وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

أنا بانتظار المقال!

نشر بتاريخ: 04/11/2020 ( آخر تحديث: 04/11/2020 الساعة: 13:06 )
أنا بانتظار المقال!

بقلم: صبري صيدم

بهذه الرسالة القصيرة على هاتفي خاطبني مسؤول التحرير ليحثني على الإسراع بإرسال مقالي لليوم، وأنا أرقب كما يرقب العالم تفاصيل اليوم الموعود، الذي تقدم فيه أمريكا للعالم رئيسها القادم، ليحكم الرقاب والعباد بمنطق القوة والتجبر، أو سلاح العقل والتفكر.

وما دعاني لاستطالة التفكير والتمعن هو ما صاحب الحملة الانتخابية من هرطقات غير مسبوقة، وصلت حد التلويح بالعنف والمواجهة. فهل نحن أمام تفكك الاتحاد الأمريكي؟ وهل سنكون مع حرب أهلية؟ وهل يكون ترامب الرئيس الأخير لهذا الاتحاد، قبل أن تنفصل ولاياته وتتفرد بحكم ذاتها من ذاتها ومصادرها؟

حرب المقارعات الانتخابية وصلت حدود الذروة ذات يوم، لكنها غادرت مربع المألوف في أسابيعها الأخيرة، خاصة بعد خروج ترامب من حجره، فبدأنا نسمع منه عن اتهامات بالتزوير حتى قبل يوم الاقتراع، معتبراً أن التصويت عن بعد فرصة سانحة للتزوير، ورافضاً مبدأ استطالة مدة عد الأصوات، وملوحاً برفض نتائج الانتخابات، وممعناً في تعزيز خطاب الكراهية والتشدد في المواقف، وتشجيع روح الصدام، بصورة وصلت إلى تولد الخوف لدى 62% من الأمريكيين من دخول البلاد في موجة من العنف، حتى قام أصحاب المحال التجارية بتغطية واجهات تلك المحال، في بعض الولايات بألواح الخشب الواقي تحسباً للمواجهات.

خطوات ترامب لم تقتصر على التحريض على خصومه الديمقراطيين، بل ذهبت نحو الإصرار على الدفع باتجاه تعيين رئيسة جديدة لمحكمة العدل العليا، وهو المنصب الأزلي الذي لا يغادره صاحبه إلا بالموت أو الاستقالة، وإعداد فريق محاميه للطعن بقرار المحكمة الفيدرالية، بتمديد فترة العد، وعدم إلغاء آلاف الأصوات بحجة التزوير، وهو ما يدلل على أن مواجهة ترامب لن تكون على المستوى الشعبي، بل ربما تمتد إلى المستوى العدلي لتدخل البلاد في حالة نزاع قضائي قد تطول.

ولعل ما يخيف الشارع الأمريكي هو اللجوء إلى المواجهة المسلحة بين الخصوم، خاصة أن معظم الولايات تشرعن ملكية السلاح الشخصي، فما بالكم بامتلاك ميليشيات البيض المتشددين كـ»البراود بويز» مخزوناً مهماً من السلاح؟ وهي الجماعات ذاتها، التي رفض ترامب إدانتها في مناظرته الأولى!

لقد أسست مواجهات نيويورك الأخيرة خلال مسيرة محمولة لأنصار ترامب لمشهد مصغر لما سيكون عليه الحال شعبياً، خاصة مع احتدام التحريض ضد شرائح معينة، كهجوم ترامب على الأطباء عبر اتهامهم بتضخيم أعداد المصابين والضحايا وتوجيههم لسلاح كورونا ضده وضد حملته، وصولاً إلى الادعاء أمام أنصاره، بأن هؤلاء الأطباء إنما يتلقون أموالاً مقابل كل ضحية، ملوحاً بأنهم يتقصدون إماتة المصابين وقتلهم.

ولعل ذروة الهجوم على الكادر الطبي جاءت مع هجومه غير المسبوق على كبير أطباء الأوبئة الأمريكي انتوني فاوتشي، عبر اتهامه بالغباء والتواطؤ والانحياز، واعداً أنصاره بطرد الأخير حال فوزه.

خروج ترامب نحو اتهام خصمه جو بايدن، الذي سماه ببايدن النائم، بكونه يساري النزعة اشتراكي النهج، دلل على إصرار ترامب على تفزيع الناس وترهيبها معنوياً، ليرفد ذلك لاحقاً بهجوم آخر وملحوظ على كامالا هاريس المرشحة لموقع نائب الرئيس، متهماً إياها بالسخف والفشل، ومعتبراً فوزها إن تم ما هو إلا بمثابة الكارثة على أمريكا.

وأياً كانت النتائج فإن الانتخابات الأمريكية هذه المرة لن تكون كما سابقاتها مطلقاً، ولن تحمل إلا الكثير من المرارة والتهلكة والتفكك.

وعليه أعود لأذكر بما قلته سابقاً، بأنني لست ممن يعتقدون بأن خروج ترامب من السلطة حتمياً، إذ أنه ربما وبعكس كل التوقعات عائد للبيت الأبيض، أو أنه سيأخذ البلاد في حرب قضائية طويلة الأمد، أو يجرها إلى مواجهة ميدانية مسلحة تنذر بحرب أهلية وتفكك محتمل للاتحاد.

مهما كانت النتائج فليس من حقنا أن نقرر بالإنابة عن الشعب الأمريكي، لكننا لن نسمح كفلسطينين أن يقرر أحد بالإنابة عنّا تماماً كما أدعى ترامب رفضه لتدخل بعض الدول الكبرى في انتخاباته وبيته الداخلي، فإن شاءت الأقدار أن يعود ذكرناه بما قال.. إن نفعت الذكرى!