسعفين ولسيارات الاسعاف التي يتم نقل المريض فيها، فحين كنت أعقم سيارة الإسعاف كنت أتخيل المريض بأنه قد يكون لمس شيئا لم أره، أو أن رذاذ العطس او السعال وصل إلى السقف ، فكنت بسبب ذلك أعيد تعقيم السيارة مرة أو مرتين حرصا على سلامة المريض الذي سيأتي بعده فقد يكون التالي مريضا مصابا بحادث سير ولا علاقة له بالكورونا، فإن لم أقم بتعقيم السيارة بأمانة ودقة سأكون السبب في نقل المرض.
وأضاف: أما بالنسبة للباس الواقي فقد كان يقيد حركتنا هذا عدا أنه مؤذي نفسيا للمريض وكان يرعب بعض المرضى، لكنا كنا مجبرين على ذلك خوفا عليهم أولا ثم على أنفسنا وعائلاتنا ثانيا، فقد كنا نشعر بأن الخطر قريب جدا منا، وقد وصلت لدرجة من الهوس في التعقيم فقد كنت اقف تحت مياه الاستحمام بعد كل مناوبة عمل بما لا يقل عن الساعة، فقد كان يخيل لي أن الفيروس لا زال على وجهي أو ذقني أو يداي مهما عقمت او استحممت.
وعقب عابدين بأن اسعاف الهلال الأحمر يخدم سكان شرقي القدس، وخاصة المناطق التي لا تصلها سيارات الإسعاف الإسرائيلية مثل: كفرعقب ، العيسوية العيزرية، سلوان، والبلدة القديمة ، فلو أصبت مثلا بالفيروس وأنا لا أعلم ونقلت العدوى لزملائي ودخلنا الحجر المنزلي بالتالي يتعطل عمل الإسعاف وأكون السبب في توقف خدمة الاسعاف لسكان تلك المناطق فسيودي ذلك لعواقب وخيمة وكارثية، فخلال فترة الكورونا كنا ننقل من 700 – 900 حالة شهريا أي بحدود 30 – 35 حالة يوميا، فمن هنا اصبح لدينا التزام اخلاقي وديني لأهلنا في القدس.
مسؤولية كبيرة
12 عاما من العمل والخبرة في مجال الإسعاف، لم تكن كافية بالنسبة لعابدين في زمن الكورونا لتنتزع مشاعر الخوف والقلق منه حيث قال: كنت أشعر بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقي من أجل عائلتي ومجتمعي أمام الله ثم نفسي ، ومن أكثر الفئات التي تأثرت بها في تلك الفترة هي الأطفال، فحين كنت انقل طفلا بسيارة الاسعاف كنت احزن كثيرا؛ لان الطفل قد يكون خائفا مني ومن لباسي في الوقت الذي يجب ان أكون به مصدر الامان له لكني كنت بنظره مومياء متحركة.
تنمر المجتمع
وحول التنمر الذي يتعرض له مريض الكورونا حين يتم نقله بسيارات الاسعاف، يقول عابدين: كانت من اكثر الصعوبات التي كنا نواجهها حين كنا نذهب لنقل مريض بالكورونا من بيته إلى المستشفى، فقد كنا نواجه أكثر من شريحة، شريحة تدعمنا وتقدر تعبنا وخوفنا وأهمها بعدنا عن عائلاتنا، لكن بالمقابل كان هناك من يستهزئ ويسيء لنا وللمريض لفظيا ، وكأن المريض المصاب بالكورونا مصدر استهزاء واستخفاف واهانة لدى البعض ، لدرجة ان بعض الناس حين كانوا يتصلون بالاسعاف خاصة ان لم يكن المريض مصاب بالكورونا وانما لحالة طارئة أخرى ، يطلبون منا ان لا نصدر صوت جرس الاسعاف او حتى يطلبون اغلاق الضوء خوفا من الفضيحة كما يصفونها.
ويختم عابدين حديثه بالقول: إن المرض ليس عيبا، وعلى الجميع أن يلتزم بالتعليمات والاجراءات الوقائية من لبس الكمامات والتعقيم المستمر، وأهمها البعد الاجتماعي وذلك حرصا على سلامة الجميع، وأتمنى أن تزول تلك الغمة بإذن الله لا فاقدين ولا مفقودين.
مركز اسعاف وطوارئ الهلال الأحمر
يذكر أن مركز اسعاف وطوارئ الهلال الأحمر منذ بدء جائحة كورونا قام بمتابعة انتشار الفايروس ووضع الخطط ورفد المخازن بوسائل الحماية الشخصية المعتمدة من جهات الاختصاص ومنظمة الصحة العالمية ( الكمامات ، الالبسة الواقية ...الخ) والتي اصلا تستخدم بالوضع العادي لكن تم زيادة الكميات، وتم عمل تنسيق واتصال مع جهات الاختصاص و غرفة العمليات المركزية التابعة لجمعية الهلال الاحمر الفلسطيني، وغرفة العمليات الخاصة بوزارة الصحة في محافظة القدس، بالإضافة لبعض المجالس المحلية مثل بلدية كفر عقب، وتم نشر الوعي الخاص بهذا الفايروس لدى الطاقم العامل من خلال المحاضرات و التدريبات، كما وتضمنت خطة العمل لدى المركز على مراحل كل مرحلة لها خصوصيتها ومبنية على الرصد الميداني ومدى انتشار الوباء في المجتمع كما تم وضع محطات تعقيم للطواقم وسيارات الاسعاف في ساحة مركز الاسعاف ووضع برتوكول التعقيم ومكافحة العدوى، هذا عدا عن الخطة الإعلامية لنشر مواد تثقيفية وافلام لنشر الوعي لدى المواطنين حول موضوع الكورونا.
وقد تعامل المركز مع عدد كبير من الحالات من مناطق كفرعقب والعيساوية ومخيم شعفاط وسلوان وبيت حنينا بالإضافة إلى عمل فحوصات ميدانية دورية لكبار السن في كفرعقب والعيساوية وأخذ مسحات للعمال العائدين من الداخل على حاجز قلنديا بالتعاون مع الطب الوقائي حيث تم اخذ 180 مسحة بشكل عشوائي، وذلك وفق بروتوكول عمل مبني على توصيات جهات الاختصاص منذ اللحظة الاولى من تلقي اي بلاغ والمبنية على اخذ معلومات محددة ، والية التعامل مع المرضى إن كان مشتبه باصابتهم أو مصابين، وقد تم تفريغ 33 موظفا للعمل في مركز الاسعاف وما يقارب العشرين متطوعا.