وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل ما زال في القنديل زيت؟؟ يوتوبيا الدولة الفلسطينية

نشر بتاريخ: 19/07/2020 ( آخر تحديث: 19/07/2020 الساعة: 16:26 )
هل ما زال في القنديل زيت؟؟ يوتوبيا الدولة الفلسطينية

ما هي ملامح الدولة الفلسطينية المقبلة؟، وما هي فرص تحققها في ظل المحدّدات الإقليمية والدولية؟ وما الذي تحقق بالفعل بعد أوسلو؟. أسئلة تتصل الإجابة عليها بمصير هذه الدولة الموعودة وفرص تحققها، والأهم من ذلك تلمس ملامح الكيان السياسي الفلسطيني القابل للحياة ولو بالحد الأدنى الذي يمكن أن نطلق عليه دولة بالمعيار الحديث للدولة. إن دراسة صيرورة تشكل الدولة الحديثة ربما يسعفنا في رسم ما يشبه خارطة الطريق في تشكيل دولة بالمفهوم الحديث للدولة. يُشير الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس الذي يُعتبر اليوم مرجعاً فلسفياً مهماً في التنظير للدولة الحديثة أنّ هذه الدولة مرَّت بأربع مراحل زمنية تشكّلت في حقب زمنية مختلفة. المرحلة الأولى هي مرحلة تشكُّل الجهاز الإداري لهذه الدولة والقادر من الناحية القانونية والشرعية والإجرائية على جباية الضرائب من السكان الذين يفترض أنهم مواطنون في هذه الدولة. وعندما نتفحص هذا الشرط ونُسقطه على الدولة الفلسطينية الموعودة، فإننا سنلحظ أن هذا الجهاز الإداري قد تطور بشكل سريع بعد اتفاقية أوسلو، وربما يكون قد ابتدأ قبل أوسلو بسنوات، حيث كان يجري تدريب جهاز الشرطة الفلسطينية بشكل غير معلن على اعتبار أنَّ نتائج المفاوضات الجارية كانت معروفة بشكل استباقي، وكان ثمة خطوات تجري على الأرض بهمة ونشاط في تشكيل الجهاز الإداري للسلطة الفلسطينية حتى قبل الإعلان الرسمي عن انبثاق السلطة الفلسطينية حسبما كان يشاع. والحقيقة أننا لو رجعنا للاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي فإننا سنجد أنَّ المسمى الذي يظهر في وثائق الإتفاقية الموقعة هو "الإدارة المدنية الذاتية"، وهو مسمى دقيق ومحدّد ولا يتضمن أي معنى أو إشارة للسلطة. ضمن هذا السياق التاريخي فإننا نستطيع أن نعتبر أنَّ كل هذا الإعداد يدخل في إطار التحضير للمرحلة الأولى من مراحل تشكل الدولة العتيدة. وقد تشكَّل بعد أوسلو جهازاً إدارياً حكومياً تسلَّم جُل المهام المدنية والأمنية التي كانت من الناحية الرسمية بيد سلطة الاحتلال الإسرائيلي. وقد امتلك هذا الجهاز شرعية جباية الضرائب التي شكّلت مورداً أساسياً من موارد السلطة الوليدة. ويمكن القول أن هذا الجهاز حقَّق نجاحاً لا بأس به خلال ربع القرن المنصرم، ربما بسبب خبرة الفصائل الفلسطينية السابقة على أوسلو، حيث أن الفصائل، بما فيها فتح قد أسهمت بجهازها الإداري السابق الذي وصل لدرجة لا بأس بها من التنظيم أثناء وجوده في محطات الشتنات العربي.

ويأتي السؤال الآخر الذي يقول، ما هي المرحلة اللاحقة لتشكل الجهاز الإداري؟ إنها مرحلة تشكل إقليم جغرافي محدَّد وواضح يتم الاعتراف دولياً بسيادة هذا الجهاز الإداري عليه. هنا تحديداً، نستطيع أن نستشف بوضوح أن الزمن تجمَّد، ولم يتقدَّم الكيان الفلسطيني الوليد كثيراً في تحقيق سيادته على الإقليم المفترض. فلو عُدنا لاتفاقية أوسلو التي منحت الشرعية لهذا الكيان الوليد، فإن الإقليم من الناحية النظرية لا خلاف حوله، حيث يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. في هذه المرحلة تحديداً تعثَّرت المسيرة، وتعثرت خطة السلام، وتاه مركبها في عواصف المشاريع الإسرائيلية المناقضة لخطة السلام، وقد تعرَّضت مسيرة خطة السلام هذه لتقلبات عنيفة كانت تُنذر في كل لحظة بنهايتها أو وُصولها لطريق مسدود. لم يكن هناك اعتراف اسرائلي واضح بحدود هذا الإقليم، وظلت إسرائل تعمل خلال ربع القرن المنصرم على إحداث تبدلات ديمغرافية وجغرافية هيكلية داخل هذا الإقليم جعلت تحقُّق السيادة داخل هذا الإقليم عملية أقرب للاستحالة. لقد ارتطم نصر السيادة بعثرة مفصلية بسبب وجود مستوطنين إسرائيليين داخل هذا الإقليم، مما خلق صعوبات قانونية وسياسية لم تجد طريقها للحل. لا يمكن الجزم بالأسباب التي قادت إلى حالة الفصام في الموقف الإسرائيلي هذا حيال الإقليم الفلسطيني. فالاتفاقيات تتحدث عن إقليم محدد وواضح، والواقع على الإرض يتناقض مع جوهر هذه الاتفاقيات. هل تراجعت القوى السياسية الإسرائلية التي عقدت معاهدة أوسلو لصالح قوى يمينية متطرفة تسعى جاهدة لتغيير قواعد اللعبة وتفويت الفرصة التاريخية أمام تشكل هذا الإقليم؟ أم أن سياسة التسويف والتضليل هي الغالبة على السياسة الإسرائيلية من أجل كسب الوقت وصولاً لظرف تاريخي يميل لصالح إسرائيل؟. هذا السيناريو الأخير ربما يكون هو الذي تم تنفيذه خلال ربع القرن المنصرم، وصولاً للحظة التاريخية المتمثلة بوصول رئيس أمريكي مؤيد تأييداً كاملاً لإسرائل. والحقيقة أن وصول الرئيس الأمريكي ترامب للسلطة هيأ زخماً كبيراً للتيار اليميني الإسرائيلي المتطرف، وبدأ هذا التيار مدعوماً بالكامل من القوة العظمى في تفكيك عناصر الإقليم الفلسطيني وصولاً لإبطاله. وقد تابع العالم أجمع باستنكار شديد الخطوات الأُحادية الإسرائيلية حول القدس والمدعومة من قبل رئيس أمريكي يميني متطرف، والتي انتهت بخلخلة خارطة الإقليم الفلسطيني المرتقب، ثم جاءت خطة الضم غير الشرعية لكي تنسف هيكلية هذا الإقليم وتحوله إلى إقليم غير قابل للحياة ولو في الحد الأدنى. لقد تمزق الإقليم الفلسطيني وسط الشيزوفرينيا السياسية الإسرائيلية وتجمد مشروع الدولة الفلسطينية عند المرحلة الأولى، وظل يراوح مكانه منذ ربع قرن ولغاية اليوم.

المرحلة الثالثة من تشكُّل الدولة وفق التنظيرات السياسية الحديثة هي مرحلة دولة القانون، والتي تعتبر ضرورية جداً في صيرورة تشكل الدولة. فسيادة القانون والحوكمة الصحيحة والشفافية تحمي الفرد من تعسف السلطة، حيث يوفِّر الجهاز القضائي حماية لهذا المواطن من تغول السلطة التنفيذية وغطرستها. ويمكن القول أنَّ تشكُّل دولة القانون هي مرحلة ضروريّة للانتقال للمرحلة الرابعة وهي دمقرطة هذه الدولة. فهذه الدولة القانونية الوليدة وذات السيادة على إقليمها، لا يمكن عدّها دولة بالمفهوم الحديث للدولة حتى تتحصل على الشرعية الديمقراطية من قبل الشعب، والتي لا تتحقق إلا من خلال توسيع قاعدة المشاركة في الحكم ليشمل طيفاً واسعاً من القوى المجتمعية. إن الواقع الماثل أمامنا فيما يخص المرحلة الثالثة والرابعة هو واقع غير متبلور، ولا يمكن القول بأنَّ السلطة الفلسطينية قد حققت شرعية ديمقراطية شعبية، فلا زال الجهاز الإداري المتشكل يعمل وفق مبادئ أوسلو، والجهاز الإداري القادم من عناصر الفصائل غير قادر على التحرك بحرية داخل أراضي السلطة وكسب ثقة الجماهير الفلسطينية، بسبب عدم وجود آليات فاعلة داخل هذا الجهاز للمشاركة الفاعلة نظرا للوضع الذي تفرضه ظروف الاحتلال، مما أدى إلى بقاء الصلاحيات متمركزة بهذا الجهاز. فعملية الدمقرطة عملية طويلة ومعقدة، وهي في الحالة الفلسطينية أكثر تعقيداً بسبب عدم إنجاز السيادة على الإقليم، وبالتالي عدم إنجاز دولة القانون. فلا زال موضوع السيادة بعيد المنال وسط الصلاحيات الأمنية الإسرائيلية الواسعة التي خطتها دولة الإحتلال لنفسها داخل هذا الإقليم والتي تُــشكَّل خرقاً فاضحاً لمبدأ السيادة، حيث تستطيع إسرائل من الناحية العملية الدخول لأي منطقة في هذا الإقليم والقيام بعمليات عسكرية غير محدودة واعتقال واغتيال من تشاء. وفي ظل كل ما سيق آنفاً نتساءل: هل ما زال في القنديل زيت؟؟، سوف نتحدث في مقال قادم حول الوضع غير المستقر للإقليم الفلسطيني في ظل الإطار العام حول الدولة الحديثة.