|
فلسطين والمضابط: المزيد من الشيء نفسه ولكن....؟!
نشر بتاريخ: 20/08/2020 ( آخر تحديث: 20/08/2020 الساعة: 10:05 )
بقلم : سليم سلامة وصلني، من أكثر من مصدر، بيان/ نداء، مؤرخ في 17/8/2020، مصاغ بثلاث لغات (العربية والإنجليزية والفرنسية)، مع قائمة بالموقعين عليه، كي أضيف توقيعي عليه،"لتسليمه إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والمنظمات الجهوية الأخرى في العالم ولعرضه أمام الرأي العام العربي والعالمي". والبيان/ الإعلان/ النداء هو مبادرة من السياسي والدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي "بشأن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم واعتداء سافرين على حقوقه وكرامتهوأرضه"، على أمل أن تكون هذه المبادرة "فاتحة عمل عربي وعالمي متواصل دفاعاً عن الحق الفلسطيني ومؤازرة لنضال الشعب الفلسطيني العادل ضد الظلم المفروض عليه". لنبدأ من النهاية ! 1. البناء على "الشرعية الدولية". لا أعتقد إن ثمة صادقَين (ولا أقول "عاقلين"!) اثنين يختلفان أو يتجادلان اليوم في حقيقة غياب ما يسمى "الشرعية الدولية"، زوراً وبهتاناً. 2. لا يمكن، ولا يجوز، مواجهة الممارسات الإسرائيلية التي تتفاقم يومياً "والتي تستعيد نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) في جنوب أفريقيا في أعلى حالاته"، كما يسجل البيان،بمثل هذه التوجهات والنصوص السياسية التي تلتزم أقصى درجات الحذر في انتقاء المفردات وفي صياغة الأفكار وفي طرح المواقف. ثمة في "الأبرتهايد" ما يستدعي، يوجب ويبرر ارتقاء المعركة ضده إلى ما يمكن أن يشكل تحدياً مباشراً، جدياً وحقيقياً، له يضعه أمام استحقاقات جوهرية، سياسية ـ دبلوماسيةواقتصادية، ترغم دهاقنته على ما لا يخطر في بالهم القيام به بمبادرتهم ومن تلقاء أنفسهم: ثمة في تشخيص المرض/ الواقع غير العادي ما يستدعي، يوجب ويبرر وصف علاج/ تعامل غير عادي أيضاً. 3. كنت أتمنى أن يعكس نص البيان وصياغاته الواقع على حقيقته الجلية، لا أن يحاول تجميله بالتغني بفردوس يعرف الجميع، يرى ويسمع، أنه مفقود مفقود، حتى يكاد يكونعصياً على التمني حتى. ومنه، مثلاً، القول إن "الشعب الفلسطيني في جميع أرجاء وجوده، داخل أراضيه وفي الشتات، يتوحد اليوم في مواجهة هذه الخطة وخطط قوات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة فيالتنكيل بحقوق الشعب الفلسطيني، على الرغم من الخلافات السياسية القائمة بين قادته. كما تستمر الشعوب العربية في مناصرة الشعب الفلسطيني وقضيته ومناهضة الممارساتالإسرائيلية في فلسطين وفي الجولان، على الرغم من تخاذل وتردد بعض هذه الحكومات"، على حد ادعاء البيان الذي لا أعرف، حقاً، من أين استقى البيان هذه المعلومات، كيفاستدل إلى هذا التشخيص ومن أين استمد هذا الأمل؟ 4. يعتمد البيان أسلوب (وما هي بمسألة أسلوبية فقط، بالطبع!!) الشخصنة في تصوير السياسات الدولتية وتحليلها، وهو ما يُخرج السياسة من عالم المصالح، الاستراتيجيةالسياسية ـ الاقتصادية، وينقلها إلى ملعب الأشخاص، بما يحصرها فيهم ويوهم بأن الأمر منوط بتغيير الأشخاص فحسب، لا بتغيير منظومة المصالح وما يحكمها من إيديولوجياتورؤى سياساتية. هكذا هو الحديث عن "حكومة نتنياهو" و"إدارة ترامب"؛ وهو ما نعيبه على "السياسة العربية" عندنا هنا في السنوات الأخيرة، إذ تمارسه كجزء من التمثّل التام ـالواعي أو غير الواعي، لا فرق ـ للغة السياسة الإسرائيلية، مفرداتها وتصنيفاتها، وخصوصاً منها ما يسمى "اليسار الصهيوني" الذي يتوهم ويوهم بأن كل شيء كان على ما يرامقبل "حكومة نتنياهو" وسيعود ليكون على ما يرام بعدها. 5. وهذه هي النقطة المركزية: يتحدث البيان عن دعم "حق الفلسطينيين في استخدام كل أشكال الطرق المشروعة في مقاومة الاضطهاد والتمييز العنصري، بما في ذلك حقهم فيالنضال من أجل المقاطعة وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات على إسرائيل. وهذه الطرق أدوات نضالية سلمية استخدمها بنجاح الإيرلنديون والهنود وشعوب جنوب أفريقيا فينضالهم العادل ضد الاستعمار والطغيان"، ... كما يقول البيان الذي لا يعير أدنى انتباه أو اهتمام للتناقص الصارخ بين "حق الفلسطينيين في استخدام كل أشكال الطرق المشروعة" (في مقاومة الاحتلال، الذي هو الأصل والمسبب، وليس "الاضطهاد والتمييز العنصري" فقط، اللذين هما من بين نتائجه وإفرازاته، بل أدواته) وبين حصر "كل أشكال الطرقالمشروعة" هذه في "أدوات نضالية سلمية"! يشير إلى أن "الإيرلنديين والهنود وشعوب جنوب أفريقيا استخدموها في نضالهم العادل ضد الاستعمار والطغيان"، لكنه يغيّب حقيقة أنها كانت جزءاً فقط من "كل أشكال الطرقالمشروعة" التي استخدموها ولم تكن "كل أشكال الطرق المشروعة" هذه ولم يحققوا ما ناضلوا من أجله بواسطتها فقط. ومن هنا أيضاً، فإن تنويه البيان إلى أن "هذه الوسائل تستخدم اليوم من جانب الأمريكيين السود في دعوتهم إلى مقاطعة المؤسسات التي تساهم في اضطهادهم وقمعهم" هو خلطوتمويه (لا اعتقدهما غير مقصودين، بالنظر إلى تجربة وثقافة كاتبيه والموقعين عليه، سياسيين ودبلوماسيين ومثقفين عرب وفلسطينيين) بين حالتين لا شبه بينهما ولا مجالللموازاة بينهما ـ حالة السود في أمريكا وحالة الفلسطينيين تحت واقع الاحتلال الاستعماري الإحلالي. بالتوجه ذاته وبالمعنى نفسه يعود البيان إلى التأكيد على أن "الشعب الفلسطيني لديه الحق في استخدام كل الطرق المشروعة في نضاله ضد الحملة الإسرائيلية المستمرة في سلبأراضيه ومنعه من ممارسة حقوقه القومية والمدنية"، ليضع من عنده توصيفاً مخففاً (بالفتحة والكسرة على الفاء الأولى) لواقع الاحتلال الاستعماري الإحلالي (ليس مجرد "حملة إسرائيلية مستمرة...."!) ومن دون أن يترك مجالاً لأي تأويل بشأن "كل الطرق المشروعة" التي يتحدث عنها ويقصدها حتى يصل إلى الجزم بأنه "فقط هذا النوع من الإجراءاتسينجح في فرض تكلفة باهظة على ممارسات دولة الاحتلال"!! فالأولى بهم أن يتنبهوا إلى حقيقة كونه خطوة أخرى في المسار "النضالي" نفسه الذي لم يأت، في حصالة ما يزيد عن سبعين عاماً، سوى بالمزيد من الشهية والغطرسةالاحتلاليتين ولم يثمر سوى المزيد من التوسع الاستيطاني والتكريس الأبرتهايدي، في موازاة تعميق التفكك العربي وتكريس التشرذم الفلسطيني، الذين يغذيها شعور متفاقم بالإحباط وقلة الحيلة وعدم جدوى "النضال" على هذا المنوال. الوارد أعلاه هو قراءة نقدية لهذا البيان الذي لا يقدم مصالح الشعب الفلسطيني وعليه فمن المتوقع من الجهات السياسية والتنظيمية للشعب الفلسطيني وبالتعاون مع اصدقائه في كل مكان القيام وبشكل مهني بإعداد برنامج عمل شامل وإلا سنبقى في ملعب تنيس البيانات الغير مجدية لإرضاء الضمير ليس الا. |