|
من رَحِم المصاعب يُولَد الإبداع.. جمال شختور مثالٌ حيّ
نشر بتاريخ: 10/11/2020 ( آخر تحديث: 10/11/2020 الساعة: 20:35 )
الكاتب: محمد غياظة عند كُلِّ مواجهة بين الشُّبَّان الفلسطينيِّين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، تسقُط الإصابات في أوساط الفلسطينيِّين، هذا أمرٌ لا بدَّ منه، وعلى اختلاف أنواع الإصابات، تبقى جميعُها خَطِرةً وتتطلَّب تدخُّلا طِبِّيًّا، وإن كان سقوطُ جرحى في المواجهات أمرًا لا بُدَّ مِنه؛ فحضور المُسعفين أمرٌ حتميٌّ كذلك، ومع المُسعِفين، تحضُر المَعِدَّاتُ الطِّبِّيَّةُ اللَّازِمَة لمُساعَدة المُصابين، ومن بين المُصابين، هنالك من تجرَّعَ الجُرعةَ تلوَ الجُرعةِ من الغاز المُسَيِّل للدُّموع، وهذا النوع من الإصابات يتطلَّب تدخُّلًا طبِّيًّا مُختصًّا لإعادة تنشيط مجرى التنفُّس وفتح مجرى الجهاز التنفُّسي، وللقيام بذلك الغرض، يُحضِر المُسعِفون خزَّانات أُكسُجين مُلائمة تحتوي على هواءٍ نقيٍّ يُوصَل بواسِطة أنابيب مُخصَّصة بالمجرى التنفُّسيِّ للمُصاب بالاختناق؛ وذلك لتغذيته بالأكسجين اللَّازم للبقاء على قيد الحياة، حين تكون البيئة من حولِه تَعُجُّ بالهواء المُلَوَّث بالغازات غيرِ القابِلةِ للتنفُّس، لكنَّ تلكَ الخزَّانات تتحوَّل إلى قنابل قاتِلة مُتفجِّرة تقتُل المُسعِف وكلَّ من هو قريبٌ منها عندَما تُحمَلُ في وَسطٍ تتمُّ فيه عمليات إطلاق نار، إذ أنَّ تلك الخزَّانات ستنفجر في حال أُصيبَت برصاصة أُطلِقَت من فُوَّهة بُندُقيَّة جُنديٍّ لا يَهمُّه إن نجا المُصاب والمُسعِف أم لم ينجوا، في حين أن مُهمَّته تقتضي قمع المُظاهرات والاحتجاجات بأيِّ وسيلة، كما أنَّ الأقنعة التي يحملها المُسعِفون تحشُر الغازات السامَّة في المجرى التنفُّسيِّ. في حين أنَّ الخزَّانات تمدُّ المُصاب بالاختناق بالأكسجين النقيِّ، إلَّا أنَّها لا تعمل على تنقية مجرى التنفُّس من الغازات السامَّة، وهذا أمرٌ ضروريٌّ لنجاة المُصاب من الاختناق والضرر الجسديِّ اللَّاحق الذي سيتسبَّب به الاختناق للشخص المُصاب جرَّاء استنشاق الغاز بكميات خطيرة. جمال شختور من بيت لحم، الشابُّ المُتَطوِّع في الإسعاف الأوَّلي الفلسطيني، جاء بالحلِّ.. أثناء قيامَه بأسعاف أحد المُصابين في إحدى المواجهات بين الشُّبَّان الفلسطينيِّين وقوات الإحتلال الإسرائيلي، حاول جمال أن يُحضِرَ معه خزَّان أكسجين لإنقاذ المُصاب الذي استنشق كميَّات قاتلة من الغاز المُسيِّل للدُّموع، لكنَّ جمال أدرَك أن إحضار خزَّان أكسجين في منطقة تعُجُّ بإطلاق النار سيتحوَّل إلى مُهِمَّة انتحاريَّة، فلو أصابت رصاصة الخزَّان، سينفجر الخزَّان في جُعبَة جمال، وسيتحوَّل جمال لذكرى من الماضي؛ لذلك هرع جمال نحو المُصاب دون خزَّان أكسجين، وبينما كان جمال ينقذ الشابِّ الفلسطيني، استغرقت حالة الاختناق وقتًا طويلًا حتَّى وصل به إلى برِّ الأمان، نتج عن ذلك انقطاع الأكسجين عن الدماغ وتعرُّض ذلك الشَّابِّ لإصابات مُستَديمة، في وقت كان من المُفتَرَض فيه أن يُمَدَّ المُصابُ بالاختناق بالأكسجين النقيِّ على الفور. تلك الحادثة ألهمَت جمال فكرةً عظيمةً ستُساعد المُسعِفين وتنقذ أجيالا من الاختناق والأضرار التي يتسبَّب بها لِمَن يُصابون به. اخترع جمال حقيبَة تنفُّس إليكترونيَّة تحتوي على قناعي تنفُّس، واحد للمُسعِف، وآخر للمُصاب، يُوصَل كُلُّ قِناعٍ منها بوصلة أكسُجين بالحقيبة المحمولة على الظَهِر، وتحتوي الحقيبة على ساعة إليكترونية تعمل عند الضغط عليها على ضخِّ مادَّة تعمل على تنظيف وفتح الشُّعَب الهوائيَّة ويسمح ذلك بدخول الأكسجين النقيِّ إلى الرئتين ووصوله للدماغ لتلافي العاهات التي يسبِّبها الاختناق للمُصاب، زوَّد جمال القناع الخاصَّ بإنقاذ المُصابين بضاغط يدوي يقوم عندما يضغط المُسعِف عليه بإخراج الغازات السامَّة من الجسم وإدخال الهواء النقيِّ لإنقاذ المُصاب. وهذه أداة فعَّالة جدًّا في العمل الميداني، وتختصر الفترة المُهِمَّة لحياة المُصاب حتَّى وصوله سيارة الإسعاف. نال اختراعُ جمال تلك الحقيبةَ قبول لجنة التحكيم في التلفزيون العربي. يؤهِّله ذلك إلى السفر للعاصمة القطرية الدوحة للعمل في مجال الإسعاف، والأهمُّ من ذلك، سينال حُبَّ الشعب الفلسطيني له، وبالذات رضا العاملين في إنقاذ ضحايا قمع قوَّاتِ الإحتلال في الميدان، وسيدَوَّنُ اسمُه في تاريخ الإسعاف الأوَّلي الفلسطينيِّ على أنَّه أنقذ أرواحا كانت، لولا مشيئة الله، من ثُمَّ حقيبة التنفُّس الإليكترونيَّة لِتُزهَق، ويُفجَع بها أحباءٌ وعائلات وبواكٍ. |