|
من شهادة الشاعر على نصه- المعنى خارج الاطار
نشر بتاريخ: 02/11/2020 ( آخر تحديث: 04/11/2020 الساعة: 20:36 )
الكاتب: نداء يونس ان ما ينطبق في عرف امبرتو ايكو على الصور، ينطبق من جانب ما على ما اريده من الشعر "لقد رأيت بوضوح ان الامر تعلق هنا بحركات نابعة من ذاتية سهلة، تنتهي، بمجرد ان يقال: أحب/لا احب: من منا لا يمتلك فهرسه الداخلي للمذاقات، للنفور، للامبالاة؟ لكن بالتحديد: دائما ما كنت أرغب في البرهنة على امزجتي؛ ليس لتبريرها، وبدرجة ما ليس لملء مشهد النص بفرديتي؛ ولكن على النقيض لاهداء هذه الفردية ومدها الى علم للذات، علم لا يهمني اسمه كثيرا، بشرط ان يصل الى عمومية (لم تتمثل بعد) لا تختزلني ولا تسحقني". كيف تُحدث تلك النصوص التي تولد بلا اشتغالات فكرية وفلسفية خارج النص وفي كواليسه بعدها العمومي، كيف تصبح بعثا لواقع مضيء، شيئ كالسحر لا نسخا للواقع؟ كيف تتجاوز القانون لصالج المتخيل؟ ,كيف يمكن تجنب موت الشعر/الصورة حين نحبسه في اطار؟ يمكن لنص واحد الاحالة الى ابعاد اخرى خارج اطار القول. رغم ان الشعر محاولته ان يتجنب ان يتعرض للاختزال والسحق الذي يمارس على الانا، فان خلف النصوص اشتغالات تنحى بالكلمات من احالاتها المباشرة الى ما خلف كواليس النص، وتعمل على استحضار الغائب من الجهة التي لا تراها العين ولا تنكشف الا بمقدار التشارك في المعرفة مع المتلقي، حينها تشتغل التصنيفات او الفهرسة الداخلية للمذاقات بطرق مختلفة تماما. مرة أخرى تثير قصيدة "انا الحقيقة وأنت الظلال" اسئلة حول الاشتغالات البعيدة عن النص الذي احتل الاطار، اطار القصيدة، وبقدر ما يعكس هذا النص الادراكات الجسدية الفينومولوجية لكم من التجارب التي ابدو من خلالها منشغلة بالحب، بقدر ما تجعلني هذه الاشتغالات أتخذ موقفا مرتبكا ومتناقضا بل يائسا وواقعيا من قضايا كثيرة شخصية وذات بعد وجودي. هنا، تبدو الاشتغالات الفلسفية البنيوية مسرحا آخر للنص، وليس اشتغالا وحيدا اذا انه قابل لمجموعة قراءات خارج حدود الاشتغال المعلن. تحيل معالجة الوقت في مقطع "لانه كل شي" الى فكرة تعدد الوسائط الذي يرى بأنها ليست اكثر من توسع لمداها في احالة واضحة لميديولوجيا دوبريه، انه ذاك النسخ المتكرر للادوات بعيدا عن اي أثر حقيقي في المعرفة بل في الوهم وليس اكثر من عملات تحمل ذات الوجه لسلطة خطاب واحدة، لهذا فان عملية "التحول الى طائر" أمر مستحيل، لا يمكن بحال التحرر من تلك السلطات، ولذا تستعصي عملية التحول حتى في ظل وجود سحر الوسائط، اننا محكومون لادوات تعيد انتاج البنى الكبرى، محكومون لاعادة انتاج الرموز رقميا، ومحكومون بفكرة المحاولة، اما سحر قبعة التحرر من خلال اشكال التواصل الجديدة، فانه سيثبت ارتهانه كما يؤكد دوبريه للمعرفة الجمعية وخضوعه لها وسيكون في المحصلة انعكاسا لفكرة السلطة عند فوكو التي لا يمكن تجاوزها الا بالسحر او الجنون. وعليه، تتحول علاقتنا بالوسائط من رفض السلطة والعجز عن التأثير في العالم فرديا الى فكرة اللهو، اننا نستهلك الزمن والمكان والتقنية في ظل رفضنا البدئي للسلطة وللعجز عن تحقيق المعرفة الفردية وفرضها، وبالتالي تصبح فكرة التقاط السلفي التي وردت في القصيدة واقتسام الاعجابات نتيجة طبيعية لذلك الاشتغال الفلسفي، فالانا لا تصنع معرفة فردية ابدا امام المعرفة الجمعية، وتختزل الى ميمات وايقونات اتصالية تملأ الوقت فقط ولا تشكله، وهنا تشتغل فكرة الافتراضي لبودريار ووهم التقنية والاتصال لهذا تساءلت القصيدة عن الحياة الافتراضية وانقطاع الكهرباء اذ تحيل على موت التقني بالتقني، وتشتغل من خلال هذه الفلسفات تحت الاقرار الشعري في القصيدة "لست وحدي تماما ولست معك" على السؤال الاخطر في عالم التقنية:هل نحن متصلون في فضاءات الاتصال هذه ام اننا نحسن بالوحدة. اننا بهذا نعود الى كهف افلاطون، ان الحقيقة التي نراها هي الظلال على جدران الكهف، انها الحقيقة الوحيدة، لكننا لا نعلم اذا ما كانت هي الاصل ام انها مجرد صورة، وبالتالي يظل سؤال الظل والاصل رهن ادعاءاتنا " ما دمت ادعي انني الحقيقة وانك الظلال" .. وهكذا، فان عدم القدرة على التحقق من التعاقب، من الماضي الذي حدث ولم نكن شهودا عليه، الذي لا يمكننا ان نعرف لحظته الصفرية ولا ان نُخضع سيرورته الى التجربة والقياس ما يجعلنا رهن التأويل والاسطرة. يعاد انتاج الماضي في التزامن على شكل مقدس لا يمكننا نفيه او تأكيده او الهروب منه وهذا ما تعكسه مقاطع من الفصيدة مثل "لا تعرف الساحرات كيف يعدن الرجفة الاولى". هنا تشتغل بقوةٍ تفكيفية دريدا التي تدعو الى تفكيك المرجعيات والعلامات من خلال تتبع اثر تشكل الدال والمدلول او اللحظة الصفرية لتشكل المعنى او المرجع، وهو الامر المستحيل لكنه طريق هام لنسف الصلب في التاريخ الذي يحتفظ تحت غموضه بتلك الهالة الاسطورية والرمزية التي تحكم، ونجدها في مقطع مثل "كما لو تمكنت من اخفاء الامر"، فهل يمكن فعلا اخفاء جراائم التعاقب وابرازه الاحداث طازجة ببعدها التزامني؟ يستلزم الاشتراك في السنن المعرفي سهولة تفكيك المعاني، وبهذا فان الانكشاف الكامل والمعرفة التي سعى اليها ادم في جنته خطرة، انها تحيل كل سيرورة الزمن الى ركام، انها تقتل السلطة ذاتها، عوقب برميثيوس، ولهذا يبدأ المقطع بالتشكيك "كما لو"، هل يسمح لنا ان نتعلم ان نستنستخ سلطة السلطة ذاتها وأداتها التي تحافظ على نفسها بالغموض، على اخفاء الاشياء، حتى تعيش بالتأويل. لا بد ان يظل النص ملغزا حتى يعيش. النص الذي ليس صورة طبعا، اذا انه اذا صار صورة مات لان الصورة تقدم احالة الى تفسيرها وتحمل معها مرجعها، لكنه النص الذي يتحول الى سينما او مسرح اذ يمكنه ان يستشرف او ان يتحول الى فهم لحركة القادم ايضا. ان تفسير النص يقتله كما يقتله انشاؤه كصورة عن الواقع. الحكمة، بهذا المعنى، فكرة الحكمة، في هذا النص الشعري مرعبة، انها مادة تالفة، فلا حكمة جاهزة في الشعر ولا حكمة يقدمها النص الذي ليس صورة لقارئ اعتاد عبادة الصور بالطقوس والتعاويذ والتلاوات الفارغة، تقع الحكمة خارج الشعر، هي الاحضنة التي تتعلم المشي باتساق وبحركة وسرعة واحدة، لكنها في النهاية "تجر عربة واحدة" وهنا نعود مرة لعبقرية الميديوم لدى دوبريه وفكرة وهم الاتصال والمعرفة وتعدد الوسائط، وبهذا تصبح الحقيقة ايضا تالفة "الحقيقة كلب لا ينبح لكنه يصيبي بالصداع" وهذه اعادة انتاج لعبقرية لحكاية شلال الامبراطور في افتتاحية حياة الصورة وموتها لدوبريه. يتجاوز اللوح في النص الشعري فكرته المباشرة، الى بعده الرمزي كبنية كبرى ويحمل فكرة ماركسية رغم فوكويته العالية من خلال اعادة تعيين بنى الانتاج ويحيل الى جدليات التوستير حول المدرسة والكنيسة وهي الاطروحة التي لم يكملها وعاد الى احضان ماركسيته، والى نفس الفكرة تحيل "السماء لا تتوقف" و"الاثر غير القابل للمحو"، وبالتالي تصبح اي معرفة خارج التعاليم والسلطات اما شعرا او جنونا او انها تصبح استعراضا وممارسات هجينة تتحكم بالجسد وتفرض عليه قراءات جديدة للمفاهيم من خلال السماح له بالتعبير لكن بشكل غير مقاوم، عبثي، يسمح لجسد التابع بالحديث الذي لا ينتهي الى اثر، كما يقول ميمبي، التعبير الذي ليس تصنيفا بل اعادة انتاج مادي للبنى الفوقية، بهذا تمسخ الاشكال المعرفية الى مجرد استعراضات في مجتمعات للاستعراض والفرجة كما يقول ديبور وتصبح الخطابات العابا لغوية كما اسس لها فنجشتاين حيث تبدو في الظاهر اشكالا للتعبير لكنها في الواقع امتداد للقمع السلطوي كما يقول ليوتار. تصبح "اللغة انتهاء" ما يؤكد على فكرة اننا محكومون للمواثيق اللغوية، انها هي التي تحكم، ان اللغة تلتهم الواقع وهنا اشتغلت فكرة الاتصال في استخدام النص الشعري لفكرة "تابوهات اللغة" وفكرة "الميراث". ان من يمتلك القدرة على التصنيف، يمتلك الحقيقة دائما وبالتالي السلطة، لهذا يقول النص "لو كان للحُفَر اسماء"، اذا اننا لا نمتلك سلطة التسمية الا من خلال الشعر او الجنون وهنا يؤمئ النص الى عبقرية التصنيف كسلطة، ان التسمية الوحيدة التي نقدر عليها في ان نعلق اما في افق الانتظار او افق الحنين، اشتغل النص الشعري على فكرة المصيدة هذه، والتي تحيل الى العبقري ميرلوبونتي في ظاهراتية الجسد. هذه بعض الاشتغالات الفلسفية لنص قد يكون أريد له ان ياتي سلسا وعفويا، فهل يبدو كذلك الان؟ مرفق النص الاصلي |