|
في معرض "حضور" لرانية العامودي: في النفس متسع لهما معا
نشر بتاريخ: 05/12/2020 ( آخر تحديث: 05/12/2020 الساعة: 21:21 )
الكاتب: تحسين يقين جدلية بصرية جمالية وفكرية، تقودنا بإيحاء لتأمل أنفسنا، خصوصا هو/هي؛ فمع التجربة، تصبح هذه الثنائية هي الأكثر تأثيرا علينا كبشر، ومجتمعات بل وعالم أيضا، من حيث ضرورة التوازن بين الطاقات الإنسانية الذكورية والأنثوية، للتحفيف من كل أنواع الصراعات، بدءا بالذات وصولا للعلاقات الدولية؛ فتأمل تاريخ الحرب والسلام، يقود بالمجمل الى طغيان مشاعر على أخرى، بل وطغيان لمشاعر فرد أو أفراد في السيطرة، لا على مجتمعهم فقط، بل فيما هو خارجه. لعل ذلك هو المقترح الجمالي-الفكري، في معرض الفنانة التشكيلية رانية العامودي "حضور" المقام في رام الله، والذي اكتملت فيه عناصر رؤية الفنانة، من خلال عمق بساطة التناول الفني؛ متكئة على حضور كليهما، من خلال أشيائهم البسيطة، من أجل البوح النبيل. نزعم هنا أن الفنانة اليوم في معرضها الشخصي استطاعت أن ترسّخ اسمها في عالم الفن الفلسطيني، بما امتلكت من موهبة وعلم وجلد فني وصبر. من سلام في النفس والبيت والحكم والعالم في معرض "أمل" الى معرض "حضور" والغوص في داخل عنصري الحياة: المرأة والرجل، للبحث عن ممكنات الوجود، وتقوية الذات والآخر معا، فهما معا، يتكاملان بما وهبا من طاقات، فكل بما وهُب. وكل للآخر سكن وملاذ مهما تغير الفكر. تواصل الفنانة هنا قراءتها الشعورية والفكرية، في العالم، مؤثرة الى أن التغيير يبدأ من هنا، من تصويب العلاقة بين الذكر والأنثى، باتجاه التكامل، كمفتاح لتصالحية أعمق في الحياة. فإذا نحت الفنانة في ماضيها مثلا لتصوير الألم والمشاعر، بحيث كانت تأخذنا الى آخر مدى، فإنها اليوم، ومن تطور الوعي، راحت إلى بذر بذور الأمل، بدءا منهما: أصل الوجود. لقد انتقلت نقلة نوعية من تصوير الشعور في الحيّز العام والاجتماعي والنفسي، إلى الحيز الخاص بين الرجل والمرأة، محتفلة به، كأنها تبشّر أو تعود للأصول التي كانت عليها المرأة قبل الانقلاب الذكوري، باختلاف الرؤيا، بحيث تعلي من شأنهما معا، فلا يسطوان على بعضهما، بل يتكاملان فعلا، ليس فقط معا، بل في ذات كل منهما بما في كل نفس منهما طاقات الذكورة والأنوثة. من هنا، تعمّق الفنانة رانية العامودي قيمة المساواة والعدالة، من منطلق طبيعي وإنساني، دون التكلف في صراع الأيديولوجيا، حين تعبر عن هموم المرأة، مقدرة وجود الرجل، يدا بيد، فلا تخفي الحاجة لهذا الوجود. تركت العامودي شخوص النساء والأطفال والحمام والطبيعة، مركزة في النفس، فنحن إزاء فنانة تفكّر باستمرار باحثة عن الخلاص الفردي والعام معا بدءا بها وبالرجل، فهي من خلال الخيط الرمزي في اللوحات، تصل الى الخيط الفكري نحو قيم إنسانية عليا، تحتاج للتنوير عليها، من خلال تذويتها فنيا. لعلها تواصل اقترابها من دائرة النفس، إذ تخطو داخل عالم المرأة والرجل، من منظور المرأة، كأننا نتوقع مزيدا من الإبحار داخل النفس الواحدة ربما. فنيا: اعتمدت العامودي المساحات الكبيرة والمتوسطة، ربما كي تدخل المشاهد في كل هذا الفضاء براحة كي يشعر ويفكر؛ فقد تميزت بعمقها الفني في التعبير عن لوحاتها، لإيصال المعنى إلى القلب والعقل، من خلال العين المحللة والمستمتعة والمتسائلة. وقد رسخت في هذا المعرض فعلا بأن لها اُسلوبا متميزا، وعمقا في إظهار فكرة لوحاتها بشكل يمكنها من مخاطبة عيون المتلقي، الذي ما إن يتجول في المعرض، حتى يبدأ بتكوين فكرة جيدة عن الموضوع، ثم ليأخذ ذلك كله كي يقرأ وجهة نظر الفنانة، وربما يقيم ديالوجا فكريا جدليا بينهما، في ظل احترام المستوى الفني. نحت الفنانة منحى بلاغيا، حين غيبت كلاهما، "تاركة لنا شيئا من لوازمهما"؛ فباستثناء لوحتين ظهرت المرأة فيهما، وإن كان ظهورا غير مكتمل، فيما يخص تعابير الوجه، فقد ظهرت المرأة والرجل من خلال متعلقاتهما، مما يخلق مونولوجا داخل المشاهد، عم حضر من متعلقات وصولا لتكوين دلالات ما. قادت الرموز الأنثوية ممثلة بالكعب العالي الأحمر، والرموز الذكورية ممثلة بقميص الرجل، وأجزاء منه، على الجسد (في لوحتين) ومع متعلقات المرأة، فهو ملقى على السيدة المستلقية النائمة، على أرضية بيضاء بخلفية حمراء تصور عالم المرأة الحيوي والقوي، وإن بدا غير ذلك. وهو هنا مثل "رقعة" على بنطلونها، في لوحة مفردة سوى من بنطلون الجينز الأزرق الفاتح بحزام أحمر، بما توحيه "الرقعة" ربما من دلالات رمزية، تتجاوز مجرد التغطية، الى المعنى العميق بالدعم والمؤازرة في التفاصيل. ثمة معنى عميق في لوحة كيس التفاح، كهدية، وحبة التفاح "المقضومة" او "المخشومة" خارج الكيس، والتي تأخذنا ربما ميثولوجيا، الى البدايات، لكن بشيء من التفكير النقدي والتأملي، ربما للخلاص والتطهر من فكرة الإغراء، وما تلا ذلك من نزاع، ولوم. ربما إيحاء لتقاسم المسؤولية، او المصير..ثمة مجال لكل منا لتأمل اللوحة وصولا للمعنى المقصود، أو بالأحرى للتفكير ربما جماليا وفلسفيا، باتجاهات وجودية. وربما تواصل الميثولوجيا، في الذراعين الممدودان باتجاه بعضهما، بكفين باصبعي الشاهدين، وبينهما الكعب العالي-دلالة المرأة، وهي قادمة من طقوس قديمة، وظفتها الفنانة العامودي، لتعميق وجود المرأة الهام والجمالي في الحياة معا. في لوحة القميص/الجاكيت المفرود في وجهنا، يظهر التكوين هنا كمصلوب؛ فثمة اعتراف بل تقدير من المرأة لتضحيات الرجل، من أجلها ومن أجل الأسرة وغير ذلك، مؤكدة هنا على عمق إنساني بعيدا عن منطق الصراع. تواصل الفنانة العزف على اللحن البصري الأساسي ولكن بتنوع، مثيرة التشوق، حيث جعلت من تشكيلة القميص خلفية ل 8 من الكعب العالي النسائي، في أشكال متنوعة، فلا وجود لهذه الأنثوية بمعزل عنه/الرجل. على الكرس، القي القميص، كقميص رجل عامل، وحذاء الكعب العالي، لعاملة أيضا، يصلان البيت بعد طول تعب وكدّ، ليجدا الملاذ معا، حيث تشكل الطاولة الفارغة أمامهما بأنهما مكتفيان ببعضهما. كذلك في لوحة تغليف الكعب العالي بلون وشكل القميص، بمعنى بحث المرأة في داخلها عن عوامل القوة الذكورية، لتستطيع مواصلة الحياة، وقد تركت مساحة كبيرة في الخلفية، تشكل مجالا للتأمل والتفكير، فانفس واسعة، والطريق والدور كبير، وثمة متسع للخطو الواثق بالنفس أولا وبالآخر الذي هو داخلنا أو قربنا. ولأجل ذلك يكتسي الحذاء الأنثوي شكلا رياضيا، في لوحة أبدعت الفنانة في تشكيلها وتكوينها، ما بين خطوط اللوحة و"رباط" الحذاء العملي. وأخيرا، ثمة لوحة حين تنظر اليها تنفر قليلا، بسبب اللون الداكن، لكن تأمل الكعب العالي داخل القميص/الجاكيت، يخفف من الكآبة، فهل لذلك رمزية ما تجاه شعور التفاؤل رغم الألم والهموم؟ أم هو التضامن الإنساني؟ وهل نحن/الرجل بحاجة لهذه الأنثوية لتحمل مشاق الحياة وآلامها؟ ربما. لقد لاحظنا أنه في كل اللوحات ثمة ظل واضح يقودنا نحو تعميق الوجود، فلا غياب بل حضور مكتمل، إنها إذن لوحات تقودنا بصريا ببساطة لتأمل العمق الإنساني، مستلهمة الواقع والميثولوجيا باتجاه مستقبل أجمل أكثر رحابة وتضامنا وسلما. جدير بالذكر أن الفنانة العامودي اشتركت في عدة معارض جماعية: منها معرض جامعة النجاح 1999ومعرض عن الجدار والفن 2006. ومعرض فنانات مقدسيات2007. ومعرض جذور في دبي 2015، ومعرض اربد 2015، ومعرض الاردن بعيوننا المركز الثقافي الملكي 2017، ومعرض جامعة النجاح- معرض فلسطين 2017وشاركت في سمبوزيوم اسكندرية 2017. رسمت كتاب القدس تجوال العين والروح الصادر عن دار الجندي، كما وقامت رسومات قصة "الصبية والقمقم: للكاتب اللبناني عزام حدبا 2017. |