نشر بتاريخ: 19/07/2020 ( آخر تحديث: 19/07/2020 الساعة: 17:49 )
كما كل عام، نقف اليوم على أبواب عام أكاديمي جديد نراقب فيها اختيار أبنائنا لتخصصاتهم، من خلال البرامج الأكاديمية التي سيلتحقون بها في جامعات الوطن. وغير خاف على أحد ضيق الصدر وانتظار الفرج من الجائحة المستجدة والتي طال مكوثها ، وأثقل علينا جميعا. وبعيداً عن استشراف المستقبل فيما يتعلق بوباء كورونا المستجد، فإننا كفلسطينيين لا يمكن إلا أن نرفع هاماتنا، ونعشق الحياة والتغلب على صعوباتها. وفي هذه المقالة القصيرة أحببت أن أعرج على موضوع يهمّ الطلبة وأولياء الأمور وهو موضوع التخصص الجامعي وفرص العمل المتاحة.
بداية أود الإشارة إلى ظاهرة التنافس بين الجامعات لإستقطاب الطلبة، وهو تنافس وإن كان من وجهة نظري يؤثر سلبا على قيمة التعليم العالي، إلا أنّ له أسبابه المعروفة، وأهمها قلة الدعم الحكومي الموجّه للتعليم العالي، وبالتالي اعتمدت الجامعات على أقساط الطلبة بدرجة كبيرة لتغطية نفقاتها. وفي كل الأحوال، لا بد وأن تقف الحكومة عند مسؤولياتها لكي لا يستمر هذا التنافس ويأخذ اتجاها سلبيا يقلل من شأن التّعليم العالي. وكلنا نعلم على سبيل المثال قبول الطلبة التنافسي في جامعات الأردن الشقيق، وهو الأقرب علينا، واحتضان الحكومة الأُردنية للجامعات.
وببساطة أقول، إن وزارة التعليم العالي التي ترسم إستراتيجية التعليم العالي، وتضع الخطط، ،وتراقب الأداء، وتنظم القوانين والمعايير، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتوقع من الجامعات بناء ذاتها بذاتها، بل لا بد أن تسهم في تطوير تلك الجامعات، وتضخ الدَّعم المطلوب للمحافظة على جودة التعليم العالي ،والبحث العلمي الذي اقترن باسم الوزارة الأخير. ومع إدراكنا للوضع السياسي، والمالي الصعب الذي يواجه دولتنا الحبيبة، إلا أننا ندرك أيضا أهمية التعليم العالي لأبناء فلسطين، وندرك أيضا أن رأس مال هذه الدولة هو الجيل المتعلم من أبنائها.
ومع بداية عام أكاديمي جديد يبدأ سؤال الطلبة الجدد حول التخصص المناسب، وسوق العمل واحتياجات السوق، وما إلى ذلك من تلك الأسئلة. وببساطة شديدة أقول للطلبة الجدد: اختاروا من التخصصات ما يناسب ميولكم بدرجة أولى، وابحثوا عن الجامعات التي تضم طواقم متميزة في تلك التخصصات من خلال الاستعانة بمن تعرفون من أصحاب الرأي السديد. نعم قد تتفاوت الفرص المتاحة للعمل في بعض التخصصات، إلا أن التميُّز ورقة رابحة مع المتميز تساعده في الحصول على فرصة أكبر في الحقل الذي يحب. فنحن بحاجة إلى المتميزين في كل المجلات، وبحاجة إلى أن يلتحق أصحاب المعدلات العالية في الثانوية العامة بكل التخصصات والبرامج الأكاديمية التي تطرحها الجامعات. صحيح أن الجامعات تستند إلى دراسات وإجراءات لحاجة السوق عند تصميم البرامج التي تطرحها، وأنها تتابع خريجيها وتعمل بكل جديَّة لإلحاقهم بسوق العمل، إلا أنه لا يجب أن يُنظر للجامعات كضامن لكل خريج للحصول على فرصة عمل، فهذا دور أساسي للحكومة التي يجب أن توظف إمكاناتها وإمكانات الشركات الكبيرة وجزءاً من الدَّعم الخارجي في خلق وتطوير إقتصاد مستقل يتسم بالإنتاجية، ويعمل على الاستفادة من الطاقة البشرية المتخصصة التي تخرجها الجامعات الفلسطينية. وبالنظر إلى التطوُّر العلمي، والتكنولوجي، حتى المشاريع الزراعية الحديثة تتطلب كفايات مختلفة تحتوي على خبراء الزراعة، وتكنولوجيا المعلومات مروراً بعلماء النباتات والمياه.
كما أنني أدعو الطلبة للعمل على بناء قدراتهم ومهاراتهم الشخصية جنباً إلى جنب مع التعليم الجامعي، فتلك المهارات لا تقل أهمية عن التحصيل العلمي. فالجامعات تقدم العلوم والخبرات النظرية ، والعملية الأساسية التي من خلالها يستطيع الطالب التوسع والاعتماد على الذات في التدريب ، والعمل بل وخلق فرص العمل له ، ولغيره من الشباب.
كما أود الإشارة إلى دور حاضنات الأعمال ، والتي يزداد تعدادها يوما بعد يوم خصوصا مع زيادة فرص الدَّعم الخارجي لتلك الحاضنات. وأتمنى على الجهات المسؤولة ، والمختصة متابعة تلك الحاضنات، ومراقبة عملها، ومدى تحقيق أهدافها. والمؤشرات هنا بسيطة لا تتعلق فقط بموزانات تلك الحاضنات السنوية، وحجم المال الذي أنفق، ولا عدد المشاريع التي تم دعمها، بل يجب أن ترتكز تلك المؤشرات أيضا على عدد المشاريع التي تم دعمها وتحولت إلى مشاريع حقيقة، وعدد المستفيدين من تلك المشاريع الحقيقة، وعدد فرص العمل التي نتجت عن كل مشروع. إضافة الى ذلك، طبيعة تلك المشاريع ، والمستوى الإبداعي المتعلق بكل مشروع.
وفي الختام، فإن الدَّولة التي تراهن على أبنائها، يجب أن تتأكد بأن أبناءَها يراهنون عليها في حفظ حقوقهم، وتحقيق طموحاتهم ، وخلق مستقبل أفضل لهم، بل وحمايتهم في وقت الشدائد وضيق الحال. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تعزيز الدّور الحكومي في تطوير التعليم العالي والبحث العلمي ، والمساهمة الحقيقية في المشاريع الاقتصادية التي تفتح الآفاق لجيل يكابد العيش، وجيل بدأ للتوّ بشق طريقه نحو مستقبل واعد ويأمل أن يوفَّر له ما يمكنه من الصمود على الأرض وأمام تحديات الحياة.
* عميد الدرسات العليا في جامعة بوليتكنك فلسطين