وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

شفافية العمليات والإجراءات ضرورية ولكن؟

نشر بتاريخ: 19/12/2020 ( آخر تحديث: 19/12/2020 الساعة: 16:16 )
شفافية العمليات والإجراءات ضرورية ولكن؟

لعبت التكنولوجيا دورا كبيرا وهاما في تقديم الخدمات للزبائن والعملاء ومنها خدمات البنوك، والمؤسسات الخدماتيه العامه والخاصه فقد أثبتت الدراسات ان نسبة العملاء الذين يستخدمون الصراف الالي على سبيل المثال أصبحت ثلاثه أضعاف مما كانت عليه قبل سنوات قليلة .

على الرغم من ذلك وعلى الرغم من التسهيلات التي تقدمها أجهزة الصراف الالي الا أن درجة رضا الزبائن والعملاء عن هذه الماكنات لا زالت متدنية اعتقادا منهم أن هذه الخدمة غير مكلفة فلا يوجد أي جهد يبذل من قبل العاملين في البنوك في تقديم هذه الخدمة لدرجة أن نسبة استخدام الصراف الالي تزيد أثناء عطل البنوك كأيام الجمع والسبت وفي المناسبات والعطل الرسمية وبالتالي تقدم الخدمة في معزل عن الموظفين والعاملين هذا ويعود عدم الرضا الى عدم مشاهدة العملاء لعملية تقديم الخدمة وبالتالي غياب الجهد من طرف الموظفين.

على الرغم من ذالك فقد زادت التكنولوجيا من درجات الرضا من قبل الزبائن والعملاء خاصه الأقل معرفه وعلما نظرا لفصل مقدم الخدمة عن متلقيها .

شكلت التكنولوجيا عائقا أمام الزبائن والعملاء فما يجري في القطاع الصحي مثلا فان نسبة 70% أو اكثر من الفحوصات المخبرية تتم في معزل عن المرضى وفي الغالب تكون المختبرات في طوابق سفلية لا يراها ولا يصلها المرضى أصلا .

هذا الشعور لا ينطبق على شركات الطيران مثلا فركاب الطائرة لا يروا من طواقم الطائرة الا المضيفين والمضيفات ولا يروا الطيار والطاقم المساعد .كما وان عمال المصانع لا يشاهدوا الزبائن فخدمات الزبائن تتم عادة في المعارض والمحال التجارية .

أثبتت الدراسات من الناحية الإدارية أنه كلما كان هناك تواصل مباشر بين مقدم الخدمة ومتلقيها كلما كانت العملية أقل فاعليه لدرجة أن البعض يعتبر وجود الزبائن مصدر ازعاج وبالتالي نلاحظ اليوم وبفضل التكنولوجيا شراء تذاكر الطيران يتم عبر الانترنت ووسائل التكنولوجيا المختلفة .

لا ينطبق هذا الشعور على كل الخدمات ، حيث يتطلب تقديم بعض الخدمات وجود متلقي الخدمه والمستفيدين منها كما هو الحال في صالونات الحلاقة وعيادات الأطباء والمستشفيات مثلا غير ان بعض الدراسات افادت أنه كلما كان هناك تباعد جسدي زماني ومكاني في تقديم الخدمات ما بين مقدم الخدمة والعملاء كلما كانت الفاعلية أكبر وبالتالي يتحقق رضا أكبر .

السؤال : ما درجه الشفافية المطلوبه في تقديم الخدمات والعمليات ؟

يرى البعض أن وجود حاجز زجاجي شفاف على سبيل المثال بين مقدم الخدمة ومتلقيها كما هو الحال في البنوك يعطي الزبائن الشعور بالراحة مما يجعلهم يقدروا القيمه و الجهد الذي يبذل في تقديمها ،غير أن هذا الشعور يتوقف على درجة الشفافية التي يتطلبها الزبائن في تقديم الخدمة أصلا .

وعليه فان التكنولوجيا لا تتطلب وجود مقدمي الخدمة أحيانا كما هو الحال في بعض الخدمات البنكيه وفي عملية شراء تذاكر الطيران والحجز في الفنادق حيث تتم عمليه شراء الخدمه في معزل عن مقدمي الخدمات .

تسهم الشفافية في تقديم وتنفيذ الخدمات في زياده حجم المبيعات ، كما وتزيد من ثقة العملاء بجودة الخدمة فماذا عن الدوائر الحكومية التي تنفذ فيها العمليات والإجراءات في مكاتب مغلقة .

في بعض الدول يتطلب تنفيذ الخدمات حد أدنى من درجة الشفافية من قبل مقدمي الخدمات وصناع السياسات .

مشاهدة تقديم الخدمات للمرضى كمرضى العيون مثلا أضاف قيمة للزبائن من غير متلقي الخدمة كون ذالك يفسح المجال للزبائن للاستفسار حول الخدمة وتقديمها .

هذا وأظهرت الدراسات أن مشاهدة الزبائن للطباخ وهو يعد الطعام في احدى المطاعم جعلهم يقدروا حجم الجهد الذي يبذل في تجهيز واعداد الطعام.

وفي المقابل كلما شاهد الزبائن الطباخ وهو يعد الطعام كلما شعر الطباخ بأن الجهد والعمل الذي يقوم به هو محل تقدير واحترام الزبائن والعملاء مما يجعل الزبائن يشعروا بدرجة عالية من الرضا وبجعل الطباخ يبذل جهد أكبر في سبيل إرضاء الزبائن والعملاء .

على الرغم من الإيجابيات التي تتحقق من خلال الشفافية في تقديم الخدمات الا أن الشفافية لها نتائج سلبية أحيانا مما يجعل الإدارات تفكر بجدية قبل اتخاذ قرار بشفافية الإجراءات والعمليات.هذا وأظهرت الدراسات ان الشفافية في تقديم الخدمات لها سلبياتها ومنها :

أولا : ظهور أمور لا يرغب الزبون في مشاهدتها .

فمثلا قد يلاحظ الزبون أثناء مشاهده الطباخ وهو يعد الطعام كميات من القمامة على الأرض وفي صناديق النفايات .

وبالتالي تحقيق شفافية في أمور لا يرغب العميل في مشاهدتها أصلا مما يجعل العميل يتفوه بألفاظ (ياريت لو ما شفت هذا المنظر ) كما وأن المشاهدة لتقديم الخدمة أحيانا يولد ردات فعل كالقول مثلا (هذا مش لازم يحصل في محل كهذا ).

على الرغم من الإيجابيات التي تتحقيق نتيجه الشفافية في العمل والإجراءات الا ان الشفافيه قد تؤدي الى تنفير الزبائن والعملاء كما وتؤدي الى التقليل من شأن مقدمي الخدمة . وعليه على الإدارات ان تتعامل بحذر شديد في مجال الشفافية في تقديم الخدمات .

ثانيا : تؤدي الشفافيه في العمل وفي الاجراأت الى حالة من القلق والانزعاج فمثلا تنفيذ موظف البنك لمعامله من الزبائن على مراى من الزبون حيث يدخل العميل رأسه من فتحه الكاونتر أحيانا بغرض مراقبة ومتابعه الموظف وهو ينفذ المعاملة يولد حالة من عدم الرضا والانزعاج والارباك من قبل الموظف. وعليه اثبتت الدراسات أن حجب الرؤية واستخدام حواجز لحجب الرؤيا أحيانا يحسن من الأداء و يزيد من حجم الإنتاج بنسبة 15% .

ثالثا : الشفافية قد تؤدي الى زعزعة الثقة بالعلاقة القائمة بين مقدم الخدمة ومتلقيها ويحدث ذالك في حال مخالفة الشركة والمؤسسة للأعراف والقيم الاجتماعية السائدة مما يؤدي الى انزعاج العملاء .

فعلى سبيل المثال صعود الزبائن من الدرجة الأولى من المدخل الامامي للطائرة أو الحافلة يخلق حالة من عدم الارتياح والاستياء لدى باقي الزبائن الذي يصعدون من الباب الخلفي للطائرة أو الحافلة وغير ذلك .

رابعا : الشفافية الزائده تضر بالمنتج .

لهذا تلجأ شركات بيع السلع الخاصة والثمينة كالساعات والكاميرات والمجوهرات الى عرض قطع محدوده من كل صنف من منتجاتها حتى لا يشعر الزبائن بوجود وفره ومخزون من هذه المنتجات ،وبالتالي اشعارالزبائن ان هذه المنتجات سلع خاصة ومحدوده الكميه وليس بمقدور الجميع شرائها.

خامسا : قد تظهر الشفافية مراحل عمل غير فاعلة . على سبيل المثال قد يغضب الزبائن حينما يشعروا بان الموظف الذي يقدم الخدمة غير مؤهل وضعيف الأداء مما يعكس صورة سيئة عن الشركة أو المؤسسة .كما وان مشاهده العملاء والزبائن للعاملين وهم يتحدثون ويتمازحون أحيانا مع تجاهل للزبائن حتى وان كان بدون قصد يؤدي الى انطباعات سيئه وسلبية عن المؤسسة والعاملين فيها .

سادسا: قد تؤدي الشفافيه أحيانا الى نتائج سيئة وسلبيه على المؤسسة رغم بذل المؤسسة جهود كبيره في خدمة الزبائن مما ينعكس سلبا على المؤسسة .

سابعا : قد تظهر الشفافية في العمل مستوى جودة انتاج متدنية مقابل منافسيها .فملاحظة الزبائن والعملاء لوجود سلع ومنتجات معروضة رديئه الجودة وغالية الثمن يجعل هذه المنتجات اقل جاذبية للزبائن والعملاء وبالتالي اللجوء الى المنافسين .

ثامنا : الشفافية قد تظهر حالة من عدم التقدم . التزام الزبون والعميل بالدور في احدى المحلات بينما يرى بعض الزبائن يتخطون الدور ويتلقون الخدمة يجعل العميل يشعر بعدم جدوى الانتظام بالدور بل على العكس .

تاسعا :قد تظهر الشفافية في الاجراأت والعمليات مدى الاذي الذي يلحق بصحة العاملين والبيئة.

على سبيل المثال مشاهدة الزبائن للعاملين وهم يعملون في بيئة عمل صعبة وغير صحية وغير آمنة يجعل الزبائن ينفرون من المؤسسة ويتخذون مواقف ضدها من على صفحات التواصل وبالتالي تخلق الشفافية ردات فعل سلبية من قبل الزبائن والعملاء.

عاشرا : قد تكون الشفافية مضللة وخداعة .الشفافية لها قيمتها عندما تظهر الشيء على طبيعته .ولكن اذا كان الهدف من الشفافية التضليل والخداع فان ذالك سيخلق ردود فعل سلبية من قبل الزبائن بالتالي التحول الى المنافسين .

اتصال العميل بالشركة والطلب اليه بالانتظار على خط الهاتف واظهار الشركة لأصوات وضجيج لتوهم العميل بانشغال الموظفين فهذا غير سلوك غيرمهني وغيرأخلاقي الأمر الذي يثير استياء الزبائن والعملاء.

وعليه أنصح الشركات والمؤسسات اذا ما قررت اللجوء الى ممارسة الشفافية في العمل ان تقرر ماذا ستظهر للزبائن والعملاء ومتى وكيف سيتم ذلك .

فعلى سبيل المثال قد يلجأ محل تصنيع الجاتوه والحلويات الى إعادة توجيه الكاميرات في المحل حتى لا تتم مشاهدة عملية تصنيع الجاتوه والحلويات من قبل الزبائن والعملاء في صاله الانتظار. كما وان حاله الفضول بمشاهده العميل لموظف البنك مثلا وهو يتابع ويقيم ملفه المتعلق بطلب قرض او حتى الاقتراب من الموظف او النظر من خلفه ليتعرف الى اين وصلت المعامله والاجرات التي تمت فان ذالك يبعث على الانزعاج وعدم الراحه من قبل الموظف .

شفافيه العمليات والاجراءات تحدث ردات فعل سلبيه من طرف الزبائن والعملاء كان يقول العميل احيانا " يا ريت لو انني ماشفت هذا المنظر" او " هذا ما لازم يحصل" كما هو الحال في عمليه اعداد الطعام في المطاعم والمؤسسات . او حينما يرى العميل الموظف وهو ينظف انفه او يحك جلده اوبعض أجزاء من جسده وهو يعد الطعام يجعل العميل يرفض الوجبه اوافتعال مشكله او حتى مغادره المحل أحيانا .

وعليه يجب ان تعمل الشفافيه على تغيير مواقف ومفاهيم المواطن السلبيه احيانا تجاه المؤسسات والشركات كون الشفافيه تعزز مفاهيم الرقابه والحكم الرشيد كما وتعزز المساءله وتؤدي ال تطوير السياسات والاجراءات مما يستدعي في كثير من الحالات الحاجه لمزيد من التدريب والتطوير للموظف وبالتالي ارى ان بعض المظاهر والممارسات الناجمه عن الشفافيه في العمليات والاجرأت قد تزعج الموظف والعميل على السواء غير انها تؤدي الى تحسين وتطوير الاداء على المدى البعيد.

الشفافيه قد تزعزع الثقه بالمؤسسه كما وان الشفافيه في العمليات والاجراءات قد تظهر خطوات واجراءات تتطلب الكثير من الجهد غير انها غير فاعله او تظهر نتائج سلبيه احيانا كما وان الشفافيه قد تظهر بطء في الانجاز والتقدم كما وتظهر الخداع والعداء للبيئه احيانا.

بالنهايه الشفافيه مهمه عندما تظهر الشئ على حقيقته وطبيعته ولكن اذا نجم عن الشفافيه حالات سوء وتقصير في الاداء او الخداع والتضليل للزبائن والعملاء فهذا قد ينجم عنه ردود فعل سلبيه وقد تكون قاسيه احيانا وعليه ارى ضروره ان تستخلص الادارات العبر وان تفكر جيدا قبل اتخاذ اي قرار بشفافيه العمليات والإجراءات. وعليه على الادارات ان تسال كيف وماذا ومتى ومدى شفافيه الاجراءات والعمليات.والسؤال الذي يبقى بحاجه الى اجابه هو: كيف و متى سيتمكن المواطن من مشاهدة الطباخ وهو يعد الطعام في مطبخ المطعم اوالفندق سواء من خلال الكاميرات في صالات الانتظار او من خلال قواطع زجاجيه شفافه ؟

*أستاذ الادارة والسلوك وعميد كلية التمويل والادارة/ جامعة الخليل