|
التلم الأعوج من الثور الأبرق
نشر بتاريخ: 23/12/2020 ( آخر تحديث: 23/12/2020 الساعة: 13:42 )
أعتقد بأن أحدا لم يتفاجأ بإعلان اتفاقية السلام بين مملكة المغرب ودولة الاحتلال، ولا أعتقد أيضا بأن هناك من تفاجأ بإعلان دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين وحكومة السودان بإقامة علاقات كاملة مع دولة الاحتلال، ولكن قد تكون المفاجأة بعدم إعلان المملكة العربية السعودية عن هكذا اتفاق لغاية الآن، رغم أن كثيرا من المؤشرات تدلل على أنها ذاهبة في هذا الطريق. ولا أعتقد بأن تصريحات الأمير تركي الفيصل تحمل أهمية، أو لها قوة تأثير في أخذ قرار التطبيع من طرف السعودية، فهو الآن ليس له أي صفة رسمية ولا تأثير فعلي في رسم السياسات الداخلية او الخارجية، وما صرح به قد يكون فقط للاستهلاك الإعلامي أو حتى لاسترضاء بعض المعارضين المفترضين داخل السعودية لهكذا اتفاق، وقد تكون تبريرات النظام الرسمي السعودي لاتفاق محتمل هي من أجل تسهيل المضي قدما في مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية في قمة بيروت عام 2002، ووافقت عليها جميع الدول العربية، ورفضتها دولة الاحتلال ورد عليها شارون بعملية السور الواقي، وللتنويه فإنه وخلال جلسات مؤتمر القمة المذكورة تم حجب كلمة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، حيث كان من المفترض أن يلقيها عبر تقنية الأقمار الصناعية مع بداية حصاره في مقر المقاطعة في رام الله. قد لا يضيرنا نحن الفلسطينيون من طبع أو من في طريقه إلى التطبيع، بحكم أن العلاقات بين دولة الاحتلال وبين العديد من الأنظمة الرسمية في الدول العربية لها تاريخ طويل، ولكن الفرق أن بعض هذه الأنظمة أعلنت بشكل رسمي عن هذه العلاقات، من ايمانها بأن الطريق نحو ضمان بقائها في الحكم تمر عبر بوابة التطبيع، وأنه وفي ظل غياب حياة ديمقراطية حقيقية، فإن بقاء أو مغادرة كرسي الحكم هو بيد الحركة الصهيونية ممثلة بالإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال، وليس عبر صناديق الاقتراع التي تعطي الشعوب حقها في اختيار حُكامها، وبالتالي فإن ولاء هذه الأنظمة حتما سيكون للحركة الصهيونية وليس لشعوبها وأوطانها، متناسية في ذات الوقت بأن ضمان بقائها في الحكم ينتهي مع انتهاء دورها المرسوم لها لخدمة خطة الحركة الصهيونية في السيطرة على الأرض العربية ومقدراتها، وتحول شعوبها إلى مجرد خدم لدولة الاحتلال. المخيف في كل هذا أن تنجح عملية كي وعي الشعوب العربية باتجاه فلسطين وقضيتها، لأن هذه الشعوب هي الحاضنة الأهم للقضية الوطنية الفلسطينية، ولا يجب التقليل من أهمية ما تعمل عليه دولة الاحتلال ومن خلفها الحركة الصهيونية وأذنابهم من العرب في استخدام القوة الناعمة "كي الوعي"، لاحتلال العقول وكسر الإرادة الوطنية كخطوة أولى ومهمة لضرب الهوية الجمعية للشعوب العربية، والتي بدأت منذ زمن بمحاولات تغذية الهويات الفرعية على حساب الهوية العربية الجامعة، فبدأت بإثارة النعرات الطائفية والدينية والاثنية في البلدان العربية، ولا زالت تحاول تفتيت هذه البلدان على هذه الأسس لتثبيت شرعية سعيها إلى تسويق وتسييد "الدولة اليهودية" كدولة قائمة على أساس عقائدي ديني، وفي ذات الوقت دولة ديمقراطية تختلف عن الكيانات العائلية أو الطائفية أو الاثنية القائمة في المحيط العربي. أمام كل ذلك كيف لنا نحن الفلسطينيون أصحاب القضية أن نواجه هذا الواقع، وأن نعيد الاعتبار للنضال الوطني من أجل الوصول إلى حقنا في تقرير المصير، فواقعنا الحالي لا يبشر بخير إطلاقا، لأن الوضع الداخلي الفلسطيني أقل ما يقال عنه بأنه وضع مزري، ونحن بحاجة إلى وقف الانهيار المتسارع. يمكن لنا أن نعيد التضامن الدولي والعربي الشعبي مع القضية الفلسطينيةـ، وأيضا أن نعيد ثقة الشعب الفلسطيني ككل بالقائمين على المشروع الوطني إذا ما أحسنا، وبشكل سريع، إعادة رسم العلاقات الداخلية الفلسطينية على أساس تشاركي ديمقراطي، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية والتي هي ليست فقط الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بل هي أيضا تمثل الهوية الجمعية له في كافة أماكن تواجده. إن استنهاض الحالة الفلسطينية، كفيل بأن يعيد التضامن مع القضية الفلسطينية عربيا وعالميا، وهذا يتأتى عبر إعادة الاعتبار لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ودمقرطتها، والعمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني، والاهتمام بالشتات الفلسطيني، وحل قضاياه ومشاكله، وبخاصة في مخيمات اللجوء في مناطق عمل الاونروا، كذلك إعادة الاعتبار للهياكل التمثيلية للجاليات الفلسطينية في العالم على أسس ديمقراطية، وإشراك الشتات الفلسطيني في كافة الأمور والقضايا التي لها علاقة بالشأن العام الفلسطيني، بحكم أن الشعب الفلسطيني وحدة واحدة يصل تعداده في كافة أنحاء العالم إلى ما يقارب 14 مليون فلسطيني، وليس 5 مليون نسمه وهم المتواجدين في قطاع غزة والضفة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، وهذا يتطلب إعادة صياغة العلاقة ما بين المنظمة والسلطة الفلسطينية، بحيث يتم التأكيد على أن الثانية هي ذراع لإدارة شؤون الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967، فالواقع الحالي يشير إلى ذوبان المنظمة في هياكل السلطة وهذا الأمر له تبعات سياسية سيئة جدا على وحدة الشعب الفلسطيني وعلى المشروع الوطني بشكل عام، فهناك ضرورة لتحديد المهام المطلوبة من السلطة الفلسطينية القيام بها دون الانتقاص من عمل وصلاحيات مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. وأيضا فإن استنهاض الحالة الفلسطينية يتطلب محاربة الفساد المستشري داخل السواد الأعظم من المؤسسات الفلسطينية، وإعادة ثقة المواطن بمنظومة العدالة الفلسطينية، وإعادة بناء الجبهة الداخلية على أسس تحترم حق المواطن في العيش الكريم والفرص المتكافئة، وضمان الحد الأدنى من جودة التعليم، والخدمات الصحية، وتوفير فرص عمل ملائمة والتقليل من نسبة البطالة المتفشية وبخاصة في أوساط الشباب، واعتماد منظومة حماية اجتماعية متكاملة، والأخذ بمبدأ الشفافية والمحاسبة، كإحدى مقومات الصمود والبقاء، وتوفير الأمن الشخصي والعام لكل أفراد المجتمع وتطبيق القانون على الجميع، والتقيد بمبدأ فصل السلطات وعدم التدخل في القضاء وتعزيز استقلاليته ونزاهته وشفافيته، والكف عن تقييد الحريات العامة والاعتداء عليها، وتدخل أجهزة الأمن في الشأن العام بطرق ليس لها سند قانوني، وخارج إطار صلاحياتها. لا يمكن لنا نحن الفلسطينيون أن ننال احترام الآخرين، وأن نقف في وجه التطبيع المتدحرج دون إعادة مفهوم الشراكة السياسية الكاملة، والابتعاد عن الاستفراد بالقرارات التي تخص الشأن العام، والبدء الفعلي بتنفيذ قرارات المجلس المركزي التي صدرت عام 2015، و2018، والاتفاق على برنامج سياسي أساسه إنهاء الاحتلال، واحترام ما تم الاتفاق عليه في اجتماع القيادة الفلسطينية بتاريخ التاسع عشر من أيار الماضي، وأيضا خلال اجتماع الأمناء العامون في الثالث من أيلول الماضي. استنهاض الحالة الفلسطينية، ضمن الإطار المذكور، بحاجة إلى وجود إرادة وطنية صادقة وليست "صوتية" لدى الصف الأول في مكونات النظام السياسي الفلسطيني، فهذه الفئة هي التي تتحكم بإدارة الشأن العام، ولها وبينها مصالح حزبية وشخصية وشللية متشابكة ومتناقضة، ويبدو أن هذا التناقض الشكلي يخدم في نهاية المطاف بقاء جودها على رأس الهرم كُلٌ في موقعه، فبدون إرادة عند هؤلاء، وبدون ضغط شعبي عليهم، أو بدون خلق تيار جماهيري يقف في وجه حالة السقوط القائمة ويطرح برنامج عملي وواقعي، لا يمكن لنا أن نخرج مما نحن فيه من سوء دون تصحيح ما نحن فيه من اعوجاج، فكما قال المثل الشعبي التلم الأعوج من الثور الأبرق. |