|
الآن أخاف منهم أكثر ... !
نشر بتاريخ: 12/07/2020 ( آخر تحديث: 12/07/2020 الساعة: 01:30 )
كتب ثائر ثابت حتى هذه اللحظة المرتعشة، وقبل نهاية يوم طويل بدقائق، ما تزال تنتابني كوابيس ثقيلة سببتها مادة الرياضيات، وكل ما حل نهار إعلان نتائج الثانوية العامة، تسوقني دون رحمة الأرقام والنسب والأعشار صوب مقصلة التذكر، هذا أنا الذي مُنحت أعلى علامة في شعبتي الدراسية، والحساب هو مرعبي الأول وعدوي الأعلى. هذا الصباح، أصحو بنشاط خاص، وأستوديو هاتفي المحمول تتساقط من بطنه، صور وأرقام وإشاعات وأسماء ودعوات؛ ربما تكون هي أبجديات للمتابعة بحكم عملي الرسمي، لكنها صورة واحدة مع نص قصير تجعلني مرتبكاً، هذه الوجه أخذني هناك إلى خزائن الذاكرة، تخيلته عمي الشهيد، الذي غادرنا إلى حدائق المجد الباسقة؛ برصاصة جندي احتلالي...،هذا التشابه، هذا الارتباك، هذا الوجع ... لماذا الآن!؟ بحثت عن تفاصيل وفاته، وعن فاجعة عائلته التي ربما عتقت الفرح في جرة عمرها عقدين إلا عامين، لكنه الموت .... قلت لنفسي: هل أتصل بأمه؟ تراجعت، وتذكرت لحظتها أنني نسيت اتصالي مع والدتي، نسيت مهاتفتها بالأمس، فهو الموعد الرسمي للاتصال الأسبوعي، اتصلت بزملاء صحفيين، مستفسراً عن بعض التفاصيل، لكن الإنسانية حالت دون مقابلتهم هاتفياً مع أمه.. ما أبشع السؤال الوجودي أمام هيبة الموت ...! سأظل كارهاً لمادة الرياضيات، وغير متسامح أبداً مع كل المدرسين الذين كانوا يستدعون، مثل ضباط بائسين، أمي المعلمة؛ لأكون أمامها وأمامهم ذاك الطالب "الضحية" و"المقصر" في مسائل الجمع والطرح والقسمة.. لكن.. هذه المرة أخاف منهم أكثر.. وأنا ذاهب إلى ملف النتائج الإلكتروني؛ باحثاً عن رقم جلوسه، ثمانية أرقام كافية لمعرفة علامته، صدمتني علامته، هي علامتي ذاتها التي جنيتها في الثانوية العامة (87.1) ! الفرع ذاته، العلامة ذاتها ... بفارق صغير مع حجم الأمنيات .. وفلسفة ما ... صباحاً سأتصل بوالدتي .. لن أعتذر منها عن تأخري يومين عن اتصالي بها .. بل لأقول لها: " اصمتي ...لا تخبريني عن علامات الثانوية العامة في مدرستك ولا في حارتنا"... ليكون الاتصال هو الصمت ... العلامة الأصلية الصادقة... صمت من أجل الغائبين الذي لم تسعفهم الحياة أن ينعموا بحفلة متواضعة، بفرح لظهور رقم من خانتين وعُشر... رقم واحد فقط كان سيأخذهم هناك إلى حيث ما انتظروه طويلاً ... ! لروحك السلام فقيد الحياة الحرة، ربيع أبو عون .. ولكل الأمهات اللواتي قُتلن بغيابنا ..صمت ..صمت ...!
|