|
تساؤلات حول الزحف الفلسطيني للوطن في الداخل
نشر بتاريخ: 29/08/2020 ( آخر تحديث: 29/08/2020 الساعة: 17:09 )
فوجئ الفلسطينيون – سلطة و أحزاباً و شعباً – بالسماح ( التسهيل أو التساهل) الإسرائيلي لهم بالوصول للداخل الفلسطيني بدون تصاريح ( كما جرت العادة ), وعلى مرأى ومسمع رجال الأمن الإسرائيلي . أثار القرار الإسرائيلي التساؤلات والشكوك حول الهدف من وراء ذلك, و الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون سلوكاً عفوياً أو إنسانياً, لأننا ندرك تمام الإدراك ان إسرائيل مسكونة بالعقيدة بل بالعقدة الأمنية , و مما زاد من الحيرة ان هذا القرار جاء في ظل حالة الإغلاق, و التشديد التي تعيشها إسرائيل بسبب الوضع الصحي ( كورونا ), وكذلك مع وقف التنسيق الأمني مع السلطة الوطنية الفلسطينية . إن السلوك الإسرائيلي بهذه الحالة يتمحور أولاً: حول فلسفة إسرائيل السياسية اليمينية , و نظرتها لمستقبل صراعها مع الفلسطينيين, حيث ان الأحزاب الإسرائيلية بشكل عام و اليمينية بشقيه القومي و الديني بشكل خاص -وهي التي تحكم إسرائيل حالياً- تؤمن في قرارة نفسها وفي صلب أيدلوجيتها – بعيداً عن التكتيكات أو الإعلام – بضرورة إقامة إسرائيل الكبرى, و هذا ما يقتضي بالضرورة رفض فكرة دولة فلسطينية ذات سيادة, وعدم الاعتراف بالفلسطينيين و بهويتهم الوطنية, وتحويلهم إلى أفراد يبحثون عن العمل والسياحة و التجارة , و ربما لاحقاً بعض الحقوق المدنية و السياسية . وبما ان إسرائيل غير قادرة حالياً على تطبيق أيدلوجيتها بالتخلص من الوجود الفلسطيني, أو تقليصه بحدوده الدنيا على أقل تقدير, فعليها التعامل مع هذا الوجود بواقعية ضمن مفهوم ( السلام الاقتصادي ) , والذي يعيد صياغة طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي, أو الفلسطيني الإسرائيلي على أسس اقتصادية ,ضمن مفهوم إسرائيل الكبرى, أو على أقل تقدير الدولة الواحدة لكن بالرؤية الإسرائيلية . ومن هنا جاءت هذه الخطوة الإسرائيلية على هذا الشكل و بهذه الطريقة, و من المتوقع أن تتلوها خطوات أكثر في هذا الاتجاه , و بشكل خاص مع الضفة الغربية , مع الإبقاء على قطاع غزة بعيداً و مفصولاً . من الملفت ان سماح إسرائيل للفلسطينيين بالدخول قد تم وسط صمت – إقرار بالرضا و الموافقة – من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية, وكذلك جميع الأحزاب الإسرائيلية من مختلف الاتجاهات و التوجهات , حيث لم يبد أياً منها امتعاضاً أو اعتراضاً أو تخوفاً أمنياً من هذه الآلاف الفلسطينية الزاحفة لوطنها في الداخل . كيف وصلت إسرائيل إلى هذه الدرجة من الثقة بسلوكنا, و كيف وصلنا نحن إلى هذه الحالة التي لم نعد فيها مصدر قلق أو خوف للإسرائيليين, هل هو فقدان البوصلة, أم الإحباط و فقدان الثقة ما بين الشعب من جهة و الأحزاب و السلطة الوطنية من جهة أخرى , أم هو الإنسان ( الفلسطيني الجديد) الذي أعيدت عملية هندسة وعيه على مدار سنين بمفاهيم اقتصادية معيشية . ثانياً: توجيه رسالة للسلطة الوطنية الفلسطينية - والتي عادة ما تلوح بوقف التنسيق الأمني, أو بحل نفسها و تسليم المفاتيح - بان إسرائيل قادرة على التواصل والتعامل مع الشعب الفلسطيني مباشرة . و كذلك تطبيق سياسة العصا و الجزرة التي تقوم على معاملة الفلسطينيين بحسب سلوكهم تجاه الاحتلال, والتي نادى بها افيغدور ليبرمان رئيس حزب (إسرائيل بيتنا ) ووزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق . إسرائيل تحاول إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى, حيث كانت للفلسطيني حرية الحركة اقتصادياً والفرصة الآن مواتية جداً , لأن منظمة التحرير الفلسطينية بحكم الحاضر الغائب, ومن المستبعد أن تكون قادرة على تحريك أو توجيه الشارع الفلسطيني مثلما حدث في الانتفاضة الأولى. حاول البعض تفسير الخطوة الإسرائيلية على أساس اقتصادي, أي إنعاش الاقتصاد في ضل أزمة كورونا و الإضرار بالاقتصاد الفلسطيني . أيعقل أن ينعش الاقتصاد الإسرائيلي أو يتضرر الاقتصاد الفلسطيني بفعل بضعة ملايين من الدولارات سينفقها الفلسطيني في الداخل . أما على الجانب الفلسطيني فمن المتفهم إقبال المواطن الفلسطيني, و شغفه لرؤية وطنه , و لكن من الصعوبة بمكان تفهم صمت القيادة و الأحزاب الفلسطينية , فلم ترحب أو توضح أو تمنع بل اتخذت موقفاً محايداً . هل ينفع الحياد هنا ؟ * أستاذ العلوم السياسية/ جامعة الخليل - فلسطين |