وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الحقائق غير المرئية في الانتخابات الأمريكية الأخيرة

نشر بتاريخ: 14/11/2020 ( آخر تحديث: 14/11/2020 الساعة: 19:17 )
الحقائق غير المرئية في الانتخابات الأمريكية الأخيرة

بعد أن توقفت طبول الانتخابات الأمريكية عن الضجيج؛ والتي صدحت بكل مكان وتناقلت أخبارها ونتائجها جموع الوكالات الإعلامية في كل أنحاء العالم، وفاز فيها مرشح الحزب الديمقراطى جو بايدن بحصوله على ما يزيد عن 270 صوت في المجمع الانتخابى واحتفظ الحزب الديمقراطى بأغلبية مقاعد مجلس النواب وتراجعت نسبته في مجلس الشيوخ في الكونغرس الأمريكي؛ وجب أن نتنبه لثمة حقائق أخرى غير مرئية فى تضاريس جغرافيا المشهد السياسى الأمريكي الداخلي تعكسها نتائج الانتخابات الأمريكية وتختفى وراء هذا الانتصار الديمقراطى الشاق. وبالرغم من أن الديمقراطيين قد انتصروا فإن هذا لا يعكس تراجع للجمهوريين وخاصة أولئك اليمينيين المتشددين منهم؛ وبقراءة بسيطة لما حصل عليه ترامب فى الانتخابات الأخيرة من أصوات الناخبين يتبين لنا أنه قد حاز على أصوات7.8مليون ناخب إضافى عن أولئك الذين صوتوا له فى انتخابات 2016؛ بمعنى آخر فإن ما مثلته إدارة ترامب من مبادئ وأفكار وما يتوارى خلفها من أيديولوجيا قد زاد مؤيدوه فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهى نسبة تجبر الجميع على الوقوف والتمعن فيما تمثله من حالة تنامى سريع ومضطرد للتيار اليمينى الشعبوى العقائدى والقومى المتطرف فى الولايات المتحدة الأمريكية.

ورفض دونلد ترامب للهزيمة هو سلوك يعكس بالضرورة ما وراءه من أيديولوجية؛ هى فى الحقيقة ذات طابع فاشى صرف؛ وبرغم ذلك فإنها تحظى بتأييد ما يقارب 48% من جمهور الناخبين الأمريكيين، وهى النسبة التى حصل عليها ترامب فى انتخابات الأسبوع الماضى. ومن هنا يبدو واضحا أن حظوظ ترامب كانت ستكون أوفر بكثير فى الحصول على ولاية ثانية لو كان أداءه مختلف وإدارته من وراءه فى التعامل مع جائحة كورونا ؛ كذلك لو أنه تعامل بشكل متزن مع الحادث العنصرى الذى أودى بحياة المواطن جورج فلويد على يد الشرطة الأمريكية، وما أحدثته من المزيد من الاستقطاب فى المجتمع الأمريكي.

ومن الواضح أن جملة تلك الأحداث قد دفعت قطاع كبيرا من الأمريكيين اللا مبالين بالتنبه وتحفيزهم على المشاركة فى الانتخابات بحيث بلغت نسبة المقترعين قرابة 67% من الناخبين، وهى نسبة لم تحدث منذ 120 عاما فى الانتخابات الأمريكية، وهؤلاء اللا مبالين خاصة فى ولايات الساحل الشرقي الوازنة كبنسلفانيا ومشغين وويسكنسن هم فى الحقيقة من أحدثوا الفارق حتى وإن كان ضئيلا فى معظم تلك الولايات التى كانت دوما محسوبة للحزب الجمهورى فى معظم الانتخابات الأمريكية السابقة.

هذه الشريحة الانتخابية اللامبالية والتى انضمت للمقترعين فى هذه الانتخابات؛ والتى رفعت نسبة التصويت 11 نسب مئوية عن الانتخابات السابقة 2016؛ والتى بلغت نسبة الإقبال قرابة 56% هم فى الحقيقة من كانوا وراء سقوط ترامب الذى هو نفسه من دفع هؤلاء للذهاب لصناديق الاقتراع جراء حالة الاستقطاب الغير مسبوق الذى أحدثته سياسته فى المجتمع الأمريكى.

وفوز مرشح الديمقراطيين فى الانتخابات الرئاسية ورفض الكثير من الجمهوريين وترامب نفسه الاعتراف بالهزيمة والطعن فى نزاهة الانتخابات إنما يعكس انحدار واضح فى النظام السياسي الأمريكى سوف يكون له ما بعده فى قادم السنيين، فثمة من يدفع وبكل قوة هناك باتجاه القومى العقائدى الفاشي وثمة مزيد من الأنصار ينمون ويتكاثرون بأسرع مما يعتقد البعض، وإن غاب ترامب اليوم فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون على موعد خلال العقود القادمة مع من هو أسوء من ترامب؛ وليس على العالم فحسب بل على الولايات المتحدة نفسها.

ويبدو أن الديمقراطيين فى الولايات المتحدة يدركون جيدا لطبيعة تلك التحديات وهو ما ظهر فى إعلانالرئيس المنتخب جو بايدن أنه سيدعو إلى قمة عالمية للدول والمنظمات العالمية الداعمة للديمقراطية وهى محاولة وتظاهرة عالمية من الديمقراطيين فى الولايات المتحدة لايجاد زخم عالمى لمحاصرة التيارات اليمينية والشعبوية والفاشية فى العالم فيما سيبقى التيار الشعبوى القومى اليمينى الفاشى يعمل فى الخفاء فى انتظار الوقت المناسب للظهور مجددا.

* أستاذة علوم سياسية وعلاقات دولية