|
المفرقعات أزمة ثقافة أم وباء شعبي!!!
نشر بتاريخ: 18/07/2020 ( آخر تحديث: 18/07/2020 الساعة: 16:51 )
تتفاخر الأمم بموروثها الفكري والثقافي باحثة عن البقاء لتبقى حية على مر السنين دون تردد في التنافس على المستوى المجتمعي والإقليمي والعالمي، ومن باب مسؤولياتها تحرص كل أمة للحفاظ على موروثها وثقافتها المُتجذرة في أبنائها، فعليها تقع المسؤولية في بناء شخصية المواطن السليمة ليضطلع بمهماته وليصبح القدوة في مجتمعه حاملاً القيم والسلوكيات الإيجابية المرغوبة التي تمكنه من المشاركة في نهوض بلده ورقيه. وعند تأمّل واقع بيئاتنا فإن الأفكار تتزاحم متسللة إلى الثقافة والموروث مستحضرة المفرقعات كواحدة من الألعاب النارية التي نحظى بها بتميّز منقطع النظير، فقد بتنا نتزيّن بها مع كل فرحة أو مناسبة صغيرة كانت أم كبيرة، وفي هذه الأيام تتفجر المفرقعات مع إطلالة الإعلان عن نتائج الثانوية العامة في فلسطين كواحدة من المناسبات المهمة لإطلاق هذه المفرقعات التي أصبحت تدقّ لها القلوب، كما تُسعد الكثيرين من شرائح المجتمع حتى وإن أبدوا نكراناً شكلياً بها، فسمعنا ما سمعناه، ورأينا ما رأيناه في ظل صمت وتقبّل شعبي ومجتمعي. وتدور التساؤلات حول ما يحلّ بالفضاء من تراكمات نارية، وكأن الزمان قد تبدّل وتقلّب الحال، أو ربما ضلّت الحقيقة طريقها وساد التملق العبثي في ظل حالة القبول لهذه الظاهرة السلبية، كما وترتفع وتيرة المجاملات لواقع أهوج يُفرض علينا ويعدّ مظهراً من مظاهر التردّي والتخلف الهمجي، فهل هذه السلوكيات غير المرغوبة هي أداة التعبير عن الفرح؟ وهل اللامبالاة بشرائح عديدة في المجتمع قد يصيبها الفزع أو الهلع غير آبهين بهم يعتبر ممارسة سليمة؟ فأين الحرية التي تنتهي عندما تبدأ حريات الآخرين، أم باتت المفرقعات جزءاً من موروثنا التي تتأصل يوما بعد يوم! وبين هذا وذاك يتساءل الكثيرون عن المسؤول، فهل هو النظام التربوي، الأهل، الحكومة ...؟ ونتساءل هل باتت الفجوة بعيدة إلى هذا الحد ما بين مجتمعاتنا ومدارسنا التي هي الجزء الأصيل من المجتمع، أين ما يتعلمه الطلبة في كتبهم المدرسية، وما يرشدهم إليه المعلم، أم أن مخرجات التعليم قد انقلبت رأساً على عقب، فتزخر الشوارع بالحوارق وتسود الفوضى وسط حالة من التصفيق العام، وكأن الأمر مباح ومشرعن، وباتت تلك الممارسات من مظاهر ثقافتنا وموروثنا الشعبي الذي نفخر بها وكأن العقل قد تنحّى جانباً، أم هي عزلة التعليم في المدارس عن السياق المجتمعي؟ وفي الوقت ذاته يتعرض الملتزم والرافض لمثل هذه الممارسات للسخرية والاستهزاء فيقع في فخ الارتباك والحيرة وربما سيكون ضحية من ضحايا هذا الوباء المجتمعي. إن توسّع الفجوة ما بين المدرسة والممارسة الحياتية لا يعني أن يكون البديل هو حالة التأييد والتقبّل الشعبي لهذه المظاهر غير القانوينة، والأخطر يكون القادم، كيف لا ومستقبل المجتمعات مرهون بقادة المستقبل وهم أطفالنا، فهلّا تمعنا قليلاً بوقع أثر هذه التنشئة عليهم، وما مصير ممارسات عقيمة وكيف يكون وقعها على ذاكرة هؤلاء الأطفال، حتما ستكون موضع تفاخر لهم، وربما تصبح جزءاً حيوياً وتراكمياً من موروثهم الفكري، وليس ذلك فحسب، بل سيدافعون عن ذلك الموروث السلبي المصطنع وربما يتبنونه مقلدين سلوكيات ذويهم، وقد تصبح مخرجات تورّث من جهنهم للأجيال اللاحقة، وسيتحدثون عنها بقصص وروايات بتفاخر أعمى! ينتابنا الخجل جراء المشاركة في هذه الأمراض المجتمعية من مختلف الشرائح، المتعلم والجاهل، الموظف والعامل، الفقير والغني، ناهيك عن بعض التجار الذين يحرصون على توفير هذه المفرقعات والألعاب، هؤلاء جميعا قدّموا الشرعية لجيل المستقبل بممارسة سلوكيات مرفوضة ودخيلة، كما الأهل الذين يوفرون المال لأبنائهم، غاضّين الطرف عن قول الحقيقة، فوقعوا في فخ الهدر الاقتصادي، وأما موضوع تصنيع هذه المفرقعات فقد يحتاج حلقات مطولة لا يتسع المجال للحديث عنها! إن المسؤولية الجماعية تلزمنا جميعاً برفع أصوات الحق عالياً والوقوف مع الذات ومراجعة ما يجري، ولا بد من الجرأة في القول لتوفير إمكانيات المواجهة والإجابة عن تساؤلات عديدة تدور في أذهان الكثيرين لتكون نقطة انطلاق نحو واقع أفضل وإصلاح ما يمكن إصلاحه لتعود البوصلة إلى مسارها، وحتى لا يستفحل الخوف لدى الرافضين أو المعارضين لهذه الممارسات رغبة في تجنّب الاتهامات الموجهة إليهم كالرجعية أو التخلف أو البخل كما يروق لهؤلاء العابثين، وحتى لا تتمحور جلّ غاياتنا على المجاراة والقبول بسياسة الأمر الواقع، فننقاد كما ينقاد كثير من الأهل لرغبات أبنائهم وممارساتهم السلبية وبذلك يتخلون عن دورهم ورسالتهم في التربية السليمة الموجهة التي تنطلق من فلسفة هذا المجتمع وتطلعاته. |