|
منظمة التحرير .. لا تستطيع العودة للكفاح المسلح ولا يجوز أن تتحول لحركة سلام
نشر بتاريخ: 20/08/2020 ( آخر تحديث: 20/08/2020 الساعة: 14:18 )
في الأجزاء الخمسة لرواية مدن الملح للروائي السعودي الكبير عبد الرحمن منيف ، يصف بكل دقة وواقعية تأثير اكتشاف النفط في الجزيرة العربية وتأثير ذلك على الحياة البدوية في الصحراء . ويذهب منيف إلى أبعد حدود الصدق في الوصف والتفاعل مع المشهد الجديد وكيف أن اكتشاف النفط أعاد ترتيب الأشياء وفق سلم أولويات جديدة ولمصلحة أطراف جديدة . ومع ذلك . لا ينسى الروائي السعودي أن يترك بصمة إنسانية تلامس الوجدان حين يقول أن اكتشاف النفط قد يغير نمط الحياة لكنه لا يغير نمط النفس البشرية التي انفطر عليها . • ومن أقوال عبد الرحمن منيف في هذه الرواية الخماسية (الذاكرة.. لعنة الإنسان المشتهاة ولعبته الخطرة، إذ بمقدار ما تتيح له سفراً دائماً نحو الحرية، فإنها تصبح سجنه. وفي هذا السفر الدائم يعيد تشكيل العالم والرغبات والأوهام
اكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية ومدى تأثيره على حياة القبائل والعشائر ، لا يختلف من وجهة نظري عن اكتشاف " السلام الأمريكي " في دروب منظمة التحرير . وكلاهما نعمة ونقمة في نفس الوقت .
كل بدوي عربي خليجي فرح باكتشاف النفط . وفي نفس الوقت تراه غاضبا من اكتشاف النفط ويخشى على عاداته وعلى نمط حياته وأن يفقد هويته في زحمة الثراء المفاجئ . كل فلسطيني بداخله فدائي مقاتل يرغب في محاربة الصهيونية حتى آخر لحظة في حياته ، لينتقم من الذين سرقوا وطنه وهدموا منزله ودمروا حياته . وفي نفس الوقت بداخل كل فلسطيني مفاوض يريد أن ينتهي من هذا الصراع الذي له أول وليس له آخر مع هؤلاء اليهود الذين تعب الأنبياء معهم .
وفي داخل كل إسرائيلي صهيوني حاقد على أوروبا ولكنه جاء لينتقم من العرب لأنه لا يزال يعشق أوروبا . في داخل كل إسرائيلي ثقافة حاقد يهودي في عصابات هاجاناة واتسيل وأرغون وموساد واغتيالات وحواجز وحظر تجوال وسجّان واحتلال ولا يقبل إلا اليهودي مثله ، وهو يحارب باقي الأديان ويعتبرهم أغيار . وفي نفس الوقت يخفي هذا الوحش ويريد أن يظهر أمام العالم على أنه محب للعلم والشعر والسلام والتكنولوجيا وانه متسامح مع باقي الأديان . لا يمكن لسكان الخليج أن يتركوا القصور والطائرات الفخمة وأشهر مأكولات العالم والخدم والحشم وان يعودوا لرعي الإبل في الصحراء. ولا يمكن لقادة منظمة التحرير أن يتركوا المكاتب والسيارات والمرافقين وتذاكر السفر والندوات في أفخم الفنادق ويعودوا إلى الخنادق . ولا يمكن لليهودي أن يعود للربا وتجارة الساعات عند كنائس أوروبا كما كان . ولا يمكنه أيضا أن يمسح دم الفلسطيني عن يديه بهذه البساطة ويتحوّل إلى حمامة سلام . ولا يمكن لقادة حماس أن يتركوا المواكب وشاشات التلفزيون والمؤتمرات الصحفية والسجاد الأحمر في قطر وتركيا ، وأن يعودوا إلى زنازين السلطة وشظف العيش . كل شيء تغيّر . وكل شيء عالق في عنق زجاجة التاريخ المعاصر . وفي عودة إلى عبد الرحمن منيف حين يقول في راوية مدن الملح ( هناك شيء في كل إنسان يخبو لكن لا يموت، ويظل هذا الشيء يحركه ويدفعه من مكان إلى آخر حتى يعود إلى منابعه) . في يوم ما ، سيعود كل شيء إلى ما كان عليه . حتى لو كان يأتي متأخرا . |