وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

تركيا الاردوغانية : ديمقراطية الديكتاتورية وديكتاتورية الديمقراطية

نشر بتاريخ: 20/07/2020 ( آخر تحديث: 20/07/2020 الساعة: 14:21 )
تركيا الاردوغانية : ديمقراطية الديكتاتورية وديكتاتورية الديمقراطية

يدور في ذهن المواطن العربي مجموعة من الأسئلة : ما الفرق بين ديكتاتورية اردوغان و الديكتاتوريات العربية ؟ وهل من الممكن أن يكون الديكتاتور محبوباً ؟ و هل الديكتاتور يحقق لشعبه انجازات ؟ و لماذا لم تقدم ديكتاتورياتنا العربية لشعوبها إلا التخلف و التمزق و الفساد و الاغتراب السياسي ؟ الإجابة المختصرة على ذلك من خلال الفرق الجوهري الذي يتمثل في أن الديكتاتوريات العربية – و بحكم ظروف ذاتية و موضوعية : من حيث طبيعتها و تركيبتها البنيوية و مراحل تطورها و دور الدول الكبرى في إنشائها أو دعمها - تشعر بأن قوتها بمقدار كبت شعوبها وإغراقها في مشاكلها و همومها اليومية و الحياتية وفرض سياسة الخوف ضمن ثنائية ( الإلهاء و التخويف ) حيث يضمن النظام السياسي عدم المسؤولية و المساءلة من قبل الشعب , و بالتالي إحكام السيطرة على المواطن و الاستئثار بالوطن و ممتلكاته . أي جعل المواطن يراوح مكانه و رغيف الخبز و الحد الأدنى من الأمن والأمان أقصى أمانيه .

وفي المقابل فان ( ديكتاتورية أردوغان ) و لا سيما بعد تحويل النظام السياسي من البرلماني الى رئاسي, ليس لشيء إلا من أجل الاستمرار في الحكم لأطول فترة ممكنة, بصلاحيات رئاسية مطلقة, ومن هنا أطلقنا عليها ديكتاتورية – على الرغم من الانتخابات و التعددية الحزبية في تركيا - نقول بأن ( دكتاتورية أردوغان ) تقف على النقيض من الدكتاتوريات العربية من حيث أن أردوغان يشعر بأن قوته و عظمته هي من قوة و عظمة تركيا و بمقدار ما يحقق للشعب التركي من رفاهية و كرامة بمقدار ضمان بقاءه في الحكم .

مرت تركيا الاردوغانية - منذ وصول أردوغان ( حزب العدالة والتنمية) إلى رئاسة الوزراء عام 2003- بسلسلة من التطورات التي تبدو للوهلة الاولى متناقضة و مضطربة , لكنها في واقع الحال تعكس طموحه الشخصي وذلك للوصول بتركيا للهيمنة الإقليمية وفي نفس الوقت تكريس زعامته المطلقة لهذه الدولة (القومية الدينية الاسلامية العلمانية الشرقية الأوربية التاريخانية الحداثوية ) وهي متناقضات استطاع أردوغان جمعها, و التحرك بها ومن خلالها .

نعم لقد نجح أردوغان داخلياً بالارتكاز على ثنائية ( الخطاب الشعبوي و الانجاز الاقتصادي ) وأعتقد أن هذه الثنائية هي وصفة النجاح للنظام السياسي بغض النظر عن كيفية وصوله للحكم ثورة أو انقلاباً أو انتخابات.

تمكن أردوغان من تحويل و نقل تركيا من بلد فاشل اقتصادياً و متقوقع سياسياً و مقموع دينياً, الى موقع متقدم في مجموعة دول العشرين الأقوى اقتصادياً , و على الصعيد الاقتصاد الداخلي فقد توسعت الطبقة الوسطى بشكل كبير , و تراجع عدد الفقراء , و تحسنت حياة الأتراك بفضل المشاريع الكبرى و الخطط الاستراتيجية و الرؤى الواضحة , كما وجد الأتراك المتدينون

متنفساً لهم في عهد أردوغان , بعد أن همشوا من قبل النخبة العلمانية العسكرية . وفيما يتعلق بالنخبة العسكرية فقد احكم أردوغان سيطرته على المؤسسة العسكرية, و قد بدا ذلك واضحاً و جلياً بعد( انقلاب)أحداث 15-16 تموز 2016 , حيث مارس أردوغان ذكاء في التعامل مع هذه الأحداث من ناحيتين :

أولاً : عندما طلب من المواطنين الأتراك النزول الى الشوارع لمواجهة (الانقلاب) و التصدي له, أي أنه كان على استعداد لإدخال تركيا في حرب أهلية للدفاع عن حكمه ( تحت ذريعة الدفاع عن الشرعية ), و في نفس الوقت إرسال عدة رسائل لعدة جهات - داخلية و خارجية - حول قوته و التفاف الشارع التركي حوله. وهذا ما بنى عليه لاحقاً في موضوع الاستغلال الذكي لعامل الزمن والتوقيت في موضوع الاستفتاء, و هذا ما قاد البعض إلى اعتبار أن (الانقلاب ) هو خدعة و مسرحية أردوغانية , من أجل التخلص من المعارضين – المدنيين و العسكريين - وتعديل الدستور وإحكام السيطرة على النظام السياسي التركي بجميع مفاصله, من خلال منح منصب الرئيس صلاحيات مطلقة , و هذا لم يكن متاحاً لولا محاولة الانقلاب الفاشلة.

لقد تحول أردوغان و بعد ساعات قليلة من رئيس كاد يفقد السيطرة على الحكم و البلاد الى زعيم لا يمكن مواجهته , و الشيء الآخر المهم هنا أنه و لأول مرة يقوم الشعب التركي بالوقوف ضد انقلاب منذ إنشاء تركيا الحديثة ,علماً بأن الدولة التركية شهدت عدداً من الانقلابات – قبل وصول حزب العدالة و التنمية للحكم - كان الشعب التركي يقف تجاهها موقف المتفرج.

ثانياً : استغلال موضوع ( الانقلاب ) من أجل الاستفتاء على تعديل النظام السياسي من البرلماني الى الرئاسي, مستفيداً من حالة التعاطف معه, و متذرعاً بالرغبة بالدفاع عن الديمقراطية .

على الصعيد الاقليمي, نجد أن تركيا الأردوغانية تمددت بطموحاتها وتطلعاتها باتجاه المنطقة العربية, مستخدمة جميع وسائل و أدوات السياسة الخارجية الناعمة و الخشنة, إما من خلال اتفاقيات دفاع استراتيجي و عسكري مع( قطر), لمواجهة كلاً من ( السعودية و مصر والإمارات و البحرين ), أو استئجار جزيرة سواكن- لأغراض سياحية و سياسية و عسكرية –من( السودان) , أو من خلال التمدد الأيدلوجي و المذهبي (الاسلام السياسي السني ) في( مصر) بعد ثورة 2011 و في عهد الرئيس محمد مرسي , أو التدخل العسكري المباشر في كل من سوريا و العراق و ليبيا .

ومن الملفت في سياسة تركيا الاردوغانية تجاه المنطقة العربية أنها( دعمت ) مطالب الشعوب العربية بالتخلص من حكامها - على الرغم من أنها كانت تقيم علاقات مميزة مع الأنظمة العربية الديكتاتورية قبل الربيع العربي - فأصبحت تركيا قبلة الربيع العربي و الثوار العرب , كما ان تركيا ترتبط بعلاقات وثيقة واستراتيجية مع اسرائيل وعلى أعلى المستويات , يضاف الى ذلك ان تركيا لم ترفع شعار دعم المقاومة أو دعم المقاومة فعلاً – كما فعلت بعض الدول مثل إيران - ولم تضغط على إسرائيل ضغطاً حقيقياً و فعلياً على الرغم من جميع الانتهاكات و

التجاوزات التي قامت و تقوم بها إسرائيل , و على الرغم من كل ذلك, نجد أن إعجاب جزء من الشارع العربي باردوغان لم يتزعزع . فكيف نفسر ذلك ؟

ومن خلال تتبعنا لتحركات أردوغان الإقليمية , فنجد أنه امتاز بانقلابه و تقلباته في الملفات الإقليمية, و بعلاقاته مع دول وأنظمة كانت حليفة الأمس, و لاسيما عند حديثنا عن علاقاته المميزة مع بشار الأسد, و كذلك مع معمر القذافي حتى عام 2011 , وفجأة انقلب عليهما بل و رمى بكل ثقله في هذين البلدين و تحديداً ضد هذين الحليفين .

إن صفة الانقلاب و التقلب في العلاقات هي من أهم سمات الديكتاتوريات بشكل عام وأردوغان بشكل خاص , فقد انقلب على زعمائه الفكريين وآبائه الروحيين من نجم الدين أربكان إلى فتح الله غولن , بالاضافه لانقلابه على رفاق دربه في حزب العدالة و التنمية لاسيما الرئيس التركي السابق (عبد الله غول )ووزير الخارجية 0أحمد داود أوغلو) الذي انشق مؤسساً حزباً جديداً ( حزب المستقبل ) و (علي باباجان ) وزير الاقتصاد و الذي شكل أيضاً حزباً جديداً هو حزب الديمقراطية و التقدم .

أخيراً نستطيع القول ان السياسة الخارجية لتركيا الاردوغانية , تسير بطريقة تصاعدية وتصعيدية, ففي البداية تبنت سياسة خارجية تقوم على (دبلوماسية التصفير) أي صفر مشكلات على قاعدة خفض المشكلات الى درجة الصفر سواء مع الدول القريبة أو البعيدة , ثم انطلقت الى ( الدبلوماسية الاستباقية ) أي التدخل لحل المشكلات في محيطها المباشر و القريب , و أخيراً و بعد الربيع العربي اتبعت تركيا (الدبلوماسية الخشنة ) مستخدمة جميع الوسائل لتحقيق اهدافها بالتمدد .