التطبیع المقدس والتطبیع الحرام
نشر بتاريخ: 16/08/2020 ( آخر تحديث: 16/08/2020 الساعة: 12:48 )
الاتفاق الثلاثي بین اسرائیل والولایات المتحدة ودولة الامارات العربیة المتحدة الذي ا ُعلن عنھ في الثلاث عواصم قبل یومین شكل زلزال سیاسي في المنطقة سیكون لھ ارتدادات متعدده.
كفلسطیني اعتبر ان منظمة التحریر الفلسطینیة ھي الممثل الشرعي والوحید للشعب الفلسطیني والمفوض بالتحدث بأسمه واحترم القرارات والاتفاقات التي تتخذھا مؤسسات المنظمة واعتبر ان اي تطبیع من قبل اي دولة عربیة مع اسرائیل قبل
تحقیق السلام العادل على اساس حل الدولتین واقامة الدولة الفلسطینیة المستقلة على حدود الرابع من حزیران عام ١٩٦٧ مرفوض و لا یخدم المصلحة الفلسطینیة.
مع ذلك آن الاوان اندرك كفلسطینیین ان الزمن یتغیر ولم یعد یعمل وفق التوقیت الفلسطیني و ان الدول تبحث عن مصالحھا ومن ثم تأخذ بعین الاعتبار مصالح الاخرین.
آن الاوان ان ندرك كفلسطینیین اننا لم نعد مركز الكون و ان القضیة الفلسطینیة ، على اھمیتھا و قدسیتھا لم تعد القضیة المركزیة لدى الدول العربیة والاجنبیة وان ھناك صراعات ونزاعات و كوارث في ھذا العالم ینظر لھا على انھا اھم من القضیة الفلسطینیة.
یجب علینا ان ننظر لانفسنا في المرآة و نرى حقیقتنا كما ھي و لیس كما یرید ان یراھا كل واحد منا، وان ثقافة الشتم و الردح و التخوین وحرق صور وحرق اعلام الدول لا یصنع سیاسات ولا یجنبنا المخاطر ولن یعالج لنا مشكلة والاھم من كل ذلك لن یعفینا من اجراء جرد حساب لما فعلناه خلال العقود الاخیرة. این اصبنا واین اخطئنا وما الذي فعلناه بأنسفنا.
ھل ھناك من یختلف على ان القضیة الفلسطینیة فقدت الكثیر من قدسیتھا ومن ھیبتھا ومن مكانتھا في نظر الشعوب والدول ، خاصة العربیة منھا .
فقدت ھیبتھا وقدسیتھا اولا لاسباب موضوعیة ناتجة عن التغیرات في الاقلیم والعالم وھذا لیس بأیدینا .
ولكنھا فقدت ھیبتھا ایضا بسبب انقسامنا و تشرذمنا و اقتتالنا وانشغالنا في مناكفة بعضنا. فقدت ھیبتھا لاننا فشلنا في الحفاظ على وحدة شعبنا وفشلنا في انھاء انقسامنا بعد مرور اكثر من اربعة عشر عاما.
القضیة الفلسطینیة فقدت ھیبتھا لاننا فشلنا في بناء مؤسسات دولة على اسس من النزاھة والشفافیة القائمة علي الفصل بین السلطات بحیث یطبق القانون على الكبیر قبل الصغیر والزعیم قبل الغفیر.
بعد ربع قرن من تأسیس السلطة و اربعة عشر عاما من الانقسام اصبح لدینا مولود مشوه لا ھو سلطة ولا ھو دولة ولا ھو ثورة .
من یراقب رد الفعل الفلسطیني الرسمي على الاتفاق الثلاثي و الھجوم بدون كوابح على الامارات یشعر ان الامر لا یتعلق فقط برفض الاتفاق واعتباره طعنھ في الظھر و لكنھ ایضا تسدید حساب یتجاوز مسألة الاتفاق، الا اذا كان ھناك تطبیع حلال و تطبیع حرام، تطبیع مقدس وتطبیع مدنس.
كیف للمواطن الفلسطیني ان یفسر السكوت على التطبیع الذي تمارسه قطر منذ العام ١٩٩٦ مع اسرائیل واقامة مكتب اتصال و بشكل علني واكید ھناك ایضا ما ھو سري وبعید عن العین، دون ان تنتقد القیادة الفلسطینیة ھذا الامر .
وكیف للمواطن الفلسطیني ان یفسر عدم انتقاد السلطة لقطر وشنط الدولارات التي یجلبھا العمادي عن طریق مطار تل ابیب ویدخلھا الى غزة لما یعتبروه ھم تعزیزا للانقسام الفلسطیني و تعزیزا للفصل بین غزة والضفة؟ لماذا لم یسمع صوت اي مسؤول فلسطیني ینتقد ھذا الامر ؟ الیس ھذا الامر یثیر للشبھات ؟
لست ھنا بصدد انتقاد قطر او التھجم علیھا. ھي دولة لھا مصالحالھا ولھا سیاستھا ولھا حلفاءھا، وھي تعمل وفق ھذه المصالح . مشروعھا مشروع الاخوان في المنطقة وھي تعمل علي تعزیز ھذا المشروع ، ولكن فقط اردت لفت انتباه بأن ھناك من یضع في فمھ ماء في كل ما یتعلق بالتطبیع القطري الحلال ویطلق العنان للانتقاد والتھجم والشتم دون كوابح على التطبیع الحرام.
اتفھم موقف الاخوة في حماس بعدم تھجمھم على قطر و عدم انتقادھم للتطبیع القطري اولا لان قطر تتبنى مشروع الاخوان ومعھم الخلیفھ اردوغان وثانیا لان غالبیة المكتب السیاسي لحماس یقیم في قطر. ولكن لا استطیع ان اتفھم موقف حماس بالتمییز بین تطبیع وتطبیع.
كذلك الامر بالنسبة لتركیا والخلیفة اردوغان الذي اعتلى الموجة واستغل الاتفاق لیسدد الحساب مع خصومھ الذي یصطدم معھم في اكثر من جبھة و یعتبرھم عقبة في تنفیذ مشروعھ الاخواني.
الیس امرا مضحكا ان یتحدث اردوغان عن التطبیع وتركیا التي تربطھا مصالح اقتصادیة مع اسرائیل حیث تبلغ قیمة تبادلھا التجاري خمسة ملیارد دولار سنویا و الطیارین الاسرائیلیین یتدربون في الفضاء التركي الواسع و قطع الغیار للطائرات التركیة الامریكیة الصنع تحصل علیھا من اسرائیل و كذلك تكنلوجیا الطائرات بدون طیار. اتفھم تھجم اردوغان على الامارات ولكن ھذا الاستھبال و الاستغلال للموقف یجب ان لا ینطلي على احد.
نموذج آخر للتطبیع المقدس المبارك من قبل من یضعون في فمھم ماء عندما یتعارض الامر مع مصالحھم الشخصیة. قبل عامین زار نتنیاھو سلطنة ُعمان و التقى مع الراحل السلطان قابوس. لم یكن ھناك اي رد فعل فلسطیني على ھذه الریارة ، والاكثر من ذلك ان ھناك ربط بین ھذه الزیارة وزیارة الرئیس عباس لُعمان یومین فقط قبل زیارة نتنیاھو ھناك.
اما النموذج الاخیر للتطبیع المقدس یتعلق بزیارة المسؤول في الاستخبارات السعودیة السابق الجنرال انور عشقي لاسرائیل ، لیس بشكل سري ، بل بشكل علني بالصوت و الصورة و كان برفقتھ مسؤول فلسطني . اي لیس فقط ھذه الزیارة التطبیعیة لم تحظ بانتقادات و ردود افعال غاضبة بل حظت بمباركة فلسطینیة بعد ان تم تصنیفھا تحت قائمة التطبیع الحلال الذي یخدم القضیة الفلسطینیة و لیس من النوع الذي یشكل لھا طعنھ في الظھر.
على ایة حال اذا كان الاتفاق الثلاثي ھو كارثة على الفلسطینیین فأن من الارجح ان تكون ھناك المزید من الكوارث و باسرع مما نتخیل .
لذلك وفروا قلیلا من الجھد و الشتم و التعھیر و جھزوا صور رؤساء و زعماء و اعلام دول لانھ حتى الان و مع كل الالم و الحسرة سنجد انفسنا نقف لوحدنا في مواجھة خطر تراجع قضیتنا.
الطریق الى الدولة و الحریة و التحریر و اعادة الحقوق و اعادة القضیة الفلسطینیة الى مكانتھا المحترمة و على سلم اولویات الاشقاء و الاصدقاء لا یأتي الا اذا قررنا نحن الفلسطینیون ان نعید حساباتنا و نقیم سلوكنا و اعوجاجنا و نوحد صفوفنا و ننھي انقسامنا و نعید بناء مؤسساتنا و نجري انتخابتنا و نفصل بین سلطاتنا و نحترم قوانینا و قرارات قضائنا و نتفق على برنامجنا الوطني. حینھا فقط قد یكون لنا امل في العودة بقضیتنا الى ما تستحق من مكانھ.